1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أمام وقف إطلاق نار هش.. لبنان يواجه تحديات إعادة الإعمار

١٣ ديسمبر ٢٠٢٤

تنفس اللبنانيون الصعداء بعد وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، ليبدأ الحديث عن إعادة الإعمار، لكن التحديات كبيرة جدا في بلد يعاني مسبقا من أزمة اقتصادية.

https://p.dw.com/p/4o3rA
دمار كبير في جنوب لبنان بسبب القصف الإسرائيلي في الحرب مع حزب الله
دمار كبير في جنوب لبنان بسبب القصف الإسرائيلي في الحرب مع حزب اللهصورة من: ANWAR AMRO/AFP

عندما عاد بسام خوند، مربي النحل البالغ من العمر 55 عامًا من قرية صيدون جنوب لبنان، إلى خلاياه بعد توقف الحرب بين إسرائيل وحزب الله، وجد بعض نحله قد مات بسبب غياب الرعاية، إذ منعه القصف الإسرائيلي خلال الصراع الذي استمر 13 شهرًا من العودة إلى قريته.

لكن الآن، مع سريان وقف إطلاق النار منذ 27 نوفمبر/تشرين الثاني، أصبح بإمكان خوند أخيرًا رعاية نحله مرة أخرى، واستعادة مصدر دخله، إذ يقول لـ DW: "كان الخروج من القرية محفوفًا بالمخاطر الشديدة لأننا نعمل في الغابة، حيث يمكن أن تستهدفك في أي وقت طائرة بدون طيار".

واجه خوند موسماً صعباً، نفق بعض نحله بسبب نقص الطعام، واحترق جزء آخر في الحرائق التي اندلعت بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، زاد انخفاض أسعار العسل من الوضع الصعب بسبب انخفاض الطلب، ولم يعد يستطع إنتاج ما يكفي لبيعه، كما لم يعد قادراً على تدريب مربيّ النحل.

لكن الآن، كل هذا أضحى من الماضي بالنسبة له، يركز خوند على إعادة بناء مصدر دخله، ورعاية نحله، وزيادة إنتاج العسل، وتدريب مربي النحل الآخرين مرة أخرى.

أدت الحرب بين إسرائيل وحزب الله إلى مقتل ما يقرب من أربعة آلاف شخص وإصابة أكثر من 16 ألف في لبنان وفقًا لوزارة الصحة اللبنانية.، كما شُرّد أكثر من مليون شخص ودُمّر الاقتصاد.

خسائر كبيرة في الزراعة

دمرت الحرائق ما يصل إلى 65 ألف شجرة زيتون، وتضرر ستة آلاف هكتار من الأراضي الزراعية، وفقًا لوزير الزراعة عباس الحاج حسن، الذي وصف استخدام الذخائر الفوسفورية من قبل إسرائيل بأنه "جريمة بيئية"، في تصريح له على قناة الجزيرة الإخبارية العربية.

في قرية دير ميماس جنوب لبنان، أسست روز بشارة شركة زيت الزيتون "درمّاسّ"، وفي عام 2023 فازت شركتها بالميدالية الذهبية في مسابقة نيويورك العالمية لزيت الزيتون (NYIOOC World Olive Oil Competition). وقالت روز بشارة لـ DW إنه عندما كانت إسرائيل تقصف لبنان، اضطرت إلى نقل الإنتاج إلى منشأة أخرى في قرية جنوبية أخرى، بعيدة عن الحدود.

لكن على الرغم من الدمار، هناك بصيص من الأمل، كما تؤكد بشارة، إذ بينت تحليلات التربة قبل الحصاد أن تربة قرية دير ميماس لا تزال خالية من المعادن الثقيلة والفوسفور (تخلفها عادة القذائف والقنابل)، مما يبشر بإمكانية الإنتاج في المستقبل.

