فقراء القاهرة لا يعلقون آمالاً على نتائج الانتخابات
١ ديسمبر ٢٠١٠بمجرد أن يدخل المرء إلى حي بولاق أبو العلا يكتشف عالما آخر غريبا من الفقر المدقع ترسمه الشوارع والأزقة الضيقة التي لا تستطيع السيارات دخولها أو التحرك فيها، والبيوت التي تبدو وكأنها آيلة للسقوط، وبجانبها بيوت من الصفيح والخشب، بالاضافة إلى ورشات النجارة المتواضغة للغاية ومحلات بيع الملابس المستعملة.
وما يزيد من غرابة الأمر أنه وعلى بعد خطوات من هذا الحي العشوائي يظهر عالم مختلف تماما حيث الأبراج الشاهقة والفنادق الفاخرة على كورنيش النيل. إلا أن الانتخابات البرلمانية في الأحياء العشوائية تكتسب مزيدا من السخونة عن الانتخابات في المناطق الأخرى حيث يعزف المرشحون دائما على أوتار الفقر والحاجة لدي سكان هذه العشوائيات.
والمرشحون في هذه المنطقة ينقسمون ما بين الحزب الوطني الحاكم والمستقلين من جماعة الإخوان المسلمين.
الحاجة ثريا إحدى المقيمات بالحي تؤكد لدويتشه فيله أن مرشحي الحكومة هم الأقوى لأنهم يسيطرون على المنطقة قبل موعد الانتخابات من خلال توزيع الأموال واللحوم على الفقراء من ناحية، ومن خلال الاستعانة ببلطجية المنطقة من ناحية أخرى لترويع الناس وإجبارهم على النزول من منازلهم يوم الانتخابات للتصويت لمرشحي الوطني.
أصوات الناخبين مقابل وعود كلامية
وتشير إلى أن المرشحين جميعا سواء من الحزب الوطني أو الإخوان لا يفعلون شيئا بعد نجاحهم وأن "الحال ظل كما هو عليه منذ عشرات السنين بالمنطقة وسيظل كذلك"، وتضيف "لا نسمع منهم سوى الوعود بتحسين أحوالنا ليضمنوا أصواتنا التي لا تظهر أهميتها سوى وقت الانتخابات وبعدها لا يسمعون أصواتنا ولا أوجاعنا".
وتقول الحاجة ثريا أنها صوتت هي وعائلتها لمرشحي الحزب الوطني الحاكم بعدما حصلوا على أكياس من اللحم وعلب السمن ونقود وصلت إلى 200 جنيه للصوت الواحد، مشيرة إلى أنهم أعطوا أصواتهم نظير ما حصلوا عليه دون التفكير بالمستقبل.
والحاجة ثريا تروي تجربتها الشخصية لتعبر عن يأس الناس من وعود المرشحين، وتقول ان منزلها المكون من طابقين متصدع وعلى وشك الانهيار ولا تمتلك المال اللازم لترميمه، وقد وعدها نفس النائب التابع للحزب الوطني والفائز أيضا في المرة الماضية بترميمه على نفقته الخاصة ولكنه لم يفعل شيئا حتى الآن. وتضيف أن الناس في بولاق أبو العلا لا يطلبون سوى الستر والصحة من الله، واعتادت على الفقر والحياة البائسة.
ويشاركها الرأى عدد كبير من سكان الحي ومنهم سليم صاحب إحدى الورشات في الحي، إذ عبر لدويتشه فيله عن سخطه الشديد من العملية الانتخابية برمتها لاعتمادها على ما يسمى بـ "التربيطات" أي الصفقات بين الأحزاب والمرشحين، سواء من جانب الحزب الوطني الحاكم أو أحزاب المعارضة أو حتى المرشحين. يضاف إلى ذلك استعانة بعض المرشحين بالـ "بلطجية" إما لإجبار المواطنين على التصويت لمرشح معين. وفي ظل الفقر الشديد لا يجدي عامل الدين الذي يستخدمه مرشحو الإخوان المسلمين.
