إشعاع عربي متزايد للثقافة السودانية
٢٤ مارس ٢٠١١واقع الأمر يشير إلى أن السنوات الأخيرة من هذا العقد شهدت تكاثر مؤشرات اهتمام من الكتاب والأدباء العرب بالثقافة السودانية. فقد أصدر قبل سنوات قليلة، الناقد المصري فؤاد مرسى، كتابا عن القصة القصيرة في السودان، استطاع فيه جمع نماذج لأجيال مختلفة من كتاب السرد القصصي. وقد أسهم هذا الكتاب، بلا شك، بالتعريف بالقصة السودانية.
بعد ذلك توالت عدد من الإصدارات التي تتناول الإبداع السوداني، فظهر "كتاب في جريدة" الذي تصدره مؤسسة اليونسكو، ليسلط الضوء على الشعر السوداني، وبعده صدر كتابين عن "الجزائر عاصمة للثقافة العربية" أحدهما عبارة عن أنطولوجيا عن القصة السودانية، والآخر مختارات من الشعر السوداني.
وتوجت هذه الإسهامات بنيل الكاتب والناقد التشكيلي محمد عبد الرحمن حسن الجائزة الأولى في مسابقة الشارقة للبحث النقدي في مجال التشكيل، والتي نالها منتصف مارس/آذار الجاري. بجانب وصول رواية الكاتب السوداني أمير تاج السر إلى القائمة القصيرة في جائزة البوكر العربية.
وفي حديث له مع دويتشه فيله برر الناقد محمد عبد الرحمن حسن عدم اهتمام الدوائر الثقافية العربية في الفترات السابقة بالإنتاج السوداني في مستوياته الأدبية والفنية لعدم توفر معلومات كافية عن هذا الإنتاج. لكنه قال إنه لمس في مقابلاته ولقاءاته على هامش فعاليات الجائزة انطباعات جيدة من كثير من المشاركين بالآداب والفنون السودانية ولكنهم يلقون باللوم على المبدع السوداني الذي لا يعرف كيف يروِّج لإبداعه وفنه.
المستقبل للسودان
اتساع سمعة أغلب الأدباء والكتَّاب السودانيين المعروفين أمثال الطيب صالح والفيتوري وتاج السر الحسن وجيلي عبد الرحمن، جاء، وبشكل كبير، من خلال اعتراف الأوساط الثقافية العربية بهم، إلا أن الناشر نور الهدى محمد نور يعزى أيضا ضعف الاهتمام العربي بالإنتاج الأدبي السوداني إلى ضعف آليات النشر داخل السودان في الفترة السابقة. وقال نور لــ"دويتشه فيله" إن النشر خارج السودان أتاح لمبدعين وكتاب أمثال الطيب صالح والفيتورى وتاج السر الحسن وغيرهم شهرة واسعة في الأوساط الثقافية العربية لأنهم نشروا إنتاجهم في بيروت والقاهرة، عندما كانت مراكز إشعاع ثقافي كبيرة في حقبة الستينيات.
وفى السياق نفسه أشار نور إلى تطور تكنولوجيا الطباعة الذي أسهم مؤخراً في رفد الساحة الثقافية العربية بأسماء إبداعية سودانية مميزة، بجانب ظهور معارض الكتاب الإقليمية والدولية التي أتاحت للمطبوعات السودانية فرصة الإطلال على الخارج. وأكد نور أن المستقبل للمبدع السوداني، الذي توقع له أن يحتل موقع الصدارة على خارطة الإبداع العربي قريبا. ويدلل على ما يقول بتنوع السودان الإثني والعرقي، والذي هو، حسب نور، خليط من حضارات راسخة افريقية وعربية وعالمية.
الثقافة السودانية وتجاوز موقع الهامش
من جهته قال المترجم الأدبي مجدي النعيم لــ"دويتشه فيله" إن ضعف الاهتمام العربي بالفنون والآداب السودانية في الفترة الماضية ساهمت فيه عدة أسباب. يرى النعيم أن موقع السودان الهامشي بين التيارات الثقافية العربية وارتباط التيار السائد في الثقافة العربية بالسلطات في الدول العربية التي لا تعترف بالتنوع ساهم في عزلة السودان الثقافية.
بجانب ان السودان ومنذ ان نال استقلاله، بحسب النعيم، كان محكوما بأنظمة دكتاتورية قيدت حرية التعبير كما قيدت التبادل الثقافي بين السودان ومحيطه الإقليمي والدولي، الأمر الذي ساهم في نمو تيارات الكتابة السودانية في عزلة عن هذين المحيطين. ويرى النعيم أن طبيعة شخصية الكاتب السوداني نفسها ساهمت في هذه العزلة فهي شخصية ذات طبيعة تميل في معظم الأحيان إلى "طبيعة المتصوف في زهده وعزوفه عن السعي للمنابر".
ويمضى بالقول إن المثقفين السودانيين ظلوا في حالة تردد بين التواصل مع التيارات الثقافية الشرق أوسطية والإفريقية وفى معظم الأحيان يكاد يكون هناك تصور انه "لا يمكن الجمع بين العالمين. ويرى ان هذا التردد جعل التيارات الثقافية السودانية اقل ارتباطا بالاثنين".
الوضع السياسي وراء الاهتمام المتأخر
أما الناقد الأدبي ياسر عوض فيرى أن هذا الاهتمام المتأخر من الأوساط الثقافية العربية بالثقافة السودانية ما هو إلا انعكاس لاهتمام سياسي. ويوضح ياسر عوض لــدويتشه فيله بأن السودان منذ سنوات ظل بقعة أحداث سياسية متلاحقة، ابتداء من توقيع اتفاقية نيفاشا التي وضعت حداً للحرب الأهلية في السودان، مروراً بأزمة دارفور، ووصولا إلى تفجر الأوضاع الأمنية في منطقة أبي الغنية بالنفط. ويتوقع عوض أن يكون السودان "بؤرة اهتمام ثقافي عربي وإقليمي ودولي باعتباره بقعة أحداث ساخنة، والناس تريد أن تعرف المزيد عنه في الثقافة وطريقة الحياة والعيش"، حسب تعبيره.
وهناك جانب آخر للثقافة السودانية بدأ يبرز للوجود خلال السنوات الأخيرة يتمثل في الأدب النسائي الذي تطور بكثافة مؤخرا في كثير من المطبوعات والكتب والملاحق الثقافية بالصحف اليومية بجانب الوجود الظاهر فى منتديات المواقع الالكترونية. الشاعرة نهلة محكر قالت لـــدويتشه فيله إن"انتشار الأدب النسوى يكبر بازدياد الوعي المجتمعي الذي صار يتقبل فكرة أن المرأة تكتب". وتشير محكر إلى انتشار المنتديات على شبكة الانترنت الذي ساهم بشكل كبير في إبراز العديد من الأسماء المبدعة من الكاتبات السودانيات.
من جهة أخرى يشير نور إلي بروز أدب المرأة في الساحة الثقافة السودانية الذي بدأ يظهر بقوة في الآونة الأخيرة، بعد أن قررت المبدعة السودانية تمزيق ثياب الخوف من ارتياد مثل هذه الأفاق الرحبة. وقال المرأة بدأت تعبر عن كينونتها وذاتها بشكل قوى ومقنع ونتيجة لذلك ظهرت عشرات الأسماء من المبدعات السودانيات وهذا بالطبع يعد تطوراً كبيراً.
عثمان شنقر/ الخرطوم
مراجعة: حسن زنيند