ومع ذلك، فإن الخسائر التي تكبدها مزارعو جنوب لبنان هائلة.  ويُقدر أن ستين بالمئة منهم لم يتمكنوا من الحصاد هذا العام بسبب الحرب، حيث واجهت بشارة نفسها خسائر تقدر بنحو نصف مليون دولار في المعدات والقدرة الإنتاجية.

وبينما تحمل الأراضي الخصبة التي كانت تُعيل الحياة سابقًا ندوب الحرب، يبدأ لبنان في مواجهة تحديات إعادة البناء والتشييد، وسط وقف هش لإطلاق النار يوفر لحظة من الراحة، لكن الوضع قابل للاشتعال مجددا في أيّ لحظة.

تحديات إعادة البناء

كان اقتصاد لبنان يعاني بالفعل من أزمة قبل الحرب بسبب الركود الاقتصادي الذي بدأ في عام 2019.  وأدى التضخم المرتفع وانخفاض قيمة العملة وارتفاع الأسعار إلى معاناة 82 في المئة من السكان من "الفقر متعدد الأبعاد"، وفقًا للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا).

وقد عمقت الحرب مع إسرائيل الأزمة أكثر، كما تُظهر البيانات التي جمعها البنك الدولي مؤخرًا، إذ تضررت أو دُمّرت حوالي مئة ألف وحدة سكنية، بالإضافة إلى مرافق عامة حيوية مثل المستشفيات والبنى التحتية. تُقدر تكلفة الأضرار المادية والخسائر الاقتصادية بـ 8.5 مليار دولار، بينما تتوقع فرقة عمل مستقلة أن يتجاوز الأثر الاقتصادي 20 مليار دولار.

استعدادات لبنانيين للعودة إلى ديارهم
استعدادات لبنانيين للعودة إلى ديارهمصورة من: Hassan Hankir/REUTERS

يقول سامي عطالله، المدير المؤسس لمركز الأبحاث "مبادرة السياسات" في بيروت، إن الصراع لم يقتصر على تقليص الاقتصاد أكثر فحسب، بل ترك الناس بدون قطاع بنكي فعال لدعم جهود إعادة البناء. ويضيف في حديث لـ DW: "على عكس حرب عام 2006 (حرب تموز)، استهدفت إسرائيل الممتلكات الخاصة هذه المرة، ما زاد من تفاقم تدهور اقتصاد لبنان، لأن مدخرات الناس ضاعت، بينما انخفضت مداخيلهم".

تأمين التمويل أمر ضروري

وفي حين قدمت عدة بلدان ملايين الدولارات كمساعدات للنازحين أثناء الحرب، فإن إعادة بناء البلاد تتطلب موارد أكبر. وبعد وقف إطلاق النار، وعدت إيران، أكبر حليف لحزب الله، بتقديم الدعم، بينما تعهد مسؤولون في حزب الله بالمساهمة، كما ذكر العراق أنه سيقدم مساعدات لإعادة البناء في لبنان وغزة.

في أكتوبر/تشرين الأول، جمع مؤتمر دولي في باريس، خصص للمساعدات، حوالي مليار دولار من التعهدات، بما في ذلك تمويل القوات المسلحة اللبنانية، الأمر الذي سيكون بالغ الأهمية في فرض وقف إطلاق النار.

ترى ليلى داغر، أستاذة الاقتصاد المشاركة بالجامعة الأمريكية في بيروت، أن إعادة بناء لبنان تعتمد على التمويل الدولي، مع أهمية حزمة صندوق النقد الدولي، لأجل دفع الجهات المانحة العالمية لإطلاق التمويل. وتقول لـ DW: "يكمن التحدي في ضمان ربط التمويل بآليات شفافة مدفوعة بالإصلاحات لمنع سوء الإدارة، وإعادة بناء الثقة في حوكمة لبنان".

