ماذا يعني انخفاض منسوب مياه نهر الدانوب للدول التي يمر بها؟
٢٨ أغسطس ٢٠٢٢إنه ثاني أطول أنهار أوروبا، ويعبر أو يحاذي 10 دول، لكن نهر الدانوب، الذي يوصف بالنهر الأزرق و"البحر الثامن في أوروبا" أصبح في صيف عام 2022، يشبه جدولا صغيرا، مثله مثل أنهار أوروبية أخرى عديدة.
وحتى في ألمانيا، البلد، الذي ينبع منه، فإن النهر البالغ طوله حوالي 2900 كيلومتر أصبح يجري فيه القليل جدًا من المياه. وبدأت أولى عمليات إلغاء رحلات الفنادق النهرية العائمة، بينما تم تغيير مسارات رحلات أخرى. ومن أجل منع نفوق الأسماك، كما هو الحال في نهر أودر على الحدود الألمانية البولندية، أعلنت السلطات المحلية أنها، في حالة الضرورة، ستحظر أعمال الحفر والتجريف والإجراءات الأخرى، التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الوضع البيئي في النهر.
أما النمسا وسلوفاكيا، البلدان التاليان لألمانيا على نهر الدانوب، فتقتربان من إجراءات مماثلة. فمنذ أسابيع، تطلب هناك إدارات البلديات من سكانها عدم ملء أحواض السباحة الخاصة بهم أو رش الحشائش بعد الآن؛ حتى يتبقى ما يكفي من المياه لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان والزراعة.
المجر تتنفس الصعداء قليلا
منذ نهاية الأسبوع الماضي (20/21 أغسطس/ آب 2022)، خففت العواصف الممطرة الوضع في المجر بشكل طفيف. فبعد ظهور ما يسمى بـ"حجر الجوع" (أيضا: صخرة الفقراء)، وهو حجر مغمور عادة بالقرب من "جسر الحرية" في العاصمة بودابست، بشكل شبه كامل يوم الأربعاء (17 أغسطس/ آب) عند مستوى مياه 63 سم، اختفى الحجر بأكمله تقريبا من جديد تحت مياه النهر يوم الإثنين (22 أغسطس/ آب) عند مستوى 92 سنتيمترات.
في الصيف المعتاد، في نهاية شهر أغسطس/ آب، يرسو طابور طويل من الفنادق العائمة (السفن السياحية) على ضفة نهر الدانوب في بودابست؛ لكن في الأسابيع القليلة الماضية، لم يرسُ هناك سوى عدد قليل من الفنادق العائمة الصغيرة، التي لم تستطع مواصلة الإبحار بسبب انخفاض مستوى المياه.
وتقول تونده موغيوروسي من شركة "سيتيراما" للسياحة: "لا يزال الجزء المجري من نهر الدانوب غير صالح للملاحة بالنسبة لمعظم السفن السياحية". وتضيف لـDW: "كان لا بد من قطع العديد من الرحلات، لأن السفن تعلق في النهر في مكان ما قبل بودابست. نرسل حافلات إلى هناك حتى يتمكن الضيوف من رؤية المدينة على الأقل". كما أن هناك قيود على حركة سفن الشحن النهري أيضًا.
وجود كمية وفيرة من المياه في نهر الدانوب مهم أيضًا لإمدادات الكهرباء في المجر، فالمياه تستخدم في تبريد كل من محطات الطاقة التقليدية ومحطة الطاقة النووية الوحيدة في البلاد. وبسبب ارتفاع درجة حرارة المياه، لم تتمكن المفاعلات في محطة "باكس" للطاقة النووية من العمل بكامل طاقتها الأسبوع الماضي. ما تسبب في فقدان للطاقة بنسبة تصل إلى حوالي 15 في المائة لكل مفاعل، وهو أمر ليس نادرًا في الصيف الحار؛ لكن الطاقة النووية حاليًا رخيصة جدًا في المجر مقارنة بجميع مصادر الطاقة الأخرى، لأن أسعار الغاز والنفط المستوردين ارتفعت بشكل جنوني، بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا وضعف قيمة العملة المجرية المحلية، "الفورنت".
النظام البيئي بنهر الدانوب، خصوصا، يمر بأيام صعبة في صيف عام 2022. لكن على الأقل لم يكن هناك نفوق جماعي للكائنات النهرية حتى الآن؛ على الرغم من العثور على مئات الأسماك الميتة في أحد روافد نهر الدانوب في 4 أغسطس/ آب 2022، إلا أن الوضع خُفّف بفضل "هويس" (حاجز يحبس المياه)، تم فتحه لضخ المزيد من المياه من مجرى النهر الرئيسي إلى الرافد.
