والدة خالد سعيد: "الثورة ضد مبارك بدأت في اليوم التالي لموت ابني"
٦ يونيو ٢٠١١خالد سعيد شاب مصري من الإسكندرية، عذبه اثنان من مخبري الشرطة حتى الموت في السادس من حزيران/ يونيو 2010 بسبب رفضه تفتيشهما له بحجة قانون الطوارئ الساري في مصر منذ عام 1981، ولإخفاء جريمتهما النكراء قام المخبران -حسب الاتهامات الموجهة لهما من أهالي المنطقة- بأخذ الجثة إلى قسم الشرطة ظنا منهما أن ضحيتهما قد فقد الوعي فقط ودسا في فمه "لفافة بانجو" لإعطاء الانطباع بأن الشاب القتيل مات أثناء تعاطيه المخدرات. وبعد نشر صورته على مواقع الإنترنت وما بوجهه ورأسه من تشوهات أضحى خالد سعيد صورة لظلم الشرطة في مصر وأُطلق عليه "شهيد الطوارئ"، وبداية من اليوم الثاني لموته بدأت الوقفات السلمية للشباب للمطالبة بمعاقبة قاتليه. كما قام صديقه وائل غنيم وآخرون بإنشاء صفحة له على موقع فيسبوك تحت اسم "كلنا خالد سعيد"، كان لها الأثر في حشد الزخم للثورة المصرية. دويتشه فيله حاورت السيدة ليلى مرزوق والدة خالد سعيد بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيله:
كيف ستحيي الأسرة الذكرى الأولى لوفاة خالد؟
ستكون هناك وقفة على كورنيش الإسكندرية يرتدي فيها المشاركون الملابس السوداء ويتلون القرآن والإنجيل، سيكون يوماً لكل شهداء مصر، ولكل شهداء الثورة وسيأتي إلى الإسكندرية شباب من القاهرة ومختلف أنحاء مصر وسنزور مقبرة خالد ومقابر الشهداء الآخرين.
مات الكثيرون بسبب تعذيب الشرطة المصرية، لكن لماذا خالد سعيد بالذات هو الذي نال كل هذا الاهتمام؟
لم يكن أحد يتوقع أن يحدث أي شيء من هذا الاهتمام، وهذا شيء من عند ربنا. هناك أشخاص غرباء يبكون حينما يرون صورة خالد وهذا من رضى ربنا علينا، لكي يظهر الظلم الذي كان موجوداً في مصر والذي زاد عن حدوده، فهناك أناس آخرون ماتوا قبل خالد لكن لم يُعثر عليهم مثل الشاب السكندري محمد ترك.
كيف كانت أخلاق خالد؟
خالد كان يحمل قلب طفل في جسم رجل، فقد كان مرهف الحس وحنيناً. وكان يبكي حينما يرى المساكين سواء كانوا صغاراً أو كباراً في السن، ويطمئن لأي شخص ويصدق أي شخص ولم يكن يخوِّن أحداً، وكان يحب الصيد وخصوصاً في الليل، ويعرف البحر جيداً. كان يطير الطائرات الورقية ويجمع الأطفال يفرجهم عليها ويلعب معهم بها ثم يتركها لهم ويمشي. وكان يعزف هو وأصدقاؤه موسيقى الراب وبعد موته اكتشفنا ثلاث أغنيات له.
ماذا كان شعورك كأم عندما كنت تسمعين اتهامات الشرطة والإعلام لخالد؟
كنت أقع على الأرض وآخر مرة شُل ذراعاي وإحدى قدمي وأخذوني إلى المستشفى ولا زلت أتعالج حتى الآن. وحتى لو كان الشخص سيئاً، فطالما مات، فيجب أن لا يتكلم عنه أحد بالسوء. لكن ما بالك بشخص بريء وميت ثم تأتي الناس وتطعن فيه وهو مظلوم، فهذا شيء يوجع القلب. وما يؤلمني هو أنني ربيته يتيماً، إذ مات أبوه وهو في السادسة من العمر، فربيته أحسن تربية وكل أولادي ربيتهم أفضل تربية فأنا أعمل خيراً، ثم تطعنني في صدري بسكين وتقول إني لم أحسن التربية، أكيد هذا يؤلمني.
يا ترى هل خفف سقوط النظام السابق من آلام فقدان الابن؟
يخفف الآلام لكني أحزن أكثر لأن هذا السقوط أظهر أن هناك أناساً كثيرين ظلموا، وفي الوقت نفسه أحمد ربنا على أن خالد مات في ساعتها في هذا المكان تحت بيته. يعني لم يضع مثل الآخرين الذين أخذوا إلى أقسام الشرطة وتعرضوا للضرب حتى الموت ولم يعثر لهم أحد على أثر.
هل أنت راضية الآن عن سير محاكمة قاتلي خالد؟
أنا متفائلة، فالقاضي يعمل بالعدل وإن شاء الله سيحكم بالعدل لأنه سمع من الطرفين ووصل به الأمر أنه حاول أن يجرب ما أسموه "لفافة البانجو" على نفسه فوجدها صعبه جداً، ولا يمكن أن تنفع. القتلة لا يعرفوا حتى أن يكذبوا بشكل مقنع، وسرقوا بطاقة الهوية الخاصة بخالد ومفتاح الشقة وحاجات كثيرة وافتعلوا له قضايا سرقة جهاز موبايل والتحرش بأنثى. لكن المدعي العام قال لهم أنتم مزورون لهذه الأوراق.
هل تتعرضون حالياً لضغوط سواء من الشرطة أو أهالي المتهمين؟
الضغوط كانت في الأول فقد رأينا الويل، أما بعد الثورة فلا توجد ضغوط، والثورة بدأت في اليوم التالي لموت خالد، ففي اليوم الثاني لمقتله جاء أشخاص إلى شارعنا ووقفوا أسفل البيت وكانوا يهتفون يسقط يسقط حسني مبارك، يسقط حبيب العادلي وقالوا نحن سنأتي بحق خالد.
ماذا تقولين لأمهات شهداء ثورة 25 يناير وأمهات من تعرضوا لمصير يشبه مصير خالد؟
أقول لكل واحدة منهن: لا تحزني ولا تبكي، لأن جزءا منك سبقك إلى الجنة، وهذا ما تتمناه كل أم. والكلام نفسه أقوله لأمهات من ماتوا من الشرطة، لأنه لا يوجد فرق بين الاثنين.
هل تتابعين الآن ما يجري من قمع للمتظاهرين في بلدان عربية مثل اليمن وليبيا وسوريا؟
ما يحدث الآن في البلدان العربية صعب، وفي سوريا أصعب من عندنا بكثير، وادعوا الله أن ينجي الشباب ويعطيهم النصر. فكل إنسان له موعد ونحن في مصر، منَّ علينا الله لأننا تعرضنا للكثيرمن المظالم. أنا كنت في ميدان التحرير لمدة 11 يوماً، وكنت أقول للشباب هناك تقدموا ولا ترجعوا خطوة إلى الوراء. ولما سقط النظام كنا نضحك ونبكي والبعض أُغمى عليه.
مؤسسة دويتشه فيله في ألمانيا أعطت صفحة كلنا خالد سعيد جائزة "أفضل حملة على شبكات التواصل الاجتماعي"، فما رأيك في هذا؟
شيء يفرح طبعاً وأنا سعيدة بهذا، وحتى السويد هي الأخرى كان فيها من يرسل للمحامين المتولين قضية خالد بتشريح لصورته، ويقولون هذا وجه شخص تعرض للضرب.
أجرى الحوار: صلاح شرارة
مراجعة: عماد غانم