ومن جهته، يعتقد سامي عطالله أن تمويل جهود إعادة الإعمار يواجه عقبات رئيسية، حيث تُظهر دول الخليج اهتمامًا أقل، ويظل دعم إيران غير مؤكد، أما الدول الغربية، التي تدعو إلى إعادة البناء، فهي تساهم من جانب آخر في تسليح إسرائيل، فضلا عن أن مخاطر الفساد لا تزال قائمة، إذ تهيمن الشركات ذات النفوذ السياسي على العقود، غالبًا بمشاركة الجهات المانحة. ويوضح عطالله لـDW: "من الضروري أن تكون هناك مساءلة أكبر من السلطات اللبنانية والجهات المانحة الدولية على حد سواء".

مع استنزاف الموارد المحلية للدولة اللبنانية، وغياب خطة إعادة بناء ملموسة بعد، تحث ليلى داغر الحكومة على "إعطاء الأولوية للسياسات الشفافة والمسؤولة لإعادة البناء، وأن تتعلم من الأزمات السابقة".  وترى أن إنشاء قاعدة بيانات عامة عبر الإنترنت لتتبع المساعدات والتقدم "أمر ضروري لتعزيز الثقة وتقليل الفساد".

وجود حكومة قوية أمر ضروري

يعاني لبنان من غياب رئيس للبلاد منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بينما تفتقر الحكومة الحالية إلى الصلاحيات الكاملة.  حدد رئيس البرلمان نبيه بري جلسة لانتخابات الرئاسة في 9 يناير/كانون الثاني 2025.

احتفالات بوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل
عودة نازحين واحتفالات بوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيلصورة من: Hussein Malla/AP Photo/picture alliance

وقد أدى هذا الفراغ السياسي إلى تغذية انعدام الثقة لدى الجهات المانحة الدولية، التي تشعر بالفعل بالقلق إزاء تاريخ نخب لبنان في الفساد وسوء الإدارة، حيث تُعتبر الحكومة الحالية غير فعالة وغير مجدية، ومن أكبر الأمثلة على ذلك محاكمة رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان السابق، بتهم ارتكاب جرائم مالية.

وقال عطالله: "يجب على الدولة اللبنانية الإشراف على إعادة البناء لتجنب النهج المجزئ، ويجب ألا تتدخل الأحزاب السياسية في عملية إعادة البناء، لأن تأثيرها يقوّض قدرة الدولة على العمل بكفاءة".

من جانبها، ترى داغر أن وجود حكومة مدفوعة بإجراء إصلاحات أمر ضروري لإعادة بناء الثقة مع الشعب اللبناني والمجتمع الدولي. وتقول: "لفكّ قيود التمويل الدولي، يحتاج لبنان بشكل عاجل إلى انتخاب رئيس للبلاد، ورئيس للوزراء، يكونان منفتحين على الإصلاحات، وملتزمين بالشفافية والمساءلة".

وقف إطلاق نار هش

ومع ذلك، ترتبط إعادة البناء والإصلاحات ارتباطًا وثيقًا بوقف دائم لإطلاق النار.  ويظل اللبنانيون متشككين، إذ يمكن أن ينهار الوضع في أي لحظة. وصرح مصدر من اليونيفيل (قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان) لسي إن إن بأنّ إسرائيل انتهكت اتفاق وقف إطلاق النار حوالي مئة مرة منذ دخول الهدنة حيز التنفيذ الأسبوع الماضي، بينما رد حزب الله بهجمات صاروخية.

وترى روز بشارة أنه لا يمكن وضع خطط للمستقبل حتى الآن، إذ من غير الواضح ما إذا كان وقف إطلاق النار سيستمر أم لا. وتقول: "لا يمكننا قول أي شيء حتى نحصل على رؤية واضحة للوضع. لا أحد مستعد لمواصلة الحرب، لكننا لا نشعر بالأمان الكافي للعودة حتى الآن".

بدوره، يأمل مربي النحل بسام خوند في أن يستمر وقف إطلاق النار، قائلاً: "لقد لحق بنا ضرر كبير، لكن لدينا جار ليس من السهل التعامل معه".

أعده للعربية: ع.ا