مصر: أنصار الشريعة.. فى انتظار "ساعة الصفر" الغامضة
١٤ ديسمبر ٢٠١٢يشير مؤيدو الرئيس محمد مرسى والسياسيون المنتمون للتيارات الإسلامية، أن تحركهم مشروط بـ"موعد غامض"، ووسط هذا الانتظار المبهم بث أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة فيديو على موقع "يوتيوب" يدعو فيه المرشح السلفى المُستبعد من إنتخابات الرئاسة المصرية حازم صلاح أبو إسماعيل للجهاد من أجل تطبيق شرع الله. وتأتى دعوة الظواهرى بالتوازي مع محاصرة اعتصام المرشح الرئاسي السابق عن التيار السلفي "أبو إسماعيل" أمام مدينة الإنتاج الإعلامي، مؤكدين تواجد مؤيدين بمئات الآلاف "مرابطين" بمواقع مختلفة بالقاهرة وخارجها انتظاراً لـ"ساعة الصفر" هذه أيضاً.
حماية الرئيس
يدخل اعتصام مؤيدي وأنصار حازم أبو أسماعيل أسبوعه الأول هذه الأيام حيث بدأ الجمعة الماضية، و بدأ على خلفية حالة الاستقطاب التى تمر بها البلاد إثر معركة الدستور، وإعلان الرئيس المصرى محمد مرسى الدستوري الأول الذي حصن فيه قراراته، والذي أثار موجة غضب عارمة من قبل الكثير من المصريين غير المنتمين لتيارات الإسلام السياسي ، كما كان من مطالب الاعتصام أيضاً تطهير الإعلام. لكن حينما تتحدث مع المعتصمين عند مداخل مدينة الإنتاج الإعلامي، حيث تتواجد العديد من مقرات القنوات التلفزيونية، ستجد أن "ساعة الصفر" غير محددة حتى الآن، حيث يعلن كافة المعتصمين أن السبب الخفى للاعتصام هو التحرك فى حالة إقتحام قصرالإتحادية(مقر الرئاسة). إذا تم الدخول إلى قصر الرئاسة من قبل متظاهرين رافضين لسياسات الرئيس المصري الحالي سيتحرك المعتصمون لحماية مرسى، "هذا هو الهدف.. وهذه هى ساعة الصفر"، كما يوضح محسن المصرى، عامل حدادة من منطقة ميت عقبة. ويصدق محسن كلام المشايخ الذين يأتون ليلاً لدعم هذا الإعتصام، مبرراً عدم تقديمهم لأدلة بـ"أنهم يعرفون عاقبة الحنث بالقسم"، لهذا يثق فى حكاياتهم عن أن "معارضى مرسى يتلقون أموالاً ضخمة، حيث أن تكلفة حشد 200 معارض تتجاوز المليون جنيه يومياً (حوالى 125 ألف يورو)"، ثم يعقب:" الفلول أموالهم كثيرة".
"محسن" يكره الإعلام بشكل عام، سواءا كان إخباريا أو ترفيهياً، هو يفضل مشاهدة القنوات الإسلامية فقط، حيث يقول:"كل شىء فاسد إلا القنوات الإسلامية"، لهذا صرح لـ DW عربية أن الغرض من الاعتصام هو حماية الرئيس محمد مرسى من معارضيه، "نحن متواجدون فى أكثر من مكان لحماية الرئيس، والاعتصام مجرد نقطة من عدة نقاط سيتحرك منها المؤيدون إلى قصر الإتحادية الرئاسى"، أما موضوع الإعلام وتطهيره فيلخصه "المعتصم لنصرة الدين" (كما قدم محسن نفسه):"تطهير الإعلام يتم مع إتمام تطبيق الشريعة، لأن الحق يأتى بالحق والباطل يأتى بالباطل(..) إذا طبقنا الشريعة سيتوقف الإعلام عن إيذاء الشعب، وتقديم المواد الفاسدة بغرض تدمير الشعب المصرى".
ميدان "إسلامى"!
