إعلامي مصري: الحكومة تسعى إلى تنظيم الانتخابات في ظلام دامس
١٥ أكتوبر ٢٠١٠في فصل جديد من لعبة لي الذراع بين السلطات المصرية والصحافة أعلن مجلس إدارة "المنطقة الحرة العامة الإعلامية" المصرية، إيقاف بث قنوات "الخليجية" و"الحافظ" و"الصحة و"الجمال" بشكل مؤقت، وكلها قنوات دينية بدعوى مخالفتها شروط الترخيص الممنوحة لها. كما وجه إنذارا لقناتي "أون.تي.في" وقناة "الفراعين".
ورأى عدد من المراقبين لتطورات الأوضاع السياسية في مصر، في هذه الخطوة محاولة من السلطات المصرية التضييق على المعارضة قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة. ومن مؤشرات هذا التوجه الرسمي، سن قانون ما يسمى ب"تنظيم البث الفضائي" وفرض الرقابة على رسائل الهاتف المحمول. ولتسليط الأضواء على خلفيات هذا الموضوع أجرت دويتشه فيله الحوار التالي مع جمال فهمي، الكاتب والصحافي في جريدة الدستور وعضو مجلس نقابة الصحافيين المصريين.
دويتشه فيله: قرر مجلس إدارة المنطقة الحرة العامة الإعلامية حجب أربع قنوات بشكل مؤقت. كيف علل المجلس هذا القرار؟ وكيف تقرؤه في سياق المرحلة الحالية؟
جمال فهمي: لم يقرر المجلس وقف القنوات الأربعة فقط، بل وجه إنذاراً لقناتين أخريين أكثر شهرة. ولم يذكر الإنذار نوع المخالفات أو الخروقات التي قامت بها القناتان، بل ذكر كلاماً عاماً. لقد تمت الإشارة إلى "ميثاق الشرف الإعلامي" وهو ميثاق لا يعلم أحد أين هو، وما هي بنوده. إن الغرض من هذه الخطوة هو التخويف وإشاعة مناخ من الرعب والخوف في أوساط الإعلام والصحافة. فنحن نصحو كل يوم على قرار جديد، وذلك منذ أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، وأعني بذلك: إغلاق قناة تلفزيونية مثل قناة "أوربت" أو ما حدث للصحافي عمرو أديب، أو إيقاف الصحافي إبراهيم عيسى، بل وإغلاق منابر للصحافة الحرة مثل جريدة الدستور.
وبعد ذلك كثرت حبات المسبحة، فتارة منعت خدمة الرسائل المجمعة (للمواقع والشركات) وتم وقف خدمة الرسائل النصية في الهواتف المحمولة، كما منع البث المباشر لكل القنوات التلفزيونية الخاصة العاملة في مصر، ليس فقط في تغطية الأحداث، ولكن بصفة عامة.
ويعني هذا إلغاء التراخيص السارية حالياً، إنها رقابة جديدة على نوعية البث. وإلزام القنوات بالحصول على تراخيص جديدة بشروط جديدة منها: معرفة أسماء الضيوف، وأيضا نوع المداخلات والتعليقات وموافقة مسبقة على نوعية المتحدثين. فعلى سبيل المثال: عندما تريد دويتشه فيله إجراء حديث معي في المستقبل، فيجب على مكتبكم في القاهرة التقدم بطلب للحصول على تصريح بإجراء حديث إعلامي يذكر فيه اسم المتحدث وإذا كنت أنا المتحدث، فسيرفض الطلب بالطبع، لأن اسمي موجود على قائمة الممنوعين.
هل لإجراءت التضييق على حرية الإعلام علاقة بالحراك السياسي المتعلق بالإنتخابات المرتقبة، ومسألة خلافة مبارك؟
على كل حال، يعتبر ما يحدث الآن خطوة إلى الوراء، فلا توجد في مصر في الوقت الحالي أي حرية من الحريات العامة، فلا تداول على السلطة، ولا حرية إنشاء أحزاب، ولا انتخابات نزيهة، ولا اختيار للحاكم. فلكي تنشئ حزبا جديدا في مصر يشترط موافقة لجنة حكومية خاصة بإنشاء الأحزاب، وللمفارقة فإن من يرأسها هو أمين عام الحزب الحاكم. وهذا يعني أن الحكومة تختار معارضيها. هم ليسوا معارضة "ولا حاجة". ليس لدينا سوى حرية التعبير فقط، وهي تحاصر الآن بشدة وخاصاة في السنوات الأخيرة. فأنتم تعلمون أن مصر شهدت حراكاً سياسياً قوياً جداً وتصاعدًا في المطالب الديمقراطية.
