1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW
سياسةشمال أمريكا

عرَاب كامب ديفيد ووصمة إيران.. إرث كارتر في الشرق الأوسط

محمد فرحان
٣٠ ديسمبر ٢٠٢٤

ترك جيمي كارتر إرثا تجاوز حدود الولايات المتحدة، لتصل أصداؤه إلى الشرق الأوسط بداية من اتفاقية كامب ديفيد وأزمة الرهائن الأمريكيين في طهران عام 1979 ودعم الديمقراطية وإحلال السلام بعد خروجه من البيت الأبيض.

https://p.dw.com/p/4ogi8
أبرام اتفاقية كامب ديفيد في البيت الأبيض، 26 مارس/آذار عام 1979
وساطة كارتر كانت إحدى الركائز التي مهدت الطريق أمام إبرام معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979.صورة من: picture-alliance/AP Photo/B. Daugherty

لطالما جلس في  البيت الأبيض الكثير من الرؤساء على رأس أكبر اقتصاد في العالم وأقوى القوى العظمى، ليتركوا وراءهم إرثا مليئا بالنجاحات والإخفاقات وأيضا الفضائح. بيد أن جيمي كارتر يعد رئيسا أمريكيا من نوع فريد؛ إذ ظلت سمعته وإرثه مقترنين بالسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان سواء عندما كان رئيسا أو بعد مغادرته البيت الأبيض رغم بعض الأزمات.

ويبدو أن رغبة  كارتر، الذي توفي عن عمر ناهز المئة عام، في تعزيز قيم السلام والتسامح، كانت راسخة في البيئة الأمريكية التي نشأ فيها. فكارتر، الحائز على جائزة نوبل للسلام، وُلد في الأول من أكتوبر/تشرين الأول عام 1924 في بلينز بولاية جورجيا. وعاش معظم أيام طفولته في مزرعة تفتقر إلى المياه الجارية أو الكهرباء وكان الطفل الأبيض الوحيد بين حوالي مائتي أمريكي من أصل أفريقي.

صورة تجمع جيمي كارتر والرئيس المصري السابق أنور السادات في كامب ديفيد 1978
كان الشرق الأوسط محور السياسة الخارجية لرئاسة كارتر التي امتدت بين عامي 1977 و1981. صورة من: NARA/Everett Collection/picture alliance

عراب كامب ديفيد

كان الشرق الأوسط محور السياسة الخارجية لرئاسة كارتر التي امتدت بين عامي 1977 و 1981. وكانت وساطته إحدى الركائز التي مهدت الطريق أمام إبرام معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979. فقد استقبل كارتر الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن في منتجع  كامب ديفيد الرئاسي في ماريلاند لإجراء محادثات. ولاحقا عندما بدا أن المفاوضات تنهار، أنقذ كارتر الموقف بالسفر إلى القاهرة والقدس للقيام بجولات دبلوماسية مكوكية بنفسه. وقد نصت المعاهدة التي تم التوصل إليها في عهده على انسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء المصرية وإقامة علاقات دبلوماسية. وفاز كل من بيجن والسادات بجائزة نوبل للسلام عام 1978.

في  مقال رأي نشرته مجلة "التايم" الأمريكية، قال بنيامين أليسون، الباحث في التاريخ بجامعة تكساس والمتخصص في دراسة تاريخ السياسة الخارجية منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي، إن اتفاقية كامب ديفيد "قللت بشكل كبير من فرص حدوث حرب عربية-إسرائيلية واسعة النطاق أخرى مثل تلك التي وقعت في عامي 1967 و 1973." وأضاف "قللت الاتفاقية من احتمال نشوب حرب نووية بين القوى العظمى - وهو أمر كان يبدو ممكنًا خلال حرب 1973 عندما كان هناك مواجهة نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي".

لكن الباحث المخضرم في التاريخ الأمريكي، قال إن مساعي كارتر لإحلال السلام في الشرق الأوسط تخللتها بعض الإخفاقات. وفي ذلك، قال: "رفض كارتر محاولات السوفييت المشاركة في محادثات السلام، مما أزال إمكانية تحقيق سلام شامل بين دول عربية أخرى وإسرائيل.. بدون مشاركة السوفييت، لم يكن هناك طريقة لجلب الدول العربية الأخرى إلى طاولة المفاوضات، مما جعل التوصل إلى اتفاق أوسع والسلام الإقليمي مستحيلاً". وأضاف بأن "اعتبارات الحرب الباردة كانت لها الأولوية بالنسبة لكارتر، وبدلا من العمل على اتفاق سلام، انضم السوفييت إلى الدول العربية الأخرى التي عارضت اتفاق السلام المصري- الإسرائيلي."

