راديو الظاهرية المجتمعي - تجربة إعلامية فلسطينية فريدة
٣٠ ديسمبر ٢٠١٥طريق جبلي، يمتد عشرين كيلومترا، إلى الجنوب من مدينة الخليل بالضفة الغربية، يخترق حقول زيتون وعنب وسهولا للخضار الشتوية، ليقود إلى آخر تجمع سكاني فلسطيني وهو الظاهرية، المنطقة التي تجاهلها الإعلام والسياسة معا، لكن عند وقوع حدث مهم، سريعا ما تتصدر نشرات الأخبار ليوم أو يومين ثم تختفي.
قربها من الخط الأخضر، جعلها محجّا للعرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، وهو ما نمى الرواج التجاري بداخلها. في هذه البلدة التي تشهد نموا عمرانيا متسارعا، وارتفاعا ملحوظا في مستوى التعليم والحياة عموما، تشكلت جمعيات وهيئات، ومراكز شبابية. ويشكو عدد كبير من الأهالي أن بلدتهم مهمشة من قبل الإعلام الفلسطيني المحلي، ما يجعل همومها ومشاكلها بعيدة عن مسامع السلطة.
وفي إطار مشروع "أصواتنا" الذي أطلقته عام 2011، مؤسسة سيدا السويدية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدعم إنشاء إذاعات مجتمعية، تواصل شباب الظاهرية مع المؤسسة السويدية، فاختيرت البلدة كمكان لإطلاق أول إذاعة مجتمعية فلسطينية.
وفي حوار مع DW عربية يتحدث الشاب فؤاد جبارين ابن الخامسة والعشرين، رئيس مجلس إدارة الإذاعة، عن المحطات التأسيسية الأولى التي مرّ منها راديو الظاهرية المجتمعي قائلا: "نظمنا عدة ورشات تدريبية لشابات وشبان من البلدة على العمل الإذاعي وتمكنا خلال أشهر قليلة من إعداد كادر إذاعي مؤهل ..". وحسب جبارين فإن التحدي الأكبر الذي واجه العاملين يكمن في عملية اختيار برامج تحظى باهتمام نحو أربعين ألف مواطن على الأقل، أضف إلى ذلك أنه "لم يكن متاحا" قبل أربع سنوات، إنشاء إذاعة تعتمد التضمين الترددي اف ام/ FM، لتنطلق الإذاعة سوى على الانترنت، يقول جبارين.
التطوع ميزة الإعلام المجتمعي
في الأراضي الفلسطينية يعج الأثير بتردد سبعين إذاعة، من بينها واحدة حكومية وما يقارب الثمانية حزبية وثلاثة تابعة للجامعات والبقية محطات تجارية خاصة. كل هذه المحطات "لا تغطي الحاجة الإعلامية لأهالي المنطقة، فالحكومي يتناول زيارات المسؤولين ويجمل أداء السلطة، والخاص يتعامل بروح تجارية بحته مع قضايا الناس فيجبرهم على الاتصال المكلف من أجل عرض قضاياهم ولا يتابعها، فكان اختيار الإعلام الاجتماعي الذي لا يعرض قضايا الناس فحسب، بل يثيرها أصلا ويتابعها حتى النهاية .."، يتابع فؤاد جبارين لـDW عربية مشيرا أنه وبعد ذلك تشكلت هيئة إدارية وطواقم لإدارة الإذاعة من الشباب المتطوعين، الذين جعلوا مصلحة الناس على رأس اهتمام عملهم.
وبعد مرور الوقت بدأ راديو الظاهري يبث على موجات إف.إم، الأمر الذي أتاح للمحطة نقلة نوعية من حيث الاستماع والتفاعل، إذ بات كل مواطن قادرا على الاتصال بالإذاعة لعرض قضيته في أي وقت وطرحها للنقاش. ويشهد المواطن أحمد سامي أن الراديو ساعد على عرض مشاكل الأهالي والعمل على إيجاد الحلول، وذلك بمناقشة قضايا البلدية مع الأهالي والمسؤولين معا في دائرة نقاش يسعى من خلالها الطرفان إلى إيجاد حلول، ويضيف فؤاد جبارين، رئيس مجلس إدارة الإذاعة، أنه يتمّ "التركيز على ما تواجهه قطاعات المزارعين والعمال والطلبة، وعلى أوضاع المؤسسات الصحية والتعليمية والبنية التحتية، وكذلك قضايا المرأة إلى غير ذلك".
المرأة في الإذاعة وخارجها
وشدد المستمع أحمد سامي لـDW عربية أن القضايا المطروحة ساهمت في إرساء ثقافة احترام الرأي والرأي الآخر، كما أنها زادت من وعي المواطن بحقوقه وواجباتهم خاصة ما يتعلق بمسائلة المؤسسات وفي التدقيق الاجتماعي.
من اللافت أن بلدة توصف بالمحافظة، كالظاهرية، تعمل النساء في إذاعتها إلى جانب الرجال، بل إن عددهن أعلى. وحسب القائمين فإن الناس تقبلوا الأمر تدريجيا. وفي هذا الإطار تقول المذيعة سامية أبو شرخ مقدمة لعدة برامج من بينها "صباحك يا بلد": "واجهت مخاوف بيني وبين نفسي، كيف سأعمل في مجتمع محافظ، وكيف سأخاطب الناس ولكن والحمد لله، نجحت وتقبل الناس عملي، بل وأحبوه وتفاعلوا معي، وفي اعتقادي أنه من الأفضل أن تعرض مذيعة قضايا تهم المرأة من أن يعرضها مذيع".
الضغوطات
ولعل أصعب ما تواجهه الإذاعة حاليا هو التمويل، فمع أن الطواقم تعمل بشكل تطوعي أي دون مقابل، إلا أن أجرة المقر، والهاتف والانترنت كلها مصاريف يجب دفعها، إضافة إلى رسوم البث عبر اف ام، إذ تطالب السلطة الفلسطينية المحطة بدفع مبلغ ستة آلاف دولار في العام كأجرة للموجة.
وخلال زيارته للإذاعة، تعهد السيد داروفور مستشار الاتحاد الأوروبي للرصد والتقييم، بالحديث إلى السلطة لطب إعفاء الإذاعة من الرسوم، أسوة بدول العالم التي لا تجبي رسوما من الإذاعات المجتمعية. وفي السعي للاستدامة، يجند القائمون على الإذاعة حملات تبرع من جهات محلية ووطنية ودولية ويقدمون مقترحات لبرامج اجتماعية تستقطب الممولين هذا إلى جانب بعض الإعلانات المحدودة.