"الجزيرة".. الراعي الرسمي لـ "بعض" الثورات العربية؟
٩ مارس ٢٠١١يرى كثيرون أن قناة "الجزيرة" الفضائية القطرية كسبت أرضا جديدة على الساحة الإعلامية منذ اندلاع الثورات العربية، في تونس ومصر وليبيا واليمن، لاسيما بقياس البعد العالمي الذي كانت تغطيته مضطربة بداية الأمر بين دعم تلك الثورات، باعتبارها شعبية، وانتقادها، باعتبارها ذات أجندات إسلامية.
لكن "الجزيرة" في الوقت نفسه، بحسب آخرين، خسرت قطاعا كبيرا ممن رأوا أن تغطيها كانت أميل إلى "التحريض" وإشعال الأوضاع في المنطقة. واتهمت العديد من الأنظمة العربية القناة الإخبارية بالانحياز والمبالغة في عرض مجريات الثورة، لاسيما في تونس ومصر.
بين الاتجاهين، وقفت ليلى الزبيدي، مدير مؤسسة "هاينريش بويل" الألمانية في بيروت، مؤكدة أن تغطية "الجزيرة" كانت "مهمة جدا" منذ بداية الثورات العربية. وقالت في حوارها لـ "دويتشه فيله" : "كانت(قناة الجزيرة) داعمة للثوار منذ اللحظة الأولى، وبذلك لعبت دورا مهما، خاصة أن الإعلام الغربي كان بعيدا عن الأحداث. كان هناك تخوف من الإسلاميين، ولم يكن الغرب يرى الصورة جيدا، لم يكن يعرف من هم صناع هذه الثورة، وهو ما فعلته الجزيرة التي أعطت مساحة كبيرة للتعرف على حقيقة المحتجين مطالبهم".
الثورات الخليجية.. اختبار لحياد الجزيرة
في المقابل، أشارت الزبيدي إلى ما وصفته بـ "مشكلة واحدة"، في تغطية الفضائية القطرية، قائلة "رغم أنها قامت بتغطية الأحداث في تونس ومصر ثم ليبيا واليمن بشكل جيد، لكن المشكلة ظهرت في تغطيتها لما جرى في البحرين من احتجاجات مماثلة راح ضحيتها الكثيرون برصاص قوات الأمن الحكومية".
وعزت الناشطة الحقوقية في دعم الديمقراطيات السبب في ذلك إلى العلاقات الخاصة التي تربط قطر بالأنظمة الخليجية للملكيات والإمارات المجاورة. وقالت "لا نعلم شيئا عما يجري في السعودية وبطبيعة الحال عما يجري في قطر نفسها". وأوضحت "هنا المحك. اختلفت تغطية الجزيرة للثورات العربية من دول لأخرى، وفقا لأولوياتها الخاصة".
وأوضحت "القناة الإنجليزية كانت تغطيتها أكثر كثافة من نظيرتها العربية التي لم تعط البحرين حقها، رغم أن رد فعل الحكومة كان عنيف جدا في التعامل مع المتظاهرين". وبحسب الزبيدي، فإن اتهامات بعض المحللين للثورة البحرينية بأنها "شيعية" و"مدعومة من إيران " كانت وراء إحجام "الجزيرة" عن إبراز أحداثها.
اللجوء للموسيقى والتأثيرات البصرية مطلوب دون إفراط
وتمسك الزبيدي العصا من المنتصف، وتعتبر أن "الجزيرة" تطبق المعايير المهنية في ملفات وتتجاهلها في أخرى "من ناحية، طبقوها في تغطية الثورة المصرية، وحاولوا التحدث مع كل الأطراف. مع ذلك بدا واضحا أن لها (قناة الجزيرة) أولوياتها الخاصة عندما اشتعلت الاحتجاجات في البحرين".
ولفتت الزبيدي إلى لجوء الفضائية القطرية إلى الموسيقى والتأثيرات الصوتية والبصرية لعرض أحداث الثورة عبر بروموهات "درامية". وقالت "كان واضحا أنهم اتخذوا مواقف منحازة للثورة. لا أقول هذا خطأ بالضرورة لأنني لا أؤمن بالموضوعية المطلقة في التغطية الإعلامية". ورأت أنه كان من المهم إعطاء الشعب دعما وأرضية للتعبير عن أنفسهم، إلا أنها لدى المقارنة بقنوات مثل "بي بي سي" و"العربية" و"الحرة"، اعتبرت أنهم كانوا "أكثر اعتدالا" في هذه النقطة تحديدا، والجزيرة كانت أكثر "درامية".
وضربت الزبيدي في ذلك مثالا بالفيديو الشهير للسيارة الدبلوماسية الأمريكية التي اكتسحت عشرات المتظاهرين المصريين في مشهد صادم. وقالت "تعمد مخرجو الجزيرة عرض هذا الفيديو مرارا، لاسيما لدى الحديث مع المسؤولين الحكوميين. طبعا أنا متعاطفة مع الثورة، وكانت لحظاتها عاطفية جدا للأمة العربية كلها. كما أني لست ضد الموسيقى أو الاحتفاء بالثورة، لكن الإفراط في استخدام هذه الوسائل يهيمن أحيانا على توجيه الأخبار، وهو ما قد آخذه على التغطية الإخبارية لقناة الجزيرة للثورات العربية".
شهادة مراسل
وفي حين لم تسلم "الجزيرة" من هجوم وسائل الإعلام الحكومية العربية، كتب المراسل الصحفي محمود سعيد، شهادته كمراسل عمل مع "بي بي سي" و"الجزيرة". وكتب في مقال نشر بالقاهرة: "من حسن الحظ أنني خلال الـ 18 يوما الأولى من الثورة... تذوقت من أبرز أطباق الإعلام الناطق بالعربية". ووصف سعيد ذلك بأنها "فرصة سخية من القدر" مكنته من الاطلاع على أداء المؤسستين "العريقتين"، للتعرف عن قرب على طريقة كل منهما في نقل الثورة، واختبار أجندتهما التحريرية، ودراسة ميولهما الصحفيين في تلك الفترة الحساسة من عمر الأمة العربية.
وضرب المراسل مثالا بمحاولته الاتصال بمسؤولين حكوميين في مصر طوال فترة الثورة كان جميعهم يرفضون التجاوب معه "أغلب الظن لإثبات تهمة التحيز"، على حد تعبيره. وقال "حاولت أنا شخصياً ترتيب موعد مع أحمد شفيق رئيس الوزراء (السابق) قبل التنحي بيومين، ولم أتلق جوابا من مكتبه حتى اليوم". وردا على تهم الانحياز والتحريض، أشار في ختام مقاله إلى أن "الجزيرة" لم تتوان في "تنحية إحدى المذيعات عن الشاشة خلال ما تبقى من نوبة عملها، عندما لاحظت تغيراً في ملامح وجهها، انفعالاً بأحداث الثورة، وحزناً على شهدائها".
أميرة محمد
مراجعة: هبة الله إسماعيل