حقائق مثيرة عن سقوط الموصل في يد "داعش" قبل عام
١٠ يونيو ٢٠١٥"اللعنة اللعنة! أين الطائرات؟" هكذا كان الملازم العراقي عدنان يصرخ في الهاتف، وهو يتحدث لقائده في حالة عصبية، "نحن ننتظر منذ أكثر من ساعة". غير أن القائد مهدي الغراوي اكتفى بالقول إنه تم وعده بقدوم دعم من القوات الجوية "وقد تأتي في أي لحظة"، غير أن الطائرات لم تأت.
في المرة القادمة التي اتصل الملازم بقائده تهرب هذا الأخير من الرد عليه مدعيا أنه يتحدث مع رئيس الوزراء، ثم يعيد الملازم اتصالاته وخلال تلك الفترة الزمنية كانت المعارك قد اشتدت في الموصل، وشيئا فشيئا سيطرت قوات تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي على مدينة الموصل التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة. هذه الأحداث تعود للعاشر من يونيو/حزيران 2014.
حدثت حالة من الفوضى والارتباك في صفوف القوات العراقية. اتصل مهدي الغراوي القائد الأعلى لقوات محافظة نينوى والمسؤول المباشر عن الدفاع عن الموصل وكامل المحافظة بضُباطه للاستفسار عن وضع الجنود والعمليات العسكرية،غير أنه اكتشف أن العديد منهم انسحبوا من ساحة المعركة. وجاء دور الغراوي ليصرخ أيضا في الهاتف:"سأطلق النار على جميع من هرب من المعركة!."
سوء تدبير أم خيانة وطن؟
ازدياد سوء الوضع دفع بالغراوي لأن يطلب من أحد العمداء، عبر الهاتف النقال، سحب كل القوات المتبقية في ساحة اليرموك. وعندما أعاد الاتصال بضباطه بعد وقت قصير ليتعرف منهم على آخر التطورات لم يرد عليه أحد، أو ربما تم إغلاق الهواتف النقالة. وكان ذلك بمثابة إشارة على أن الموصل أصبحت في يد تنظيم "داعش". الغريب في الأمر هو أن تسقط ثاني أكبر مدن العراق خلال أربعة أيام فقط من المواجهات بين قوات الجيش العراقي والميليشيات الإرهابية. لم يكن ليأخذ أحد مثل هذا التصور مأخذ الجدية.
تم تسريب 45 مكالمة هاتفية للقائد لكاتبة هذا المقال وهي المكالمات التي تُظهر مسارا دراميا للأحداث التي جرت قبل عام في الموصل. الخلاصات التي يخرج بها المرء بعد استماعه لتلك المكالمات هي أن الأوامر العسكرية التي أصدرها الغراوي كانت تفتقد للتنسيق وللتنظيم وللمهنية. فتحديد الأمكنة للجنوده كان يتم بشكل عام وغير دقيق. ويبدو أنه لم تكن هناك أية استراتيجية دفاع عسكرية، كما تظهر التسجيلات شكاوى الجنود الذين ظلوا على مدى يومين بدون تزويدات الطعام والذخيرة، حيث لم يتلقوا أي رد بشأن ذلك. كما ظل الغراوي صامتا حين أخبره ملازم يُدعى محسن بأن البنادق المركبة فوق الدبابات لا تعمل بشكل جيد، إضافة إلى أن نظام الرصد معطل.
لم يتعلق الأمر بهروب الجنود من ساحة المعركة عند سيطرة قوات "داعش" على الموصل فقط، بل أيضا باستيلاء قوات التنظيم الإرهابي على عدد كبير من الأسلحة والطائرات الحربية التابعة للجيش العراقي. هذا ما أكده قبل أيام رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في التلفزيون العراقي الرسمي عندما قال:"لقد فقدنا الكثير من السلاح." ويضاف إلى ذلك سقوط 2300 مدرعة حربية في أيدي المتطرفين.
وإثر تلك الأحداث تمت إقالة الغراوي من منصبه وتمت متابعته قضائيا، في حين اعتبر القائد المتهم أنه تعرض بذلك للظلم "دون وجه حق"، كما عرض تسجيلات لمكالمات هاتفية يُفترض أنها كانت مع رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، الذي يطلب منه شخصيا الانسحاب من الموصل. وكان من المفترض أن تقدم لجنة تقصي الحقائق تقريرا لها حول الموضوع بعد مرور سنة، لكن اجتماع اللجنة تأجل.