طلاب إيرانيون يصلون أمام السفارة الأمريكية في طهران، 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1979
ظلت أزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران نقطة سوداء في رئاسة كارترصورة من: AP

أزمة الرهائن في طهران

ورغم نجاحاته في إحلال السلام بين إسرائيل و  مصر، إلا أن أزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين في  طهران ظلت وصمة على حصيلة جيمي كارتر في البيت الأبيض.

وأقر مستشاره للأمن القومي زبيغنيو بريجنسكي الذي توفي عام 2017، بأن "نكسته الجيوسياسية الرئيسية" كانت سقوط شاه  إيران عام 1979 وقيام الجمهورية الإسلامية التي لا تزال  واشنطن تعتبرها من المخاطر الرئيسية لأمنها.

استمرت أزمة احتجاز الرهائن 444 يوما، فشكلت عاملا رئيسيا في هزيمة كارتر الرئيس الديمقراطي في 1980 وخروجه من البيت الأبيض بعد ولاية وحيدة. وقدم الأستاذ الجامعي الأمريكي "والتر راسل ميد" وصفا لاذعا للرئيس السابق في مقالة في مجلة "فورين بوليسي"، إذ لخص "متلازمة كارتر" عام 2010 بـ"الضعف والتردد"، و"عدم التماسك وتغيير المواقف".

وأثارت المقالة ردا نادرا من كارتر الذي كتب في المجلة نفسها "كل أفعالي جرت برمجتها وإعلانها حتى قبل تولي مهامي". وأكد "إن كان صحيحًا أننا لم نتورط في نزاعات عسكرية خلال رئاستي، فأنا لا أعتبر ذلك مؤشر ضعف أو مدعاة للاعتذار"، معتبرًا أنه تمكن من "الحفاظ على السلام" مع تعزيز "النفوذ العالمي" للولايات المتحدة.

صورة تجمع جيمي كارتر وبوش الأب وبوش الابن وبيل كلينتون وباراك أوباما، 7 يناير/كانون الثاني 2008
ظلت سمعة جيمي كارتر مقترنة بالسلام والديمقراطية ومحاربة الفقرصورة من: Olivier Douliery/abaca/picture alliance

انتقاد غزو العراق، لكن ماذا عن مبدأ 1980

في عام 2004، وصف كارتر حرب العراق التي شنها بوش الابن في عام 2003 بأنها "واحدة من أكثر الأخطاء فظاعة وتدميرًا التي ارتكبتها أمتنا على الإطلاق". ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل وصف إدارة جورج دبليو بوش بأنها "الأسوأ في التاريخ"، وقال إن نائب الرئيس ديك تشيني "كارثة لبلادنا".

ورغم ذلك، يرى بنيامين أليسون، الباحث الذي كرس وقته لدراسة تاريخ السياسة الخارجية منذ الأربعينيات، إن "مبدأ كارتر" كان بمثابة ركيزة سياسة أمريكية أكثر عدوانية تجاه الشرق الأوسط وخلقت مبررا سياسيا سمح بمحاولة تحرير الرهائن في إيران في أبريل 1980 الذي كان أول عمل عسكري هجومي أمريكي في المنطقة منذ عام 1958".

وأضاف أن "مبدأ كارتر" مهد الطريق أمام "تدخل أمريكي كارثي في  لبنان بين عامي 1982 و1984، وحرب الخليج عام 1991، وغزو العراق عام 2003." ويعود "مبدأ كارتر" إلى خطابه عن حالة الاتحاد في 23 يناير/كانون الثاني عام 1980 عندما أعلن بشكل صريح أن "أي محاولة من أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج ستعتبر هجوما على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، وسيتم صد ذلك بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية".

صورة تجمع كارتر مع نيلسون مانديلا وكوفي عنان والقس ديزموند توتو، 29 مايو/أيار 2010
كرس كارتر حياته بعد خروجه من البيت الأبيض لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في انحاء العالمصورة من: Jeff Moore/THE ELDERS/AFP

دعم الديمقراطية 

وبعيدا عن الجدل بشأن رئاسته، لم يتوقف كارتر عن دعم السلام والديمقراطية بعد مغادرته البيت الأبيض.

فقد أسس كارتر مؤسسة حملت اسمه بهدف تعزيز الديمقراطية عبر مراقبة العمليات الانتخابية في دول العالم فضلا عن دعم السلام وتخفيف المعاناة الإنسانية في أنحاء العالم وضمان احترام  حقوق الإنسان. وعلى وقع ذلك، حصل كارتر عام 2002 على  جائزة نوبل للسلام تقديرا لجهوده في حل النزاعات الدولية ومكافحة الفقر. وراقبت مؤسسة كارتر الكثير من الانتخابات التي جرت في الشرق الأوسط ومنها انتخابات عام 2010 في السودان التي حكمت عليها بأنها كانت "دون المعايير الدولية، لكنها قبلت نتائجها". وراقبت المؤسسة الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006.

 

محمد فرحان كاتب ومحرر في القسم العربي لمؤسسة DW
تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد