اتفاقية أوغندا حول مياه النيل: مدخل لصراع عربي إفريقي؟
١٦ مايو ٢٠١٠يستغرب خبير المياه المصري ورئيس جمعية المياه العربية مغاوري شحاتة دياب تركيز وسائل الإعلام على تسع دول فقط من دول حوض النيل وإهمال دولة عاشرة هي إريتريا. فإريتريا تعتبر من دول المنبع الهامة؛ لكن يجري تجاهلها حين يدور الحديث حول النزاع على تقاسم مياه النيل بين دول المنبع والمصب وذلك ربما "بسبب عدم توافقها" مع مواقف إثيوبيا التي "تقود دول المنبع الأخرى"، وهي أوغندا ورواندا وتنزانيا وبوروندي والكونغو الديمقراطية.
ومن هنا يرى دياب، في حوار مع دويتشه فيله، بأن اتفاقية الإطار، التي وقعتها أربع دول فقط، من دول المنبع يوم الخميس (14 أيار/ مايو 2010)، من جانب واحد لإعادة تقاسم مياه النيل "ناقصة". إذ لا يكتمل النصاب القانوني لها "حتى طبقا لما كانت هذه الدول قد اتفقت عليه وهو أن تكون القرارات داخل دول حوض النيل بالأغلبية". لذلك يشدد دياب على أن اتفاق الإطار، الذي وقعت عليه كل من إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا، غير قانوني لأن "أغلبية الدول لم توقع عليه".
وبدوره يقلل إسماعيل الباز، خبير المياه في المؤسسة الألمانية الدولية لتطوير الكوادر البشرية، والمعروفة باسمها المختصر إنفينت (InWent)، من أهمية هذه الاتفاقية معتبرا إياها "نوعا من الاستعراض السياسي لا أكثر ولا أقل". ويضيف الباز، في حوار مع دويتشه فيله، بأنه "لا يجوز لأربع دول أن توقع على اتفاقية ويتم إهمال ست دول أخرى". من هنا يشدد الباز على أن هذه الاتفاقية الإطارية "بلا معنى أو مفعول" لأنها من جانب واحد وبالتالي ليس "لها أي خطورة على مصدر المياه في مصر والسودان".
رب ضارة نافعة: الاتفاقية قد تفتح الباب للحوار مجددا
ويقدم عكاشة السيد، رئيس مركز الدراسات السودانية بشرق إفريقيا، صورة مخالفة عن هذه الاتفاقية، معتبرا أنها ليست جديدة. ويضيف السيد، في حديث لدويتشه فيله، بأن هذه الاتفاقية معروضة منذ "ثلاث سنوات وأن مصر والسودان أخرتا التوقيع عليها بادعاء أن لهما حقوقا تاريخية في مياه النيل". ويوضح الباحث السوداني، المقيم في العاصمة الكينية نيروبي منذ عشرين عاما، بأن هذه القضية تمثل اهتماما كبيرا للدول الإفريقية، خصوصا أن "الدول الأربع التي وقعت على الاتفاقية هي الدول الأساسية التي تسيطر على مياه النيل". فإذا لم تحسم هذه القضية وتلجأ هذه الدول، سواء من المنبع أو المصب، إلى تقديم تنازلات فإن الأمر "قد يتطور إلى نزاعات إقليمية".
غير أن لأحمد بو عزي، الأستاذ التونسي الزائر في الجامعة الإفريقية للعلوم والتكنولوجيا بأبوجا، رأيا آخر. فهو يرى أن هذه الاتفاقية قد تشكل حافزا يدفع هذه "الدول لفتح حوار لإجراء إصلاحات فيما يخص المياه في دول المنبع". ويضيف بوعزي، الأستاذ الجامعي المتخصص في الطاقات المتجددة، في حوار مع دويتشه فيله، بأنه لا يمكن "أن تتخلى مصر عن حقها التاريخي في مياه النيل. وكما قال هيرودوت فإن مصر هبة النيل؛ وبالتالي فإن مياه النيل تعتبر مسألة حياة أو موت بالنسبة إليها". ويشدد بوعزي على أن هذا "الاتفاق الجزئي (الإطاري) يشكل عامل ضغط على الدول غير الموقعة كي تبحث عن أفق تشارك فيه كل دول حوض النيل".