إلغاء عملية عسكرية لاستعادة الموصل
لم يلغ اجتماع لجنة تقصي الحقائق فقط ولكن أيضا تم إلغاء عملية عسكرية من أجل استعادة الموصل. القيادة العسكرية في بغداد ومعها التحالف الدولي بقيادة أمريكا رددت على مدى شهور أنه يجب "استعادة تكريت أولا ثم الموصل بعد ذلك" ، ومع استمرار الهجمات العسكرية الجوية على مواقع التنظيم الإرهابي منذ أغسطس/آب الماضي كان من المفترض أن يحدث هجوم عسكري أكبر في أبريل/نيسان أو في ماي/ آيار، وأن تشارك فيه القوات العراقية والقوات كردية.
ما حدث هو أن موظفا في القيادة المركزية للجيش الأمريكي أفشى سر التفاصيل العسكرية لصحيفة "نيويورك تايمز"، وذكرت الصحيفة أن القوات الأمريكية كانت "ستشارك في عملية عسكرية برية، حتى يتم تنسيق العمليات الجوية بشكل أفضل". وقد أبدى وزير الدفاع الأمريكي غضبا شديدا من هذا التسريب غير المعتاد لمعلومات عسكرية قبل بدء العملية الحربية. وقد تحدث رئيس البنتاغون أشتون كارتر عن ما وصفه ب" الكشف الخاطئ لأسرار عسكرية". وطبعا تم إلغاء هذه العملية إثر ذلك.
من جهتها قررت الحكومة العراقية تغيير استراتيجيتها، وإعطاء الأولوية لاستعادة محافظة الأنبار غرب بغداد. وكانت القوات العراقية تود الانطلاق من تكريت لتحرير مصفاة مهمة للنفط في بيجي أولا ثم التوجه نحو الرمادي، غير أن قوات التنظيم الإرهابي "داعش" كانت الأسرع، إذ هاجمت الرمادي بشراسة ، وسيطرت عليها بالكامل بعد أشهر من معارك ضارية. الآن ومنذ أكثر من أسبوعين تحاول القوات العراقية إلى جانب ما يعرف "بالحشد الشعبي" المكون من الميليشيات الشيعية ومقاتلين ينتمون للعشائر السنية، استعادة الرمادي، لكن دون جدوى.
"لن نستعيد أبدا الرمادي بشكل كلي" هذا ما يقول النائب البرلماني العراقي مثال الآلوسي الذي ينحدر من المنطقة. أما الفلوجة فهي تحت السيطرة الكاملة للتنظيم الإرهابي منذ يناير 2014، حيث كانت أول مدينة عراقية سقطت في يد "داعش". ويعتقد مراقبون سياسيون في بغداد أن الدولة لن تنجح في استعادة الرمادي. وحسب القيادة العسكرية المركزية في بغداد فإن قرار إعطاء الأولية للرمادي كان قرارا سياسيا وليس عسكريا، إذ لم تتم استشارة القيادة العسكرية في هذا الأمر. غير أن أحد أعضاء المجلس العسكري العراقي رفض الكشف عن اسمه اعتبر أن اهتمام السياسيين العراقيين يركز بشكل أساسي على أمن بغداد أكثر من استعادة الموصل أوالأنبار القريبة من العاصمة العراقية.
إدارة جديدة لشؤون الموصل المحلية
عادت بعض قيادات تنظيم "داعش" إلى الموصل، بعد أن فرت إلى سوريا هربا من الضربات الجوية التي يشنها التحالف الدولي. وفي الوقت الذي تتركز فيه عمليات التحالف في الأنبار، هناك شعور بالطمأنينة في الموصل. وحسب موقع "نقاش" الإلكتروني فإن الموصل تشهد حاليا حملة نظافة وإصلاحات كبيرة، حيث تنظف الشوارع والأرصفة والساحات من النفايات، كما يتم إصلاح الطرق المقطوعة وقامة إشارات المرور. وقد عادت الكهرباء للمدينة بعد انقطاع دام أكثر من خمسة أشهر. ويبدو من هذه "العملية الإصلاحية" أن تنظيم "داعش" يسعى إلى إظهار إدارته الجيدة للمدينة، بالمقارنة مع المسؤولين عن الشأن المحلي سابقا، وبالتالي بهدف كسب تأييد سكان المدينة، كما يقوم التنظيم الإرهابي بفرض رسومات سنوية على تجار المدينة تم تحديدها بألف وخمسمائة دولار أمريكي.