ثقافة "البانك" وانتشارها في المجتمعات الإسلامية
٦ أبريل ٢٠١٣في شمال جزيرة سومطرة الإندونيسية تقع مدينة ميدان الكبيرة، حيث تذًكر مباني الاستعمار الهولندي بالماضي، ويرفع صوت الآذان للصلاة خمس مرات يوميا. ومن غير المألوف في المدن الإندونيسية الكبيرة رؤية المنازل المصنوعة من الخيزران، كمنزل تولغان، الذي يقع في إحدى ضواحي المدينة.
من منزل تولغان تصدح أنغام موسيقى "البانك" الصاخبة عاليا، وهو أمر اعتاد عليه السكان المجاورون له، حسبما يروي تولغان ويقول: "هم يعلمون بأننا ننظم حفلات، وأن هناك أشخاصا يأتون من الخارج لزيارتنا". يعد تولغان الذي تجاوز الثلاثين من عمره واحدا من أقدم الناشطين في ثقافة "البانك" المنبثقة عن موسيقى "البانك روك". وينتمي تولغان إلى فرقة RKA، و يعد منزله مركز اتصال يجمع بين جميع الشباب الأجانب الذين ينتمون إلى ثقافة "البانك".
لا حفلات للبانك في أوقات الصلاة
ويعد "البانك" في إندونيسيا ثقافة فرعية ذات طابع موسيقي غربي ولا تقل تنوعا عن قدوتها الموجودة في أوروبا. وبالرغم من العروض الموسيقية المتواضعة التي يقدمها "البانك" في إندونيسيا مقارنة بالعروض التي تقدم في برلين أو لندن، إلا أن ثقافة "البانك" منتشرة في إندونيسيا بجميع أشكالها.
وتصل نسبة المسلمين في إندونيسيا إلى تسعين بالمئة، وللدين الإسلامي دور أساسي في الثقافة الإندونيسية، فهو يؤثر على عروض "البانك" أيضا، إذ يقوم شباب "البانك" بخلع أحذيتهم في الحفلات التي تقام في نوادي تعود ملكيتها لأشخاص مسلمين. وفي المدن الصغيرة يتم طوعا تخصيص فترات استراحة أثناء الحفلات بغية عدم إزعاج المصلين أثناء تأدية صلاتهم.
ورغم أن الدين الإسلامي في إندونيسيا معتدلا نسبيا، إلا أن هناك بعض المناطق المتشددة، كإقليم أشيه المتاخم لميدان. إذ تطبق الشريعة الإسلامية في هذا الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي، ما يجعل ثقافة "البانك" العدو الأول لشرطة الآداب. ففي شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 2011 وأثناء إحياء بعض شباب "البانك" لحفلة موسيقية، ألقي القبض على 65 شابا ينتمون إلى "البانك"، وتم إرسالهم إلى معسكر لإعادة التأهيل.
حتى منظما الحفل، بولو وبودي، توجب عليهما الذهاب إلى معسكر إعادة التأهيل لمدة عشرة أيام. وبالرغم من الاضطهاد الذي تعرض له بولو وبودي في أشيه لانتمائهم لثقافة "البانك" إلا أنهما سعيا للدفاع عن هذه الثقافة، حسبما يؤكد بولو، حيث يقول: "سنستمر في الكفاح من أجل الحصول على حقنا في الظهور كما نشاء وأن نعبر عن أنفسنا وأن نتحدث بحرية وأن نحصل على حقوقنا الديمقراطية في إندونيسيا".
التزام اجتماعي
ليس في أشيه فحسب، بل في العاصمة جاكرتا أيضا. فحتى شهر شباط /فبراير من عام 2013 كانت محطة "بونودك جاتي" واحدة من الأماكن القليلة التي يجتمع فيها "البانك". و رغم إقامتهم فيها لسنوات عدة، وإحيائهم الكثير من الحفلات التي كانوا يضطرون لإيقافها عند مرور القطارات، تم هدم الغرفتين الواقعتين في محطة "بونتي" المحبوبة، ليكون بذلك خسارة كبيرة للبانك أرمبون، إلا أن ذلك لن يدفعه لليأس حسبما يوضح قائلا "نحن بحاجة إلى الحرية وخاصة في جاكرتا".
ورغم كل العقبات التي تواجه "البانك"، إلا أن ذلك لم يمنعهم من التواصل عبر الانترنيت أو الحفلات الموسيقية. وتهدف أبعادهم السياسية إلى إقامة العديد من الحفلات الخيرية، إذ يسعى "البانك" إلى جمع الكثير من التبرعات لمساعدة الأطفال اليتامى أو لمكافحة الفساد والرشوة، كمبادرة مطبخ الفقراء المتكافل والذي يحمل اسم " الغذاء بدلا من القنابل". ويسعى "البانك" من خلال مشاريعهم إلى إثبات عدم تعارضهم مع سلطة الدولة والدين من حيث المبدأ، ما يجعل تمردهم على بعض القيم التقليدية المحافظة موضع تساؤل.