دعاية مجهولة وترويج للشائعات
ويعبر سليم عن دهشته من وجود لافته دعاية لأحد مرشحي الوطني تحمل اسمه وتأييده له، على الرغم من أنه لم يقم بتصميمها على حسابه الخاص أو حتى العلم بها قبل وضعها في هذا المكان، مؤكدا أن هذه إحدى وسائل العملية الانتخابية في مصر.
ويضيف أنه من ضمن طرق التخويف في الحي، بث الشائعات فى الدائرة لإرهاب المواطنين بأن من يمتنع عن إعطاء صوته للوطني سيكون مصيره السجن، وبأن هناك كاميرات مراقبة داخل لجان التصويت. ويؤكد أنه لم يذهب للتصويت لأنه يعرف مسبقا أن النتيجة محسومة لصالح مرشحي الحكومة، قائلا بنبرة مليئة بالمرارة أن أهالي الحي أحلامهم بسيطة تتمثل في العثور على أبسط ضرورات الحياة مثل خدمات الصرف الصحي والمياه النظيفة، وترميم البيوت المتصدعة وإيجاد فرص عمل للشباب الذين يقعون بسهولة في فخ تعاطي المخدرات والبلطجة، "هذه الآمال بعيدة المنال وسيظل الحال كما هو لأن المرشح يتبخر في الهواء ولا نراه بعد نجاحه".
إلا أن فهيم العامل بإحدى الشركات الحكومية والذي يقطن مع عائلته في الحي يختلف تماما مع هذه الآراء ويؤكد أن هناك مرشحين يلتزمون بوعودهم ويساعدون الناس في تحسين أوضاعهم المعيشية، مشيرا إلى أن العديد من شباب الحي عثروا على وظائف بمساعدة مرشحي الحزب الوطني. ويقول أنه لولا مرشحو الوطني بالمنطقة لكنا طردنا من منازلنا، بعد قرارات وزارة الإسكان بإخلاء هذه البيوت بحجة أنها مبنية على أراضي الدولة؛ ولكن السبب الحقيقي يتمثل في رغبة رجال الأعمال في تحويل الورشات والمنازل إلى مشاريع عمرانية واقتصادية ضخمة، بحسب قوله.
الطعام أهم من السياسة
ويعتقد أن مرشحي الوطني هم الأفضل لعلاقتهم بالوزارات، مما يجعلهم قادرين على التصدي لمثل هذه القرارات التي تهدد حياة المواطنين، كما يساهمون أيضا في نقل العائلات إلى مساكن في المدن الجديدة إذا ما تهدمت بيوتهم كما حدث للعديد من الأسر في المنطقة.
ويتوقع فهيم مع عدد من السكان بأن مرشحي الحزب الوطني سيعملون في الدورة الجديدة على تحسين أحوالهم بنقلهم إلى أماكن أفضل في إطار الخطة القومية لتطوير العشوائيات.
من جهته يرى المحلل السياسي محمد جمال عرفه أن العشوائيات صيد سهل لمرشحي الانتخابات، لما فيها من فقر شديد وجهل، مشيرا إلى أن المرشح يستغل حاجة الناس إلى الطعام خاصة في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فحتى الطماطم التي كانت ضمن أرخص السلع وصل سعرها مؤخرا إلى 10 جنيهات للكيلو.
ويقول لدويتشه فيله انه بالنسبة للكثير من ساكني العشوائيات يعد الحصول على الطعام و المال أهم من الأفكار السياسية أو الحلم بالتطور وبمستقبل أفضل، وأنهم يطلقون على فترة الانتخابات "الموسم" لما يحصول عليه من أموال أو أطعمة وأحيانا بعض الأدوية أيضا.
وتشير التقارير الحكومية إلى أن مشكلة العشوائيات مشكلة مستفحلة في مصر وأن هناك حوالي 15,5 مليون مواطن يسكنون في هذه المناطق، أى نحو 25% من إجمالي السكان بينهم حوالى 8 ملايين يسكنون عشوائيات القاهرة.
وتجدر الإشارة إلى أنه توجد في القاهرة 81 منطقة عشوائية، منها 68 منطقة قابلة للتحسين، و13 منطقة يجب إزالتها.
نيللي عزت
مراجعة: عارف جابو