كيف يرى المواطن المصري انتخابات البرلمان المقبلة؟
١١ نوفمبر ٢٠١٠في البداية يقول محمد نبيل (رجل أعمال 47 عاماً) أنه سيصوت في الانتخابات القادمة لمرشح الحزب الوطني. ويضيف في حواره مع دويتشه فيله أنه يواظب على السفر إلى دائرته الانتخابية بمركز إطسا محافظة الفيوم (100 كيلو جنوب العاصمة) للتصويت لأي مرشح من مرشحي الحزب الحاكم. فبرنامج الحزب يناسبه خاصة و"أن الأحزاب الأخرى القائمة بلا قيمة، مجرد مقرات وجرائد". وعن سير الانتخابات يوضح نبيل أن الصلات العائلية هي المتحكمة في الأمر، والحزب الوطني يجيد مراعاة مثل تلك الاعتبارت، خاصة وأن ترتيبات الحزب هذه المرة بإقامة انتخابات داخلية ستضبط المشاكل السابقة. ويتهم نبيل جماعة الإخوان المسلمين بأنها بلا برنامج واضح.
وبالرغم من تفضيله للفصل بين البيزنس والسياسية، إلا أنه يرى أن سياسات الحزب الوطني في مجال عمله (الحديد والإسمنت) تسمح له بالنمو دون معوقات، وينفي أن تكون هناك سياسات احتكارية، فالجميع بدأ صغيراً وانتهى كبيراً بالعمل والإصرار. ولا ينكر أن الإقبال على الانتخابات تاريخياً يبدو ضعيفاً، فغالبية الناس (الغلابة) يمتنعون عن الذهاب للإدلاء بأصواتهم. فالموظف ذو المرتب البالغ 400 جنيه لا يهتم لا بالأحزاب ولا بمجلس الشعب. لكنه يرى أن الفقر والغنى ظاهرة عالمية لا نتيجة لسياسات حزبه المفضل، فالفقراء موجودون حتى في أمريكا. أما عن البرنامج الشخصي لمرشحه فلا بد أن يكون "خدمة الناس"، وينطبق ذلك على المرشح عبد العظيم الباسل ابن العائلة الشهيرة، التي يتوارث أبناؤها نيابة الدائرة منذ ثورة عام 1919!
"مصر بلد مؤسسات"!
تحت هذا العنوان يصف البواب محمود توفيق (61 عاماً) أحوال البلاد. لكن المعنى السياسي للمؤسسات في اعتقاده هو تحويل كل مسؤول جزءاً من الوطن إلي مؤسسة خاصة له. ورغم أن "عم محمود" يحمل كارنيه عضوية الحزب الوطني منذ عام 1982، إلا أنه لم يشارك في الانتخابات إلا في الدورة الأخيرة لمجلس الشورى، حين "نزل" من عائلته الحمايدة مرشح مستقل في قريته التابعة لمركز ملوي بمحافظة المنيا (وسط الصعيد). ورغم أن العائلة احتشدت رجالاً ونساءً (حيث خرجت النساء لأول مرة من منازلهن للتصويت)، وتحالفت مع عائلة العيساوية، والتي تفرقهما خصومة ثأرية، إلا أن مرشحهم المستقل "أسُقط" على يد مرشح الحزب الوطني.
يسكن عم محمود في مدخل عمارة بوسط العاصمة منذ ثلاثين سنة، وقد خدم في الجيش المصري عام 1977 حارساً للسد العالي، كما أن ابنيه المهندسين خدما الجيش، ورغم ذلك يبلغ مرتبه 450 جنيها (نحو 50 يورو). وهو لا يحمل بطاقة انتخابية ويصوت ببيان يستخرجه من قسم الشرطة، وقد استخرج كارنيه الحزب عله يفيد، لكنه لم يفده بشيئ.
"لا أمل حتى في الإخوان"
رزق عبد المقصود (موظف بمكتبة 40 عاماً)، يقيم ويسافر يومياً إلي قريته شبين القناطر شمال القاهرة. لا يحمل عبد المقصود بطاقة انتخابية ولا ينوي أن يحصل عليها. فهو يرى أن المرشحين غالباً ما يظهرون قبل الانتخابات فقط ثم يختفون بعد ضمان الفوز. لا ينوي عبد المقصود المشاركة هذه المرة في الانتخابات، ويتحدث بيأس وبضمير الغائب: "اللي عايزين يعملوه، حيعملوه ". وهو لا يشارك إلا وفقاً لوجهة نظره في المرشح الذي يتوقع أن "يخدم " أهالي منطقته. ففي الدورة الأخيرة وقف إلى جوار مرشح الإخوان الذي نجح، لكنه بمجرد نجاحه اختفى من الدائرة. وكلما ذهب أحد أبناء الدائرة لمقابلته يرسل لهم سكرتير مكتبه، والأخير يطلب منهم أن يكتبوا ما يريدون. يكتبون ولا نتيجة ولا اهتمام ولا مصلحة منقضية.
ويتندر عبد المقصود على منظر النائب الذي كان خلال جولاته ينزل إلى البيوت ويتحدث مع الناس فرداً فرداً، لكن بمجرد نجاحه اختفى. ورغم اقتناعه بأن نواب الإخوان حوصروا داخل المجلس السابق ولم يتيسر لهم تقديم خدمات لجماهيرهم، إلا أنه لا يتوقع تكرار الأمر هذه المرة، فالناس وفقاً لرزق "حمت الصناديق بأيديها"، لكنهم هذه المرة، وهو في مقدمتهم، مقتنعون بأن من سيقرر الحزب الحاكم نجاحه سينجح حتى لو لم يذهب أحد إلى الاقتراع. كما يرفض "أن يبيع صوته مقابل 100 جنية كما يفعل الناس من حوله، حيث يقسم المرشح ورقة العملة نصفين، يعطيك النصف، ثم تأخذ نصفها الآخر بعد التصويت أمام مندوبه".
لا للمشاركة في انتخابات التوريث
عائشة السيسي (34 سنة ) صحفية تحت التدريب، كانت عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، لا تنوي المشاركة فيما تعتبره مهزلة. صوتت السيسي في الانتخابات الماضية لمرشح الإخوان (محمود عامر) في دائرة أوسيم بمحافظة الجيزة، ورغم مشاركة الجماعة في هذه الانتخابات إلا أنها لا تعتبر موقفها خروجا عن إجماع الجماعة أو تعبيراً عن الانقسام داخلها. وترى أن الحزب الحاكم يستغل الفقراء ويشتري أصواتهم، فقد "وصل سعر الصوت في دائرة شبرا إلى نحو 5000 جنيه". ورغم تعاطفها مع التيار الإصلاحي في الجماعة إلا أنها كانت مع قرار إقصائه للحفاظ على بنية الجماعة.
وترى عائشة السيسي أن "الانتخابات القادمة تهدف إلى التوريث مهما صرحوا بعكس ذلك". وتضرب مثالاً بما حدث مع أيمن نور والبرادعي "عندما ظهر أنهم يشكلون احتمالية منافسة، حيث لوث النظام سمعتهم وشن حرباً استخدم فيها أحط الوسائل". وتعترف عائشة السيسي بأن الإخوان لن يستطيعوا مواجهة النظام، لكنهم سيقاومون قدر الإمكان، إلا إنها شخصياً سئمت من مجمل السياسة، ولن تغطي الانتخابات حتى مهنياً، لأنها غير مستعدة لمشاهدة ومتابعة ما تراه مسرحية.
هاني درويش ـ القاهرة
مراجعة: أحمد حسو