أحداث 11/9 أدخلت العالم العربي في فوضى الإرهاب والتخلف
٦ سبتمبر ٢٠٠٦كيف أصبح العالم العربي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001؟ سؤال تصعب الإجابة عليه كما على حقيقة الجماعات المتطرفة والإرهابية التي برزت بعد هذه الأحداث. من يدعمها بالفعل وما هو دور أجهزة المخابرات والحكومات في أنشطتها؟ هكذا يبدأ الباحث التاريخي والكاتب السوري سجيع قرقماز تعليقه على سؤالنا الذي اعتبره شائكا. وبعيدا عن التفاصيل يرى الكاتب إن المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم تأثرا بهذه الأحداث. فمنذ الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 لم يتوقف الغرب وخاصة الولايات المتحدة عن اتهام العرب بأنهم مصدر التطرف والإرهاب، حسب رأي قرقماز، الذي أضاف قائلا: "إذا كان بعض العرب كذلك بالفعل، فإنه لا يجوز تعميم ذلك على الجميع. الآن التطرف موجود في كل المجتمعات بغض النظر عن دياناتها وانتماءاتها". على صعيد آخر يعتقد قرقماز ان من أسماهم "بالمتطرفين العرب" هم في غالبيتهم من "إنتاج الولايات المتحدة وإسرائيل" بشكل مباشر أو غير مباشر وذلك بسبب سياسات الاحتلال والقوة التي تتبعها هاتين الدولتين. ويشير الكاتب السوري إلى أن من تبعات الاتهامات الغربية والعشوائية للعرب تعميق الفجوة القائمة بينهم وبين الغرب. وقد زاد من عمق هذه الفجوة الاحتلال الأمريكي- البريطاني للعراق وفشل عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل والحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، حسب تعبيره. أضف إلى ما سبق ازدواجية الغرب في التعامل مع قضايا جوهرية كالديمقراطية وحقوق الإنسان.
تراجع دور القوى العلمانية في العالم العربي
قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 كانت القوى العلمانية في العالم العربي تتخذ من الديمقراطيات الغربية مثلا يُحتذى به لبناء مجتمعات عربية ديمقراطية تحل مكان الأنظمة الشمولية والقمعية القائمة، غير أن انتهاك حقوق الإنسان في غوانتانامو وسجن أبو غريب، إضافة إلى الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل أفقدا الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا مصداقيتهم في العالم العربي. في هذا السياق يقول الكاتب عبد الكريم شاهين: "لا أحد عندنا يريد اليوم ترديد ذكر الغرب على مسامعه لأن الشارع العربي يرى بأن قيم وعظات الغرب حول الديموقراطية سقطت". و يتساءل الكاتب: "أية ديموقراطية هذه التي يريدون نقلها إلينا على ظهر الدبابات والقنابل والطائرات الفتاكة؟ هل تستحق ديمقراطيتهم هذا الكم المخيف من الضحايا؟ ويرى شاهين ان الغرب لا يريد دعم الديمقراطية، وإنما ضمان مصالحه النفطية وأسواقه في العالم العربي، وهذا ما يفسر صداقته القوية مع أكثر الأنظمة شمولية في العالم العربي.
أما القوى العلمانية المتطلعة إلى الديمقراطيات الغربية، فقد حدث لها إرباك ووقعت في حرج، مما اضعف من مواقفها وجعل صوتها ينخفض شيئا فشيئا. مقابل ذلك ارتفعت أصوات القوى الإسلامية المتطرفة التي رفعت راية مقاومة الاحتلال في العراق وفلسطين ولبنان: "ما تحقق حتى الآن هو انتصار لهذه القوى"، حسب رأيه. ويضيف أيضا أن هذه القوى استطاعت تعبئة الشارع الثائر منذ عشرات السنيين ضد الغرب "الذي يُنظر إليه كطرف منحاز يريد تقسيم العالم العربي المقسم أصلا واستغلال خيراته دون أية مراعاة لمصالحه تحت مسميات ديمقراطية فارغة من أية مضامين". وقد ساعدها على ذلك، في رأي شاهين، مواقف دول الاتحاد الأوروبي الداعمة لسياسات واشنطن التي تقوم على القوة والاحتلال. في هذا السياق يلاحظ الشاعر والكاتب جميل حسن إن المحور الأوروبي الذي تشكل بزعامة فرنسا- وألمانيا للوقوف ضد حرب العراق اختفى مع تغير مواقف الرئيس الفرنسي جاك شيراك ووصول انجيلا ميركل إلى منصب المستشار في ألمانيا.
