قوميات إفريقية في موريتانيا تتخوف من تهميش لغاتها
٢٨ فبراير ٢٠١٤رغم الاصلاح التعليمي الذي اعتمدته موريتانيا عام 1999 لازال أغلب المنحدرين من قوميات إفريقية (البولار،السوننكى،الولوف) يدرسون باللغة الفرنسية ويعتمدونها كأداة للتواصل، بينما يتخذ غيرهم من المواطنين اللغة العربية منطلقا لهم في المسار التعليمي، مما يساهم في استمرار الشرخ الثقافي القائم داخل المجتمع الموريتاني منذ الاستقلال.
يبرز موضوع التعايش من وقت لآخر، حسب تطورات الأحداث السياسية والاجتماعية. فقبل اربع سنوات انطلقت موجة احتجاجات قوية في جامعة نواكشوط ، حيث انتقد الطلاب الزنوج تصريحات الوزير الاول مولاي ولد محمد الاغظف ، الذي صرح عام 2010 بمناسبة الاحتفال بيوم اللغة العربية أن حكومته "ستدعم اللغة العربية من خلال تعميمها في كل المرافق الإدارية كلغة عمل ومراسلات وبحث علمي، وفق الدستوري"
اللغات والقوميات والثقافات
والآن جاء إعلان أماتي منت حمادي رئيسة مجموعة نواكشوط الحضرية التي فرضت في 18 فبراير الجاري التعاملات الادارية باللغة العربية داخل بلديات نواكشوط التسع، مما أثار شعورا بالاستياء لدى الناشطين الزنوج.
في يوم الجمعة الماضي( 21 فبراير) شكل الاحتفال باليوم العالمي للغة الأم فرصة لحركة "لا تمس بجنسيتى" وهي من أنشط الحركات المدافعة عن حقوق الزنوج في موريتانيا، فنظمت وقفة امام القصر الرئاسي لتجديد مطالبها بفرض تدريس اللغات الافريقية المحلية على مستوى كل المراحل التعليمية وإتاحة مجال أكبر لهذه اللغات في وسائل الاعلام المحلية.
هذا الرفض المتشدد للغة العربية تشرحه الناشطة السياسية المدافعة عن حقوق اللغات الوطنية كادياتا مالك جالو قائلة: "نحن نعيش في دولة تطلق على نفسها الجمهورية الاسلامية الموريتانية حيث يتفق الجميع على وجود اربع قوميات بها وهي العرب والبولار والسوننكى والولوف. وما دامت اللغة هي الحامل الثقافي لهوية كل قومية ووسيلتها للتواصلية، فإنه من الضروري أخذ ذلك بعين الاعتبار واحترامه، وأاعتقد أنه لكل قومية الحق في الشعور بالانتماء الى هذا البلد باستحقاق"
وعن سبب تمسك الزنوج باللغة الفرنسية تقول كادياتا جالو في لقاءها مع DW:"نحن لا ندافع عن الفرنسية كلغة ولكن يجب ان تكون لدينا الشجاعة للاعتراف بالواقع، فالدولة الفرنسية التى استعمرت موريتانيا هي التي فرضت اللغة الفرنسية على كل قوميات هذا البلد، دون استثناء، فأصبحت لغة الجميع، لكن الانظمة السياسية التي جاءت بعد الاستعمار قامت بفرض لغة القومية العربية قسرا على بقية القوميات الاخرى، التى كانت لديها لغاتها الخاصة. وهذا أمر نرفضه وليس بالضرورة أن يشكل ذلك رفضا للغة العربية كلغة مستقلة بذاتها. فليس لدينا أي موقف عدائي منها "
الهوية ولغات التواصل
واعتبرت الناشطة كادياتا جالو أن "القيام بتسييس موضوع اللغة العربية هو الذي أثار موضوع التعايش بين القوميات الافريقية والعربية، حيث إن طريقة ترسيمها في الدستور على حساب اللغات الاخرى خلق نوعا من التمييز وإالاقصاء في حق غير الناطقين بالعربية، وبالتالى تولد لديهم الشعور بأن التخلي عن هويتهم ومحاولة إدماجهم في ثقافة غير ثقافتهم أمر مفروض عليهم"
وفي الوقت الذي يرحب فيه العديد من الناشطين الزنوج بمطالب الناشطة مالك جالو في موضوع الرفع من شأن اللغات الوطنية الزنجية فإنهم لا يوافقونها في ضرورة استخدام اللغة الفرنسية كبديل عن اللغات المحلية.
ربط الجسور
في لقاء مع DW يقول الصحفي حمادي جالو من قومية البولار ومؤسس موقع فوتا ميديا الالكتروني الذي يعتبر اول موقع موريتاني بلغة البولارية والعربية والفرنسية." اعتقد ان الانشغال في الجدل السياسي بشأن التعددية اللغوي لن يحل المشكلة ،لأن كل قومية قد تتقوقع على ذاتها ،ولهذا قررت تأسيس موقع فوتاميديا لتغطية احداث ضفة النهر الذي يضم ولايات الزنوج بثلاث لغات هي البولارية والعربية والفرنسة، وقد يساهم ذلك في ربط الجسور بين مختلف القوميات"
لغات القوميات والدستور
من جهته يقول عبدالعزيزكان الناطق باسم حركة "لا تمس بجنسيتى" الأكثر تشددا في تبنى قضايا الزنوج إن "سياسة التعريب ترمي إلى طمس ثقافتنا وتفرض علينا ثقافة مختلفة بهدف تهميشنا، بينما نحن جزء من موريتانيا بتعدديتها الثقافية العربية والبربرية والزنجية. وأضاف في حديث مع DW:" مشكلتنا تعود إلى الأنظمة السياسية التي أسست لهيمنة القومية العربية على المقدرات الاقتصادية والحياة الثقافية والاجتماعية لبلد يضم عدة قوميات أخرى، وإذا كان الدستور ينص على هيمنة قومية واحدة فإننا نرفض هذا الدستور لأنه ليس نصا مقدسا"، مشيرا إلى أن الاحتجاجات لن تنتهي إلا بعد إعادة احياء وتفعيل معهد اللغات الوطنية وتدريسها على مختلف المراحل الدراسية وفقا لرؤية اليونسكو.
كما يطالب عباس جاكانا العضو في نفس الحركة من الحكومة الموريتانية اتاحة الفرصة لبقية القوميات الاخرى لتطوير لغاتها بجهودها الخاصة، ملاحظا أنه "لا ننتظر من الآخرين ان يطوروا ثقافتنا وإنما أن يتيحوا لنا الفرصة لتطويرها بأنفسنا من خلال الاعتماد على جهودنا الخاصة،كي نتواصل مع ذوينا باللغات التي يفهمونها"