لكن هناك من المراقبين من يعتقد أن هذا التضييق ليس مرتبطاً بالسياق السياسي الحالي فقط ولكنه مرتبط ببنية النظام السياسي ذاته؟
بالطبع للأمرأيضا علاقة ببنية النظام ذاته، فلم يكن لدينا سوى مساحة ضيقة للتحدث بحرية، وهذه المساحة عُرفية، غير مستندة إلى قانون واضح وصريح، فالبنية السياسية القائمة في مصر بنية قمعية بوليسية. وتحولت حرية التعبير إلى حرية صراخ، فطبيعة النظام ترفض مثل هذه الحريات، الغريبة عنه. فبعد أسابيع قليلة سنشاهد جميعاً "مهرجان التزوير الشامل"، والذي سيقيمه النظام، تحت مسمى انتخابات تشريعية جديدة. والكل يعلم أنها مزورة مسبقاً ولا ضمانات عليها ولا تتمتع بأي معايير النزاهة، لا إشراف قضائي ولا أي إشراف من أي نوع. حتى كلمة "التزوير" تعجز عن وصف كل هذه الظاهرة السلبية.
هم يريدون أن تتم هذه الانتخابات المزورة في ظل ظلام دامس، بحيث لا يدري أحد أي شي عنها، ولا تُنقل عنها أي صورة تكشف فجاجة ما سيتم. هذا بالإضافة إلى الخطوة الأكثر أهمية وستجري في العام المقبل، وأقصد بها الانتخابات الرئاسية، قمة السلطة، وما سيجري فيها. فإما أن يُمدد للرئيس حسني مبارك، لفترة رئاسية أخرى لمدة ست سنوات جديدة، بعد أن أمضي في الحكم ثلاثين عاماً، أو أن تنتقل السلطة بالوراثة إلى نجله جمال مبارك.
كل هذا يحتاج إلى "تمهيد مدفعي" لإسدال الظلام على المجتمع بكامله، فلا يُنقل للخارج ما يجري هنا، وهذا "القصف المدفعي" يتم الآن. وهذه قضية مهمة جداً بالنسبة لهم. فأكثر ما يهم النظام هو صورته في الخارج، وتحالفاته مع القوى الغربية. طبيعة هذا النظام وأغلب الأنظمة في المنطقة تسعى للحفاظ على صورة جيدة في الخارج. والدول الغربية في سياستها لا تخلو من الانتهازية، فهي تريد أن يجري كل شيء في الظلام ولا تصل صورة تحرج هذه القوى، التي تدعم وتتحالف مع هذه النظم القمعية المحلية، التي توجد عندنا.
ما الذي تبقي اليوم إذا من هذه "الحرية العُرفية" التي تحدثت عنها؟
ما تبقى هو ما نستطيع أن نحافظ عليه بالمقاومة شبه اليومية ضد هذه الهجمة الجديدة. فالسؤال ربما يكون مبكراً قليلاً، نحن لا نعرف في الواقع ماذا سيتبقى لنا منها، وماذا سيبقى من هذه الحرية. وما هي نهاية الحملة على حرية التعبير وحرية الكلام في مصر، وذلك لأننا نصحو كل يوم على خبر جديد يحمل إجراءات تضييق جديدة.
أنت نفسك تم اعتقالك لمدة خمسة أشهر لاتهامك بالقذف في حق وكيل مجلس الشورى المصري، ما يعني أن القوانين المصرية تسمح بسجن الصحافيين، ومع ذلك فإن الحكومة المصرية تُردد بأن مساحة الحرية واسعة في مصر، ما رأيك في ذلك؟
في الواقع، ومثل ما قلت، هذه هي "حرية عُرفية"، فهي لا تستند إلى نظم ثابتة أو إلى تشريعات تحميها. بالعكس فكل التشريعات والقوانين المعمول بها في مصر تكاد تصادر حق التنفس. لذلك نحن نعتمد في هذا الهامش على نوع "السماح" وعلى نوع من توازن القوى، والذي كان لا يسمح للنظام أحياناً بأن يبطش بكل منابر التعبير الحرة وبكل الأقلام الحرة، ولكنه فهو لا يتردد عندما يجد الفرصة سانحة.
النظام يفتخر أمام الغرب بحرية التعبيرفي مصر، حرية ليس لها أي امتداد آخر على أي صعيد، في ظل رئيس يحكم بقانون الطوارئ منذ ثلاثين عاماً، ويريد أن يورث الحكم لنجله، و"تغول(من غول)" وتغلغل الأجهزة الأمنية والبوليسية في كل أوجه الحياة، لكم أن تعرفوا ويعرف والقارئ، أن في مصر أكبر نسبة لعدد قوات الأمن بالمقارنة إلى عدد السكان. حيث يصل العدد إلى 1.5 مليون شخص تابعين لأجهزة الشرطة والأمن والمباحث بأنواعها المختلفة. وهذه نسبة خطيرة. هذا جيش جبار يُستخدم لقمع الناس في مصر.
ويلاحظ المرء أنه عندما يتجمع بضع عشرات من الأشخاص للتعبير السلمي الاحتجاجي في أي شارع، يحتشد حولهم عشرات الآلاف من قوات الأمن لمواجهتهم. والهدف بالطبع هو الترهيب والحصار ومنع الناس من الإعتياد على وسيلة التعبير السلمي في الشوارع. كل هذه المظاهر غريبة ولا تتناسب مع حرية التعبير.
أجرى الحوار: حسن زنيند / حسام صابر
مراجعة: منصف السليمي
جمال فهمي كاتب وصحافي بجريدة الدستور، وعضو مجلس إدارة نقابة الصحافيين المصريين