مصر: جبهة المعارضة لمسودة الدستور تتسع لكنها غير موحدة
١٤ ديسمبر ٢٠١٢ارتفعت حدة المعارضة للرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين مع إقراره للإعلان الدستوري الأول الذي حصن فيه قراراته، حيث أُعلن وقتها عن تشكيل جبهة الإنقاذ الوطني كتجمع يضم كل القوى المعارضة لانفراد مرسي بالسلطة. وتعتبر هذه الجبهة حتى الآن أضخم تجمع للمعارضة المدنية التي تعاني رغم اتساع قاعدتها الجماهيرية مؤخراً من تشرذم قياداتها السياسية، حسب ما يقول خبراء في الشأن المصري. ويضيف هؤلاء بأن المعارضة عموما والجبهة خصوصا تعاني أيضا من تعدد الآراء وعدم القدرة على اتخاذ قرارات موحدة على عكس القوى الإسلامية.
البرادعي يتصدر المعارضة ويوجه نداء لمرسي
لكن مع إعلان الرئاسة عن الإعلان الدستوري الأخير، الذي تراجع فيه مرسي عن بعض صلاحياته، ظهر أن تماسك جبهة المعارضة هش أكثر مما هو متصور. ففي مساء الأحد الماضي عقدت جبهة الإنقاذ مؤتمراً صحفياً لإعلان موقفها من الاستفتاء، وشهد الإعلان انسحاب الحزب الديمقراطي الاجتماعي وعمرو موسى المرشح السابق للرئاسة. في حين تصدر محمد البرادعي المشهد وأعلن أن موقف الجبهة هو مقاطعة الاستفتاء وعدم الاعتراف بشرعيته، رغم أن بيانا صدر عن الجبهة أكد موقفها الرافض للاستفتاء ودعوة أنصارها للتصويت بلا. كما وجه البرادعي نداء للرئيس محمد مرسي طالبا منه سحب مسودة الدستور والعودة إلى الدستور القديم لفترة مؤقتة.
كما أعلنت أحزاب التحالف الشعبي والديمقراطي الاجتماعي وبعض القوى السياسية الأخرى، رفضها للمقاطعة وأكدت على أنها ستدعو للمشاركة في الاستفتاء والتصويت بلا. ثم جاء موقف اللجنة العليا للانتخابات بإجراء الاستفتاء على مرحلتين الأولى 15 ديسمبر/ كانون الأول والثانية 22 ديسمبر/ كانون الأول ليزيد من الموقف تعقيداً، وهو ما علق عليه عبد الغفار شكر وكيل مؤسسي حزب التحالف الشعبي وعضو جبهة الإنقاذ قائلاً: "قرار اللجنة الأخير يجعلنا نشكك في نزاهة الاستفتاء".
وأوضح شكر أن موقف التحالف الشعبي حتى الآن هو المشاركة في الاستفتاء والتصويت بلا، لكن "إذا ثبت لنا عدم توفير الضمانات اللازمة صباح يوم الاستفتاء فسنقوم بتوثيق الأمر وإعلان الانسحاب".
قرارات لجنة الانتخابات تثير امتعاض المعارضة
التذبذب في موقف الجبهة يرتبط بموقف القضاة أيضا. فطبقاً للقانون المصري يجب أن تجرى أي انتخابات أو استفتاءات تحت إشراف كامل من القضاة. وحتى الآن ثمة تباينا في موقف القضاة، إذ رفض نادي القضاة بنسبة 90% في المائة الإشراف على الاستفتاء، فيما تحدثت لجنة الانتخابات عن وجود عدد كاف من القضاة للإشراف عليه. لكن بدا واضحا أن قرار نادي القضاة بالمقاطعة أثر على الوضع إذ لجأت لجنة الانتخابات إلى إجراء الاستفتاء على مرحلتين، بسبب قلة عدد القضاة الموافقين على الإشراف على الاستفتاء. وهو ما تراه أحزاب المعارضة، ومنها حزب الجبهة الديمقراطية بزعامة أسامة الغزالي حرب، بأنه يفتح الباب للتلاعب بالنتائج ويشكك في نزاهة عملية التصويت. فقد دعا حرب رئيس حزب الجبهة إلى مقاطعة للاستفتاء الذي وصفه بأنه "استفتاء غير شرعي".
معارضة الدستور لا تتوقف على الأحزاب المدنية فحسب، بل تضم أحزابا ذات توجه إسلامي أيضا. فقد دعا حزب مصر القوية برئاسة عبد المنعم أبو الفتوح، العضو السابق في جماعة الإخوان المسلمين والمرشح السابق للرئاسة، إلى رفض الدستور. وتوجه أبو الفتوح إلى أنصاره طالبا منهم التصويت بلا في الاستفتاء "بسبب خلو الدستور من أي اهتمام بتحقيق العدالة الاجتماعية والحق في الرعاية الصحية، وهيمنة المؤسسة العسكرية واستمرار النصوص التي تجيز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية"، حسب وصفه.
ولم يقتصر رفض الدستور على الحركات والأحزاب السياسية فقط دعا الاتحاد المصري للنقابات المستقلة إلى رفض الدستور والتصويت عليه بـ "لا". وفي هذا الإطار قالت فاطمة رمضان عضو المجلس التنفيذي لاتحاد النقابات المستقلة إن العمال سيصوتون بـ "لا" بسبب تجاهل الجمعية التأسيسية تمثيلهم في تشكيلها، فضلاً عن خروج الدستور بشكل لا يرضي طموحات الطبقة العاملة.
بعض القوى الإسلامية الأكثر تشدداً أعلنت رفضها للدستور الجديد لكن من زاوية مختلفة، فهي ترى أنه "لا يحقق شرع الله". فقد أطلقت السلفية الجهادية في مصر على موقعها على الإنترنت حملة لمقاطعة التصويت على الدستور تحت شعار "واعتزلكم وما تدعون من دون الله"، ترى فيها أن الدستور بعيد تماماً عن الشريعة الإسلامية.
وبالرغم من أن جمهور السلفية الجهادية قليل نسبياً، وهي ترفض المشاركة في العملية السياسية بجميع أشكالها، لكن موقفها وموقف الكثير من الحركات الأصولية دفع بحزب النور وقيادات الدعوة السلفية كالشيخ ياسر برهامي إلى الاعتراف بأن الدستور لا يحقق طموحاتهم في التطبيق الكامل للشريعة. بيد أن هذه الحركات لم تمض إلى ما مضت إليه السلفية الجهادية في رفض الدستور بالمطلق بل رأت فيه "خطوة على الطريق وأفضل ما يمكن الحصول عليه في هذه المرحلة".