يطلق المعتصمون على الحديقة الكبيرة الممتدة أمام أسوار مدينة الإنتاج الإعلامى خارج القاهرة لفظ "الميدان"، وستجد هناك الخيام المنصوبة فى الحدائق المطلة على الطريق السريع بين القاهرة والواحات البحرية (جنوب غربى العاصمة المصرية). كما ستلمح اللافتات المستهدفة لإعلاميين بعينهم، منهم إبراهيم عيسى، لميس الحديدى، عماد الدين أديب، عادل حمودة، وغيرهم مع نعوت ساخرة منهم. ستجد آثار الحطب المشتعل للتدفئة، كما ستلمح دورات مياه أقاموها حديثا فى الخلاء. بائع جرائد يتجول بين الخيام لا يبيع إلا الجرائد المعبرة عن التيار الإسلامى مثل جريدة حزب الإخوان المسلمون "الحرية والعدالة"، وغيرها. كما ستسمع هناك أيضاً هتافات على شاكلة "قادم ..قادم يا إسلام"، أو" قول يا حازم قول، خوف الفلول"، وأخيراً "لا إله إلا الله البرادعى عدو الله".
المؤامرة الكبرى!
سيستمر "الأنصار" فى محاصرة "المدينة" حتى الاستفتاء على الدستور، والذى صدر قراراً جمهورياً مؤخراً ينظمه على مرحلتين الأولى تكون السبت 15 ديسمبر، والأخيرة السبت التالى له..أى يوم 22 ديسمبر. سأل موقع DW ناصر القاضى، أحد المعتصمين، عن أسباب ربط الاعتصام بإنتهاء التصويت على الدستور؟ فتحدث عن المؤامرة الكبرى..
يحكى ناصر، وهو عاطل جاء من قنا (جنوب مصر) للاعتصام، أن المرشح الرئاسى السابق حمدين صباحى"ليس بطلاً كما يقدمه الإعلام، وإنما هو قائد مؤامرة تهدف لمنع إقامة مؤسسات منتخبة، وفى هذه المؤامرة يكون رفض الدستور نذيراً بعدم إنتخاب برلمان جديد حتى تستمر الفوضى"، يقاطعه أحد المعتصمين قائلا:"إن المؤامرة يشارك فيها أكثر من مرشح رئاسى منهم عبد المنعم أبو الفتوح، أحمد شفيق، عمرو موسى، وكذلك رئيس حزب الدستور د.محمد البرادعى..هؤلاء يريدون إسقاط مرسى ليدخلوا القصر، بالطبع لن يصبحوا جميعا رؤساءً لمصر، ولكنهم نسقوا بينهم لينال كل منهم منصباً". خلال هذا الحديث ختم أحد المعتصمين الصلاة ليشارك فى حديث المؤامرة، مضيفاً لمسته الخاصة فى الحكاية الأبرز هنا حكاية المؤامرة حيث يقول:"الاعتصام يحقق نتائج لأن المؤامرة تم كشفها، حيث تزايد ظهور ممثلو التيار الإسلامى بالقنوات الفضائية"..هكذا يتطور حديث المؤامرة، الذى بدأ كـ"إشارات خفية" فى أكثر من خطبة وحديث تليفزيونى للرئيس مرسى، كأن المعتصمين يحاولون، بشكل غير مباشر، تفسير إشارات رئيسهم الغامضة!
معارضة المشروع الإسلامى
فى خيمة توشك على الإنهيار تحدث محمد عبد الحميد، وهو يحاول تثبيت أحد الأعمدة الخشبية لخيمته، أن الإعلاميين ينبغى أن يحاكموا، لا أن يمنعوا من الظهور فقط والسبب "أنهم يتعمدون التضليل والهجوم على تيار الإسلام السياسى"، سألته DW لماذا تحاصرون القنوات المعارضة لكم؟ فقال:" لأن ملاك هذه القنوات يشاركون فى المؤامرة، لأن الفوضى تخدمهم، حيث أن أغلبهم صدرت بحقه أحكام قضائية واستمرار الفوضى يحميهم من المحاسبة (طالبناه بذكر الأحكام الصادرة بحق ملاك القنوات أو الإعلاميين فذكر قضايا تم تبرئة المتهمين بها بالفعل)". لا يرى عبد الحميد أن محاصرة المدينة تضييق على المعارضين، لأنه لا يعتبر ما يفعلونه معارضة حيث يقول: "المعارضة تكون كما يفعل د.أيمن نور، وعصام سلطان (أحد رموز التيار الإسلامى وواحد من مؤسسى حزب الوسط، الذى نال أكثر من مقعد وزارى فى الحكومة الحالية) وكمال الهلباوى القيادى السابق بجماعة الإخوان المسلمين"! كما يرى أن "التيار الإسلامى لا يحكم، بدليل أن الرئيس مُحاصر، ورجال الداخلية والجيش يرفضون التعاون معه. حتى أن الحرس الجمهورى لا يحيمه". يحكى المعتصم هذا الموقف حزيناً مشيراً لـ"خيانة الجميع للمشروع الإسلامى".