لكن هذا غير ممكن في الأنهار والبحيرات الأصغر في المجر. في بحيرة فيلينس، التي يبلغ عمقها ثلاثة أمتار فقط حتى عندما تكون ممتلئة، انتشر فيروس بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من انخفاض المياه، أدى إلى نفوق أكثر من 200 قرموط من نوع "قرموط ويلس" حتى الآن.
شواطئ رملية في صربيا
في صربيا، تذكرنا ضفاف نهر الدانوب في صيف عام 2022 بالشواطئ الرملية التي لا نهاية لها. يبلغ منسوب مياه النهر حاليًا ما يصل إلى خمسين بالمائة، أقل من متوسط شهر أغسطس/ آب المعتاد. وأصبحت السباحة في أحد أعظم أنهار أوروبا لعبة أطفال. في بعض الأماكن، يمكنك المشي من ضفة إلى أخرى.
وقالت يلينا يرنيتش من المعهد الصربي للأرصاد الجوية المائية (RHMZ) لـ DW " سنة 2022 هي واحدة من أكثر السنوات العشر جفافاً على الإطلاق. في زيمون، مثلا، مستوى مياه نهر الدانوب، منذ عدة أيام، أقل من المستوى الملاحي البالغ 190 سم لكنه لا يزال أعلى بكثير من أدنى قيمة تاريخية لعام 1983، والتي كانت 134 سم".
وتعمل الجرافات، التي تعمق قاع النهر في أماكن مهمة، على بقاء نهر الدانوب في صربيا صالحًا للملاحة عموما. وقال نائب وزير نقل المياه فيليكو كوفاسيفيتش لـ DW: "بهذه الطريقة نضمن إمدادات الفحم لمحطات الطاقة لدينا". وأضاف "لكن في الجزء الواقع في مصب نهر الدانوب لدينا مشاكل خطيرة، فيما يتعلق بإمدادات النفط الخام والديزل ومشتقات النفط الأخرى، لأنه منذ ثلاثة أسابيع لا تتحرك أي سفن تجاه المصب".
وتسبب انخفاض منسوب المياه بمشاكل هائلة في توليد الطاقة. ففي محطة "جرداب" للطاقة الكهرومائية، التي تولد حوالي عشرين بالمائة من كهرباء صربيا، يجري العمل حاليًا على ما يسمى بالنظام البيولوجي الأدنى. إذ لا يتم استخدام سوى كميات قليلة من المياه ولكن أيضا يتم إنتاج كميات قليلة فقط من الكهرباء.
"في شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب، كان لدينا نصف تدفق المياه فقط مقارنة بالمتوسط السنوي"، يوضح رادميلو نيكوليتش، مدير إنتاج الطاقة في جرداب ويضيف لـDW : "نتيجة لذلك، كان الإنتاج في أغسطس 2022 أيضًا أقل بنحو خمسين بالمائة عن السنوات الأخرى". ويتوقع نيكوليتش أن تتمكن محطة الطاقة في جرداب من توفير 6 آلاف ميغاواط/ ساعة من الكهرباء يوميًا في الأيام المقبلة. "العادي أن يكون الإنتاج من 8500 إلى 9000 ميغاواط/ ساعة في هذا الوقت من العام".
وعلى كل حال، تمنح توقعات الطقس الأمل: إذ يتوقع معهد الأرصاد الجوية الهيدرولوجية في صربيا أن يستقر مستوى مياه نهر الدانوب في أوائل سبتمبر/ أيلول 2022. وتحذر يلينا يرينتش: "لكن سيتعين علينا التعود على التطرف - مستويات المياه العالية جدًا والمنخفضة جدًا. سيتعين علينا أن نتعلم كيف نتعايش معها، وعندما يأتي موسم الأمطار، نجمع المياه ونخزنها بدلاً من إهدارها كما كنا نفعل حتى الآن".
بلغاريا: "النهر ابتعد عن الناس"
عند فيدين، في بداية الجزء البلغاري من نهر الدانوب، تنتظر العديد من "الصنادل" (مراكب شحن مسطحة) ارتفاع منسوب المياه حتى تتمكن من مواصلة نقل البضائع. وفي الوقت الحالي، يمكنها الإبحار بحمولة تبلغ 30 حتى 40 في المائة فقط من الحمولة الأصلية، وهو أمر غير مربح للشركات. ويقول الكابتن روسن نيكولوف: "ليس عليك أن تكون خبيرًا لترى مدى انخفاض مستوى نهر الدانوب. فمن الرصيف النهري تستطيع أن ترى الحجارة في القاع، النهر قد انحسر، وابتعد عن الناس".
