الانتخابات المصرية.. الكتلة الصامتة مازالت صامتة
٢٧ نوفمبر ٢٠١١كان شكله لافتا. وقف وسط الميدان يتأمل الخيام من حوله بلحيته الطويلة، وبنطاله القصير، وقميصه المهندم. لم يبد من هيئته المرتبة وملابسه النظيفة المكوية أنه من المعتصمين منذ أيام في التحرير، بل من المتفرجين المترددين بين الحين والآخر لاستطلاع الوضع، وهو ما انعكس في شعوره الظاهر بـ "الغربة". بلا ممانعة، تحدث سعيد عبدالله علي عبدالنور، مع "دويتشه فيله" قائلا "أنا معتقل منذ 17 عاما في السجون لأني في تنظيم الجهاد. خرجت فقط منذ سبعة أشهر، بالتالي لا أعرف أي من الأحزاب أو المرشحين على الساحة، ولن أشارك في الانتخابات".
ولأن تنظيم الجهاد يعكف على إنشاء حزب مازال تحت التأسيس، لذلك فهو غير مشارك في الانتخابات الحالية. لكن بسؤاله عما إذا كان متعاطفا مع أي من التيارات الدينية الأخرى، قال "القضية ليست مرجعية دينية فقط، المهم هو تطبيق تلك المرجعية على الأرض بعد الوصول للحكم، والأهم هو ألا يكون الحزب بمرجعية دينية لكنه ينفذ إملاءات غربية وأوروبية".
وضرب سعيد مثلا بالحكومة الألمانية التي يرأسها "حزب مسيحي"، لكنها تطبق برامجها الانتخابية، مؤكدا أن العبرة ليست في المرجعية الدينية بقدر ما هي في كفاءة القيادات السياسية على تطبيق برامجها. واعتبر سعيد أن كل الأحزاب الموجودة في النهاية تصب في خانة واحدة لذلك فهو متمسك بالامتناع عن التصويت في هذه الانتخابات.
سعيد.. معتقل سابق لن يشارك في الانتخابات
حيرة سعيد ورفضه المشاركة قبل ساعات من الانتخابات لم تكن حالة وحيدة من نوعها في الميدان. فخلافا للتجربة المثيرة التي عاشها المصريون بمختلف طوائفهم في الاستفتاء على الدستور قبل أشهر، لا يبدو أن فئات الشعب مجمعة هذه المرة على الإقبال بذات الحماس للتصويت في مراكز الاقتراع. على سبيل المثال، شارك حسن علي (ملاح جوي) في استفتاء مارس بعد سنوات طويلة لم يشارك خلالها في أي انتخابات. ويقول حسن، المعتصم في خيمة أمام مبنى مجلس الشعب للمطالبة بإقالة المجلس العسكري، "هذه الانتخابات مهزلة لأنها تتم في أجواء غير مواتية على الإطلاق. لم يحدث خلال الأشهر الماضية أي توعية سياسية حقيقية أو أي تطوير للمؤسسسات".
وفي خيمة أخرى على بعد خطوات في ميدان التحرير، دخل مجموعة من المحامين في اعتصام مماثل. وفي حديث لـ "دويتشه فيله"، قال محمد مكرم مهران، محامي وناشط سياسي، إنه وزملاؤه سيقاطعون الانتخابات رغم تعاطفه مع مرشحي "شباب الثورة"، مثل أسماء محفوظ وحزب الاشتراكيين الثوري، على حد وصفه. واعتبر مهران أن الوقت ليس مناسبا لأي انتخابات لأن "ما بني على باطل فهو باطل"، في إشارة إلى استفتاء التعديلات الدستورية، الذي اعتبره "كاذبا". ولأن خيام الميدان أيضا تضم المسعفين العاملين في المستشفيات الميدانية، استطلعت "دويتشه فيله" رأي الطبيب يوسف إسماعيل الذي قال "صحيح أني أقوم بواجب إنساني، لكني أيضا معتصم كمواطن يطالب بتنحي المجلس العسكري". ويؤكد إسماعيل "لا يجوز إجراء انتخابات على أساس نظام فاسد".