غزو مصر
يفتش المعتصمون جميع المتوافدين على مدينة الإنتاج الإعلامى، المدينة التى تبث مباشرة أغلب مواد القنوات الفضائية المصرية من داخلها صارت مداخلها خاضعة لأنصار "أبو إسماعيل"، لكنهم يؤكدون "لا نمنع أحداً من الدخول".
حينما سألت DW هانى أبو أنس أحد أفراد حراسة الاعتصام عن سبب تواجده هنا قال "لإقامة شرع الله عز وجل، وإعلاء كلمته"، ثم أضاف :"ولحماية الرئيس، وإسكات معارضيه حتى يتكلموا عنه بأدب". عند سؤاله كيف تريد تطهير الإعلام أجاب أبو أنس "لا أعرف"، ثم تابع:"لكن إذا تم اقتحام قصر الرئيس سنقتحم مدينة الإنتاج..ونقتحم مصر كلها". سألته DW ماذا تقصد بإقتحام مصر؟ لم يرد، صمت لفترة طويلة، ثم تحدث عن مشروع الدستور الجديد، وضرورة احترام رأى الأغلبية.
المعارضة كما يحبها الإخوان
سألت DW القيادى بجماعة الإخوان المسلمين جمال حشمت عن موقفه من الاعتصام فأجاب مبررا استمرار محاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى بأنه فعل الغرض منه "تأييد الشرعية"، وأنه ليس حصارا منفرداً "هذا رد فعل على عدة تظاهرات تجرى بالبلاد منها محاصرة مؤسسة الرئاسة، والمسيرات المتجهة إلى الإتحادية.. ويجب أن ننظر للموضوع بصورة كلية". كما يوضح حشمت أن حصار"المدينة مرفوض، مثلما يعتبر حصار الإتحادية مرفوضا أيضاً". رغم ذلك لا يرى حشمت فى إعتصام أنصار أبو إسماعيل محاولة للتضييق على حرية التعبير، حيث يقول: "الإعلام غير مقيد، إنما (يأخذ حقه وزيادة)، بل نحن نعانى من فوضى الإعلام".
يرى حشمت أن إهانة الرئيس "هو أمر مرفوض"، كما يطرح الشكل المناسب لمعارضة مرسى حيث يقول"يجب أن تحترم المعارضة حقوق الأغلبية، وأن تلجأ للحوار وليس الوسائل غير ديمقراطية - على حد تعبيره- مثل العصيان المدنى، ورفض الحوار مع الرئيس أو حصار مؤسسة الرئاسة"، مشيراً لرفض جبهة الإنقاذ الوطنى الحوار الذى دعت إليه مؤسسة الرئاسة قبل الإعلان الدستورى الأخير.
سألت DW عربية حشمت كيف تقيم المظاهرات والإعتصامات المؤيدة خاصة أنها ضعيفة من حيث التأثير كونها فى جانب السلطة؟ فرد قائلا:"هؤلاء ليسوا مؤيدين للرئيس وإنما هم يدافعون عن الشرعية، بمعنى أن الرئيس منتخب وهم يدافعون عن وجوده والشرعية التى يمثلها". كلام القيادى الإخوانى يأتى مع استمرار اعتصام أنصار أبو إسماعيل وتزايد المظاهرات المؤيدة التى تحشد للتصويت بـ"نعم" على مشروع الدستور الذى كتب بأغلبية من تيار الإسلام السياسى، متغافلاً المسيرات المعارضة حيث يقول مستنكراً:"ما الذى وَحد بين الثوار والليبراليين ومعارضى الرئيس مع الفلول!؟"، اللافت فى حديث حشمت أنه لا يختلف عن فكرة يروج لها أنصار أبو إسماعيل أيضاً بأن المعارضين من"فلول النظام السابق".