وتشير منظمة "الصندوق العالمي للطبيعة" (WWF) إلى أن الانخفاض الحالي لمنسوب المياه ليس بالأمر غير المعتاد في هذا الوقت من العام. والمشكلة هي أن هذا الاتجاه استمر في الزيادة على مدى العقود القليلة الماضية. ويرى الصندوق العالمي للطبيعة أن الأسباب الرئيسية هيتغير المناخ العالمي، وزيادة إزالة الغابات في حوض النهر وبناء مئات من محطات الطاقة الكهرومائية الصغيرة على العديد من أنهار جنوب شرق أوروبا، التي تغذي مياهها نهر الدانوب في النهاية.
بين رومانيا وبلغاريا، يعاني نهر الدانوب من مشكلة خاصة: لم يتم ترويض النهر بالسدود والقناطر، كما هو الحال في صربيا أو النمسا. ويشير جورجي جورجيف، الخبير في نهر الدانوب، إلى أنه يجب بناء نظام سدود وقناطر، إذا ما أريد التحكم في مستوى النهر وتحسين القدرة على الملاحة بشكل كبير.
ومستوى المياه المنخفض الحالي ليس استثنائياً بالنسبة للجزء البلغاري من نهر الدانوب، ففي عام 2003 كان المستوى أقل من ذلك. ورغم ذلك، لم تكن هناك مشاكل مع تبريد محطة الطاقة النووية في كوزلودوي. في عام 2022 أيضًا، أكدت إدارة محطة الطاقة النووية أنه لن تكون هناك أي صعوبات.
لا أمطار في رومانيا
في رومانيا، كان مستوى المياه عند أدنى نقطة في منتصف النهر بين جزيرة كالينوفات وبلدة تورنو ماغوريلي الصغيرة في السادس من أغسطس/ آب 2022. فبعمق 1,87 مترا في منتصف النهر، انخفض المنسوب إلى الرقم القياسي تقريبا المسجل نهاية أغسطس في عام 2003. فقبل 19 عامًا، انخفض منسوب المياه إلى 1,80 مترا. والفرصة قائمة بقوة لكسر هذا الرقم القياسي في العام الجاري، لأن خبراء الأرصاد الجوية لا يتوقعون هطول أمطار في الأسابيع المقبلة.
للجفاف عواقب واضحة على نهر الدانوب، فقد تشكلت جزر رملية في وسط النهر. وعلى الرغم من أن الشحن النهري لم يتم إيقافه بالكامل بعد، إلا أنه صعب جدا، وقادة (قباطنة) حوالي 70 سفينة لا يجرؤون على مواصلة رحلتهم.
وإدارة النهر في مدينة غالاتي تعمل على قدم وساق. وبمساعدة الحفارات، يتم العمل على مدار الساعة للحفاظ على الممر المائي صالحًا للملاحة، على الأقل للمراكب الخفيفة. وأي شيء آخر من شأنه أن يعرض للخطر إمداد الناس والاقتصاد بالسلع مثل الحبوب والخام (الصخور الفلزية) والفحم والوقود والغاز في كل من رومانيا والدول الأخرى المطلة على نهر الدانوب.
في بلدة زيمنيكيا الصغيرة، التي يبلغ عدد سكانها 15 ألف نسمة، قابلت DW مارسيل، الذي يعيش هناك. يتحدث عن انخفاض مستوى المياه وحقيقة أن ري المزروعات هنا، خصوصا الذرة والقمح والشعير، يكاد لا يكون ممكنا الآن. نسير على طول ضفة نهر الدانوب. وبأذرع ممدودة، يوضح مارسيل مدى ارتفاع مياه النهر في ربيع عام 2022: "حيث كان عمق المياه في ذلك الوقت مترين، أما الآن فيمكنك أخذ حمام شمسي" في مجرى النهر.
في عام 2003، الذي انخفض فيه منسوب المياه إلى المستوى القياسي حتى الآن، تم إغلاق محطة الطاقة النووية في سيرنافودا لمدة شهر تقريبًا، من 23 أغسطس/ آب حتى 16 سبتمبر/ أيلول. وتؤكد وزيرة البيئة الرومانية بارنا تانتزوش أن إمدادات مياه التبريد في صيف عام 2022 "مثالية" حتى الآن. لكنها تحدثت أيضا عن إجراءات تقشف "بسبب نقص المياه". في بعض المناطق، تم الآن تقليل ضخ المياه بالنسبة للمنازل الخاصة وتم وضع قيود لري الحدائق والحقول الصغيرة.
تقرير من إعداد: زولت بوغار (بودابست)، سانجا كلجاجيتش (نوفي ساد)، بيليانا ميهايلوفا (صوفيا)، تيبيريو ستويتشيسي (بوخارست): تحرير روديغر روسيغ /ص.ش