عيسوي.. يحب فتحي سرور ولا يجد مرشحا أفضل منه
وخلافا لحالة الاستنفار التي يعيشها أنصار مرشحي الأحزاب والمستقلين بكافة تياراتهم الدينية والعلمانية، يبدو أن الكتلة الصامتة - وإن شابها بعض الحراك - استقطبت فئات جديدة من منتفعي ما قبل الثورة. محسن عيسوي، صاحب محل سباكة في منطقة وسط البلد. كان لسنوات من أنصار فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب المنحل، وأحد أقطاب الحزب الوطني المخلوع. ويقول محسن لـ "دويتشه فيله": "كنت أشارك في الانتخابات زمان أيام فتحي سرور. كان يسهل لنا الكثير من الأمور، ويحقق مطالبنا، وكنت في المقابل أقوم بكل أعمال السباكة في بيته الخاص".
وبسؤاله عما إذا كان مؤمنا بأن وظيفة نائب البرلمان تقتصر فعلا على الخدمات، لم ينكر محسن أن الأمر كان في مجمله "مصلحة متبادلة بين النائب والمرشح". ولا يخفي الرجل شعوره بالإحباط من المرشحين والأحزاب واللافتات الانتخابية، قائلا "لا أعلم لمن أعطي صوتي، ولم أعد مهتما. البلد خربت، أنا لا يعنيني إلا رزقي وأكل عيشي الذي توقف منذ الثورة". وبتحدٍ، قال "لن يخيفوني بالغرامة. يقولون من سيقاطع الانتخابات سيدفع 500 – 600 جنيه، لكن لا تعنيني تهديداتهم، ولو اتنططوا مش هافع". وفي محاولة معرفة ميوله بشكل عام، أجاب محسن قائلا إنه يميل إلى الإسلاميين "إن كان في وصولهم للمجلس مصلحة"، وإن أصر على عدم نيته انتخاب أحد. وقال "لا يمكن مثلا أعطي صوتي لامؤخذة لحزب (نجيب) ساويرس (رجل أعمال قبطي مؤسس حزب المصريين الأحرار).. صحيح المسلم والمسيحي أخوات وكل حاجة.. لكن الأخوان أولى".
نوال.. حائرة بين الشباب والأخوان وتعتزم التصويت
على النقيض منه، أكدت نوال محمد، صاحبة محل منظفات، في الشارع نفسه، أنها ستشارك في الانتخابات ومتمسكة بحقها في الإدلاء بصوتها. وقالت نوال لدويتشه فيله "صحيح أنني لم أحسم خياراتي بعد، لكني وزوجي ندخل الإنترنت يوميا ونحاول جمع معلومات عن المرشحين والأحزاب لتحديد خيارتنا". وعبرت نوال، التي تقيم في محافظة الجيزة وبالتالي لديها وقت للتفكير لحين التصويت في المرحلة الثانية، عن قناعتها بأن "الشباب" هم أفضل من يتولى الأمور السياسية الآن. وقالت "من بين كل الموجودين على الساحة لا أجد أفضل من أحزاب الشباب. ربما أتعاطف مع الإخوان لكني أخشاهم. لا أريد حزبا يعيدنا إلى الخلافة الإسلامية ويمنع المرأة من الخروج ويفرض عليها النقاب. ولا أريد أيضا أحزاب منفتحة على الغرب لا تتفهم ثقافتنا. خير الأمور الوسط".
وحول تلك الفئة المتعاطفة مع الإسلاميين والمترددة حتى الآن، تحدث منير أديب، المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، لدويتشه فيله قائلا "الكتلة الصامتة ليس لها وعي سياسي، وقد ترجح كفة الإسلاميين إذا نجحوا في استقطابهم في اللحظات الأخيرة".
الكتلة الصامتة.. رمانة ميزان قد ترجح كفة الأخوان
ويوضح أديب "في جمعة قندهار 29 يوليو التي شارك فيها الأخوان والسلفيون، رفعت أعلام السعودية وصور بن لادن، وطالب المتظاهرون بتطبيق الشريعة الإسلامية. لذلك فقد كانت جمعية مخيفة للمتعاطفين معهم من الكتلة الصامتة، خسر فيها الأخوان قدرا كبيرا من شعبيتهم، لذلك سارعوا في التبرؤ منها". السؤال الآن وبعد "جمعة المطلب الواحد"، التي رأى فيها البعض استعراضا آخر لقوة الإسلاميين، وبعد فض مظاهرة الجمعة 18 نوفمبر، قبل يوم من نزول الشباب فيما عرفت بالثورة الثانية، هل يغفر المترددون للتيارات الإسلامية ما ينسب لهم من ترك الميدان وخذل الثوار، أم يتجاوبون مع الحملات الانتخابية القوية التي يديرها الإسلاميون، وعلى رأسهم الأخوان.
أميرة محمد - القاهرة
مراجعة: حسن زنيند