لولا فُسحة الحلم: وطن افتراضي لمن لا وطن حر له
٢٧ يناير ٢٠٠٧ما لي أطيلُ عن الديارِ تغرباً أفي التغربِ كان طالعُ مَولِدي
بيت شعر قاله ابن خميدس الاندلسي قبل أكثر من 600 عام عندما أخذه الشوق إلى وطن كان له ولكن الغربة أخذته منه. ربما لو كان ابن خميدس يعيش في يومنا هذا لكان وجد حل لهذا الشوق على شبكة الانترنت وفي الوطن الافتراضي الذي تأسس بداية هذا العام، فكانت انطلاقته من مدينة جنيف السويسرية. وربما ليس من باب الصدفة ان ترى الفكرة النور في هذا البلد المحايد.
نشأت فكرة تأسيس الوطن الافتراضي على الشبكة العنكبوتية بين أصدقاء اغلبهم من العرب المغتربين الذين يقطنون في مدينة جنيف السويسرية، ليصل عدد سكان هذا الوطن إلى أكثر من ألف عضو انضموا إليه منذ "إعلان استقلاله" بداية هذا العام، أي قبل اقل من شهر ويصبح سكانه من جميع انحاء المعمورة.
وعود كفقاعات الصابون
تستقبل الداخل لموقع الوطن الافتراضي على الشبكة العنكبوتية موسيقية فرنسية ذات إيقاع مرح تليها أصوات مختلفة بلغات عديدة تنطق باسم الوطن الافتراضي لتتمازج في بعضها البعض، لتصبح التعددية المثمرة القاعدة ليس الاستثناء. والسفر إلى هذا البلد لا يحتاج إلى تأشيرات دخول ولا حواجز مرور، ليتحقق حلم كل لاجيء "تشحتط وتمرمط" من كثرة الانتظار على الحدود والمعابر، التي لا يستطيع ان يمر بها في أحيان كثيرة. والان يستطيع الدخول بكل بساطة وبدون جرة قلم سفير ولكن بضغط مواطن عادي على زر الحاسوب.
امتياز دياب "رئيسة حكومة" الوطن الافتراضي والتي تعمل كصحفية وكاتبة في جنيف، خصت موقعنا بحوار وتطرقت بداية إلى خيبة الأمل التي تطوقها في عملها الصحفي كمراسلة تغطي أعمال الأمم المتحدة، حيث تسمع الوعود الدائمة من الدول الأعضاء بحل مشاكل هذا العالم، من فقر ومرض وحروب. فتأتي التواريخ المحددة لنجد الحلول غائبة عن ارض الواقع، وتضيف دياب في هذا السياق: „عندما نرى النتائج لكل هذه الوعود ونرى ان الأوضاع في أحيان كثيرة لا تتحسن نرى عبثية هذه الوعود. لقد وصل الوضع إلى درجة الإصابة بالإحباط عندما تطلق وعود من هذا النوع لأننا نعرف ان هذه الوعود لن تتحقق. ليصبح مجرد إطلاقها بمثابة مهزلة."
الأخذ بيد المبادرة
من خلال الرغبة الجارفة بالتشبث بالحياة وعدم اليأس جاءت فكرة تأسيس الوطن الافتراضي. وترى دياب ان الأعلام العربي يتناول غالبا القضايا السياسية والاجتماعية الشائكة بشكل جاف وتنقصه "خفة الدم" والمقدرة على تناول موضوع جاد بشكل ساخر أو مضحك. الوطن الافتراضي جاء بمثابة بصيص من الأمل لمن لا أمل لهم، ولكنهم قرروا ان يخلقوه من جديد أو من لا شيء. "عندما نؤمن بالوطن الافتراضي نشعر بالسعادة. لأن هذا الواقع السياسي والاجتماعي في كثير من الأحيان لا يوجد به شيء يضحكنا. لذلك يجب ان نخلق هذا من اللاشيء ونختار الحياة وليس البؤس واليأس."
دوريد لحام وزير الورود وكل مواطن سفير
في نهاية العام الجاري 2007، سوف يقوم أبناء الوطن الافتراضي بانتخاب رئيسهم أو رئيستهم، لاستبدال الحكومة المؤقتة التي أُسست. ويستطيع كل شخص ترشيح نفسه لأي وزارة يريدها أو أن يخترع وزارة جديدة. هكذا يترأس دوريد لحام، الفنان السوري المعروف بتناوله لمواضيع سياسية واجتماعية ساخنة بأسلوب ساخر، وزارة الورود. ويعد كل مواطن في هذا الوطن الافتراضي سفيراً وبيته سفارةً.
أما جواز السفر فهو بألوان قوس قزح، إلا أن النقاش على شاشات الوطن سار على قدم وساق، لإبقاء هذا الاقتراح أو اختيار جواز سفر بطابع آخر. في هذا الوطن لا يوجد سياسة "أقليات"، لان الفروق الدينية وغيرها غير معمول بها. كما ان الحدود الجغرافية غير قائمة "كتب لنا أحد الأشخاص عندما أعطى سبب رغبته بالانضمام، انه دائما كان يقول لبناته ان هذا العالم الذي نعيش فيه ليس هو العالم الأمثل وانه يريد ان يصبح وزير الأحلام لأنه أبدا لم يتوقف عن الحلم بعالم أفضل. وأضاف يجب ان لا نتوقف عن الحلم بعالم أفضل حتى لو أصبحنا اقل وهما في نظرنا إلى الحياة وأكثر واقعية مع تقدم العمر، والا كيف سوف ستكون حياة أطفالنا لو توقفنا عن الحلم من اجلهم."
لا يوجد أعداء للوطن الافتراضي
وليس هناك أعداء للوطن الافتراضي، لان وجود الأعداء يعني المحاربة وعدم الحوار مع الآخر. "إننا نريد التحاور وإقناع الآخرين بما نؤمن وبرسالتنا. نريد ان نحلم جميعا وان نتناول المواضيع الجادة والحساسة أيضا بشكل "مضحك" وساخر. لا نريد تـــــأسيس وطن يكون للاقتتال والتناحر فيه مكان. لا نستطيع معاداة شخص وبنفس الوقت نقول أننا نريد تغيير رأيه وتغييره. انظري حولك ماذا يحدث من حروب باسم التغيير. نحن نريد ان نبني جسور ولهذا لا يوجد لنا أعداء،" على حد قول دياب.
لأننا توقفنا عن الحلم
بعد أن كان عدد مواطني الوطن الافتراضي 5 أو 6 أشخاص عرب من العاملين في الإعلام يبلغ عدد المواطنين الآن أكثر من ألف عضو وذلك بعد مرور ثلاثة أسابيع فقط على تأسيسه. ومن اللافت للانتباه ان اغلب المواطنين الآن من غير العرب رغم ان التوقعات بانتساب عدد أكثر من العرب له، في ضوء الأوضاع السياسية الصعبة، كانت السائدة في البداية. وترى دياب أن سبب ذلك هو بؤس الأوضاع في العالم العربي ووصولها إلى درجة أصبح فيها الحلم شيء خيالي، "لقد انضم إلينا عدد اكبر من الأجانب رغم ان الصفحة الرئيسية لموقعنا على الشبكة العنكبوتية في البداية كانت بالعربية وكان عليهم البحث بعض الشيء، لإيجاد الرابط بالإنجليزية أو الفرنسية. اعتقد ان العالم العربي في حالة تعاسة وعدم إيمان بغد أفضل لدرجة انه توقف عن الحلم. لقد فقد الناس في العالم العربي الأمل بالتغيير وعندما يُفقد هذا الأمل يصبح الحلم غير موجود."