"الدائرة تضيق على القذافي ورحيله بات مسألة وقت"
١٩ مايو ٢٠١١تشتد الضغوط على العقيد الليبي معمر القذافي، ليجد نفسه في مواجهة مصاعب جديدة بعد انشقاق وزير النفط في نظامه، وطلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة توقيف ضده في وقت يستمر فيه قصف الائتلاف الدولي لمواقع كتائب القذافي، فيما يسعى الثوار إلى تمثيل المصالح الليبية في منظمة اوبك.
يأتي هذا فيما ذكرت أنباء نقلا عن مصادر تونسية أن زوجة العقيد الليبي معمر القذافي صفية وابنته عائشة تقيمان حاليا في أحد الفنادق بجزيرة جربة التونسية. كما تردد في وقت سابق أن محمد القذافي، النجل الأكبر لمعمر القذافي الذي يشرف على قطاع الاتصالات في ليبيا، قد وصل هو الآخر إلى جربة التونسية لتلقي العلاج. وتتزامن هذه التطورات مع حراك ميداني يشير إلى أن الثوار القادمين من الشرق يتقدمون في اتجاه الغرب ببطء بعد أن حققوا مكاسب في عدد من المناطق التي كانت تسيطر عليها الكتائب الموالية للقذافي، وقد ساعد في ذلك الضربات الأطلسية.
ويرى المراقبون أن هذه التطورات مجتمعة تشير إلى ازدياد عزلة القذافي الذي يصر على مواصلة القتال وعدم الاستجابة إلى الدعوات الدولية له بوقف إطلاق النار. لكن يبقى السؤال إلى أي مدي يمكن للقذافي أن يتجاهل هذه الوقائع التي تؤكد تقلص هامش المناورة لديه يوما بعد يوم؟
لغة السلاح وعامل الوقت
"المسالة أصبحت مسالة وقت" هكذا يجيب زياد عقيل، الخبير في الشؤون الليبية في حوار مع دويتشه فيله. وأكد عقيل أن "فرص معمر القذافي على الأرض تتضاءل بشكل كبير منذ أسبوعين، حينما فك الثوار الحصار على مصراته في الغرب وأمنوا اجدابية، بل وأصبحت القوات الموالية للقذافي شبه عاجزة على استرجاع هاتين المدينتين الإستراتيجيتين" خاصة مع تأكيد وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه أن الضربات التي يشنها حلف الأطلسي ألحقت أضرارا جسيمة بالجيش الليبي، وقدر لونغيه أن ثلث المعدات الثقيلة ونصف مخزون الذخائر تم تدميرها. فيما تتعرض طرابلس بشكل يومي تقريبا لضربات يشنها الحلف الأطلسي الذي تولى منذ 31 اذار/مارس قيادة التدخل العسكري في ليبيا، لإنهاء القمع الدامي للانتفاضة التي بدأت في 15 شباط/فبراير. ويسعى الحلف إلى إقناع قوات القذافي بتسليم أسلحتها، كما قال مسؤول في الحلف الثلاثاء.لكن مراقبين يرون أن تصريحات وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه حول الأضرار التي لحقت بقوات القذافي هي رؤية للجزء الممتلئ من الكأس إذ أن هذه التصريحات تؤكد ان القذافي لايزال يسيطر على نصف ذخيرة البلاد، وهو ما يؤشر على قدرته على مواصلة القتال.
ورقة النفط الموجعة
استمرار القتال وسقوط المزيد من القتلى كان السبب وراء تضيق الدائرة المحيطة بالقذافي، وجعل المقربين منه يغادرون مناصبهم ، اذ أكدت مصادر المعارضة الليبية ومصادر تونسية أن شكري غانم رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط بليبيا انشق عن النظام وغادر ليبيا متوجها إلى تونس. وهو الأمر الذي نفته السلطات الليبية. ويؤكد هذا الانشقاق الجديد "تشتت" الطبقة السياسية المحيطة بالقذافي، بحسب وصف وزارة الخارجية الفرنسية. ويرى زياد عقيل الخبير في الشؤون الليبية، أن "شكري غانم كان الوجه الإصلاحي في نظام القذافي، فهو الرجل الذي أتى من الولايات المتحدة الأمريكية ليتولى رئاسة الوزراء نزولا عند رغبة سيف الإسلام القذافي، لكن الحرس القديم في النظام فضل تكليفه بملف النفط" ويؤكد عقيل أن انشقاق غانم "لا يفيد الثوار كثيرا ولكنه يضر بنظام القذافي الذي سيجد صعوبة في تعويضه".يأتي هذا فيما يسعى المجلس الانتقالي (ممثل المعارضة) لتمثيل ليبيا في الاجتماع المقبل لمنظمة الدول المصدرة للنفط في فيينا في 8 حزيران/يونيو. وذلك في وقت يبذل فيه المجلس قصارى جهوده للاعتراف به محاورا شرعيا في ليبيا. وكانت ليبيا العضو في أوبك تصدر 1.49 مليون برميل من النفط في اليوم، بحسب وكالة الطاقة الدولية، إلا أن إنتاجها تراجع منذ بدء الثورة في أواسط شباط/فبراير.
مذكرة اوكامبو والمخرج من النفق
إضافة إلى كل هذا عزز مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو الضغوط الدولية على القذافي بعد أن طالب الاثنين بإصدار مذكرات اعتقال بحق ألقذافي وابنه سيف الإسلام ورئيس المخابرات الليبية عبد الله السنوسي لاتهامات تتعلق بارتكابهم جرائم ضد الإنسانية. ورفض مسؤولون ليبيون طلب أوكامبو وقالوا إن المحكمة الدولية من صنع الغرب وإن ليبيا ليست ملزمة قانونا أمامها. ويقول المحلل السياسي زياد عقيل إن "هذا الطلب لا يمثل شيئا بالنسبة للقذافي، فهو لم يكن يوما يعبئ بالقانون الدولي أو بالمؤسسات الدولية أو احترام مواثيق حقوق الإنسان، وقد أدار ظهره منذ بدء الثورة إلى العالم، ولكن صدور أمر مذكرة توقيف بحق القذافي هو نصر لأعداء القذافي".وأضاف أن القذافي يدرك جيدا انه لم تعد له فرصة للاستمرار في حكمه، كما يدرك أن حتى سيناريو الخروج لم يعد متاحا، لكنه مازال متمسكا بموقفه حينما قال "إنه سيقاتل حتى الرصاصة الأخيرة". ويقول عقيل إن "السناريو الوحيد الذي بقي وهو الأكثر واقعية، هو اختفاء القذافي أو مقتله، لان جميع الحلول السياسية فشلت".
يوسف بوفيجلين
مراجعة: حسن زنيند