هل يؤدي النزاع حول الحصص إلى نشوب حرب؟
ويبدي بوعزي خشيته من أن تؤدي النزاعات حول تقاسم مياه النيل إلى نشوب حروب؛ فإذا كانت البشرية قد شهدت في "بدايتها حربا على النار وامتلاكها فإن مشكلة المياه قد تؤدي إلى حروب إذا لم يتم التوصل إلى اتفاقيات سلمية حول تقاسمها". فهناك "مشكلة حقيقية فيما يتعلق بالمياه في الشرق الأوسط وجنوب البحر المتوسط". والمياه "مشكلة حياتية بالنسبة لكل شعوب المنطقة"، حسب الباحث التونسي.
وبدوره يخشى عكاشة السيد أن يتحول النزاع على مياه النيل "إلى صراع عربي إفريقي، وهذا قد يجرنا إلى مشاكل نحن بغنى عنها"، داعيا دولتي المصب العربيتين (مصر والسودان) إلى "التعامل بجدية مع مطالب دول المنبع والدخول معها في حوار معمق" لأن بعض هذه المطالب "معقولة". كما يستبعد إسماعيل الباز، خبير المياه في مؤسسة InWent الألمانية نشوب حرب بسبب المياه لأنها، أي الحرب، لن تكون "في مصلحة أي دولة من دول حوض النيل".
أما خبير المياه المصري مغاوري شحاتة دياب فيقلل من شأن بعض الأصوات التي ارتفعت في مصر و"حذرت من وقوع حرب في حال مست حصة مصر من مياه النيل" مؤكدا بأنه لا "مجال على الإطلاق لوقوع حرب بين مصر والدول الإفريقية بسبب المياه". ويشدد دياب على أنّ "مصر تدعو إلى السلام دوما وهي تقود ملف تقاسم الحصص بمنطق علمي وفني قوي وكذلك بمنطق سياسي ودبلوماسي قوي".
التنمية هي الحل الوحيد لهذا النزاع
وإذ يعترف دياب بأن الاتفاقيات التي تنظم توزيع مياه النيل كلها "لصالح مصر تحديدا لأنها كانت الأكثر عرضة للضرر"، إلا أنه يشدد بأن بلاده ليست مسؤولة عنها. فمصر مسؤولة عن اتفاقية واحدة، وهي "الاتفاقية التي تنظم تقاسم المياه بينها وبين السودان في بحيرة السد العالي دون أخذ المياه من المنابع". وينفي الباحث المصري أن تكون بلاده تستحوذ على حصة أي دولة من دول المنبع، مؤكدا أنها ترى في التنمية حلا لهذا النزاع. فمصر "تؤمن بالتنمية وبحق هذه الدول بالتنمية وهي تساعدها في هذا المجال".
ومن جانبه يحث الباحث السوداني عكاشة السيد مصر والسودان على بذل "المزيد من الجهود والاتصال بالصناديق العربية وبنوك التنمية العربية للمساعدة في تنمية هذه الدول". ويشدد السيد، في حواره مع دويتشه فيله، بأن القضية الأساسية هي "التعاون بجدية مع دول المنبع لأن هذه الدول مستعدة للتنازل عن مطالبها الحالية إذا وجدت تجاوبا من دول المصب العربية في إقامة مشاريع تعوض هذه البلدان كحفر آبار ارتوازية في الأراضي الجافة التي تتعرض للمجاعة والتصحر".
إذاً التنمية، التطور، محاربة التصحر عناوين يتفق خبراء المياه على أنها مفاتيح لحل مشاكل دول المنبع وبالتالي للنزاع على حرب الحصص أو أمن المياه في حوض النيل. وحسب إسماعيل الباز فإن الدول الأوروبية، وخصوصا ألمانيا، تساهم أيضا في إيجاد حلول للمشاكل المتعلقة باستغلال المياه. فهذه الدول تنفذ مشاريع "كثيرة في دول حوض النيل وبشكل خاص في الدول الأكثر فقرا". وهذه المشاريع هي جزء من التعاون بين دول الاتحاد الأوروبي وهذه الدول وكذلك لدفع هذه الدول إلى التعاون الإقليمي فيما بينها "في عملية استغلال حكيم للمياه، بدلا من النزاع عليها".
الكاتب: أحمد حسو
مراجعة: هشام العدم