المولدات الكهربائية .... قنابل موقوتة في بيوت قطاع غزة
٨ أغسطس ٢٠١٠آخر الضحايا... مطلع الأسبوع...انفجار وحريق.... لحظات.. سرعان ما تبعه صافرات سيارات الإسعاف والمطافئ. خرجت من بيتي مهرولا مسافة نحو مئة متر لأجد ألسنه النيران التهمت منزل أحد أقربائي بفعل انفجار المولد الكهربائي. حسين الفرا وزوجته وابنتيهما نقلا إلى المشفى في حالة حرجة جدا. كتب الله لهما النجاة بأعجوبة، لكنهما يعانيان من حروق من الدرجة الثالثة، أما ابنتهما ذات العامين مريم ففي حالة ميئوس منها.
بهذه النبرة الحزينة الممزوجة بالدموع روى حسين مأساته لدويتشه فيله قائلا: "انقطعت الكهرباء كعادتها كل يوم. توجهت إلى شرفة المطبخ- المكان المخصص لتشغيل المولد- وفي أثناء تشغيله لاحظت أنه بحاجة إلى بنزين، فطلبت من زوجتي إحضار جالون البنزين وكانت الطفلتان معها". سكت قليلا ...ومن ثم تابع بصعوبة وحزن: "ساعدت زوجتي على ملء خزان المولد، وفي أثناء سكبه اشتعلت النيران بزوجتي، ونتيجة الخوف ألقت زوجتي جالون البنزين على الأرض فاشتعلت النيران في المطبخ".
وتستمر فصول المعاناة....
وأضاف حسين "تمكنت من إخراج طفلتي وزوجتي من المطبخ وسرعان ما حضر الجيران والمسعفون ليخرجوا الجميع بحالات خطرة". مأساة حسين لم تختلف عن مأساة عائلة الدكتور نسيم أبو جامع شرق خان يونس جنوب القطاع التي راح ضحيتها ثلاثة من أطفاله وإصابة زوجته وباقي أسرته بحروق شديدة، ليضاف إليها مأساة معتز عاشور من ذات المدينة الذي أُخرج متفحما نتيجة انفجار آخر لمولد الكهرباء.
وبطريقة تراجيدية أخرى لصور الموت، إذ لم تكن عائلة برغوث من منطقة دير البلح وسط قطاع غزة أفضل حالٍ من سابقتها؛ تلك العائلة التي اختطف الموت أرواح ثلاثة أطفال أبرياء منها نتيجة استنشاقهم الدخان المنبعث من أحد مولدات الكهرباء وهم نيام.
تحذيرات من ازدياد أعداد الضحايا
وقد توقفت محطة توليد الكهرباء الوحيدة تماما السبت الماضي لتزداد المعاناة، حيث لجأت الكثير من الأسر الغزاوية إلى استخدام المولدات الكهربائية للتغلب على مشكلة الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي بسبب عدم سماح إسرائيل بإدخال كميات كافية من السولار المخصص لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة. كما عزز الخلاف في الآونة الأخيرة بين الحكومة المقالة في القطاع ورئاسة الوزراء في رام الله حول توريد أموال جباية الكهرباء من حجم هذه المأساة، ليدفع ثمنها عشرات القتلى والجرحى من أبناء القطاع بسبب انفجار تلك المولدات.
كما تزايدت في الآونة الأخيرة وبشكل لافت للنظر الحوادث المأساوية الناجمة عن المولدات الكهربائية في قطاع غزة، عزتها مصادر جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة إلى "الاستخدام الخاطئ لمولدات الكهرباء أو لاستهتار المواطنين بحياتهم وتجاهلهم لتعليمات وإرشادات السلامة التي تصلهم عبر وسائل الإعلام المختلفة". وفي حديثه لدويتشه فيله قال د.معاوية حسنين من مشفى الشفاء إن عدد ضحايا المولدات الكهربائية بالقطاع بلغ مائة وثلاثة وعشرين قتيلاً منذ أزمة الكهرباء في القطاع، وما يزيد عن عشرين منهم قتلوا منذ بدء العام الجاري، محذرا في الوقت ذاته من المزيد بعد توقف محطة الكهرباء.
صيحات وصرخات
"معاناة انقطاع الكهرباء منذ سنوات مصيبة كبيرة من ضمن قائمة المصائب والكوارث التي عندنا، سببها الاحتلال الإسرائيلي والتي زادت في الأشهر القليلة الماضية بشكل منتظم "، كلماتُ وصفها لدويتشه فيله ماجد اليازجى من غزة. كما أضاف متسائلا "كيف يمكن لأولادنا الدراسة وقت الامتحانات وكيف يمكن لنا أن نتحمل هذا الحر الشديد والرطوبة العالية؟. تساؤلات طرحها اليازجي مضيفا: "أنا أعرف أن المولدات خطيرة جدا وضجيجها صاخب. لكن ما البديل؟
أما محمد جندية من الشجاعية من شرق غزة فقد أكد أنه يفضل استخدام الشموع والمصابيح التي تعمل بواسطة "الكاز الأبيض" بدلاً من المولدات لخطورتها. في حين قال الطالب الجامعي عادل المصري: "أحاول دائما أن أؤجل دراستي إلى موعد عودة التيار الكهربائي". كما اشتكى زملاؤه من أن "انقطاع الكهرباء يضعف إرسال الجوالات والانترنت وأحيانا يعطلها". وبدوره قال أبو قاسم من مدينة رفح إن أولاده يلحون عليه لشراء مولد كهربائي. غير أن إجابته لهم: "إذا حابين تموتوا باجيبلكم مولد كهربا".
ولا تغيب شكوى التجار عن هذا المشهد المأساوي أيضا، إذ أشار راجي مراد صاحب سوبر ماركت في منطقة الرمال في غزة إلى "خسائر كبيرة يتكبدها يوميا نتيجة تلف المواد الغذائية التي تحتاج إلى تبريد مستمر". ويقول مصطفى صاحب محل حدادة في غزة "معظم أيام الشهر لم أتمكن من العمل بسبب انقطاع الكهرباء لأن آلات اللحام تحتاج إلى كهرباء قوية وهو ما لا يستطيع مولد الكهرباء توفيرها. هدا طبعا سبب لي خسائر كبيرة. أنا ورفقائي في المهنة أضحينا عاطلين عن العمل".
بهذه الكلمات البسيطة لم يختلف كثير من التجار وأصحاب المحال التجارية والحرف المهنية في قطاع غزة عن هذا الوصف. المفارقة هنا كوني في القطاع أعيش معاناته لحظه بلحظه. أردت أن أرسل التقرير ليلا لدويتشه فيله، لكن زوجتي نصحتني بعدم تشغيل المولد وقالت: "الوقت متأخر. سنزعج الجيران بصوت المولد. الصباح رباح!".
شوقي الفرا- غزة
مراجعة: هشام العدم