على الجانب الآخر يقول الصحفي اللبناني غسان بو حمد بأن من الصعب القول بأن مصداقية الغرب سقطت إلى غير رجعة "لأننا ـ والكلام لـ بوحمد ـ نريد إحياء الأمل بالحوار والعودة إلى طريق الصواب." ويعتقد الصحفي اللبناني بأنه مهما حصل فإن العالم العربي يحتاج لأوروبا والعكس. لذا يبقى "الاحترام والتفاهم المتبادل الطريق الوحيد لتخطي أزمة فقدان الثقة بين الطرفين". من ناحيته يعتقد الصحفي العراقي ناجح العبيدي بأنه ونتيجة لرواج نظرية المؤامرة في العالم العربي وفي ظل الإصرار على عدم الاعتراف بالأخطاء الذاتية فإن كل محاولة من قبل الغرب "ستواجه بالتشكيك بغض النظر عن غرضها ومحتواها. المشكلة لا تكمن أساسا في مصداقية الغرب وإنما في رواج الأفكار التي تدعي أن العالم لا شغل له سوى التآمر على العرب والمسلمين".
تقييد الحريات بدعوى مقاومة الإرهاب
على صعيد آخر أدى ارتفاع نفوذ الجماعات الإسلامية لاسيما المتطرفة منها إلى ازدياد خطر الإرهاب في العالم العربي نفسه، كما يقول عاطف عفيف الصحفي والكاتب في جريدة تشرين السورية. إما تبعات ذلك فكانت مبادرة العديد من حكومات الدول العربية التي طالها الإرهاب إلى تشديد الإجراءات الأمنية وإصدار قوانين لمكافحتة. غير أن المشكلة تكمن، في رأي عفيف، في هذه القوانين التي فرضت المزيد من القيود على الحريات الفردية التي هي مقيدة بالأصل، مما أثر سلبيا على زخم الإصلاحات السياسية "الذي توقف على أساس أن الأولوية الآن ليست للديمقراطية وإنما لملاحقة الإرهابيين واستئصال جذورهم". وهكذا استطاعت الأنظمة الشمولية في العالم العربي تلميع صورتها وتعزيز مواقعها لاسيما وأن الشارع العربي أصبح يفضلها على النظام القائم في العراق حاليا، حسب تعبير الصحفي السوري. وفي هذا السياق يقول الكاتب السوري جميل حسن بأن الناس أصبحت تفضل "الدولة الأمنية على دولة الفوضى ومستنقع الدم" كما هو الحال في ظل الاحتلال الأمريكي- البريطاني للعراق، حسب تعبيره.
آفاق لا تبشر بخير للمنطقة
بعد مرور خمس سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول يبدو مستقبل العالم العربي مجهولا بالكامل. فعملية السلام في فلسطين لم تتحقق، والعراق ينزلق شيئا فشيئا في حرب طائفية رهيبة. ولا تبدو ملامح المستقبل في لبنان واضحة بعد الحرب الأخيرة. ويخشى الناس في العالم العربي من خطر تقسيمات جديدة للدول القائمة حاليا في إطار مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي طرحته وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس أثناء حرب لبنان. وتنبع هذه الخشية من محاولة قيام واشنطن وحلفائها بتمرير هذا المشروع بالقوة العسكرية، مما قد يعني الفوضى في دول أخرى غير العراق. كما قد يعني تقسيم المنطقة العربية إلى دول طائفية متناحرة، تمهد لحروب لا نهاية لها. ويؤكد الكاتب جميل حسن "إن المشروع الأمريكي سيدفع شعوب المنطقة العربية الغاضبة على ردود أفعال حكامها تجاه الحرب الإسرائيلية على لبنان، سيدفعها إلى تأسيس مقاومة رافضة لحكامها. وفي هذه الحالة فإن حرائق إقليمية قد تشتعل دون أن يستطيع أحد إخمادها. وقد تصل شرارات هذه الحرائق إلى أوروبا المجاورة للعالم العربي." ولعل أحد أبرز أوجه الخطورة هنا سيكون في وصول القوى المتطرفة إلى الحكم، كما يقول الصحفي عاطف عفيف، مما يعني القضاء على أي أمل بالإصلاح والديمقراطية وضمان حقوق المرأة في المستقبل المنظور. هذا التشاؤم حيال مستقبل المنطقة يبدو أيضا واضحا لدى الصحفي بوحمد الذي يعتقد بأن العالم العربي يتجه إلى مزيد من الفوضى والتدهور "لان العالم الآخر المتفوق يحاول إعادة تشكيل المجتمعات بواسطة القوة والحروب" وهذا ما زاد من حالة القلق واليأس. أما العبيدي فينظر إلى المستقبل بعين متفائلة وأخرى متشائمة، فحسب رأيه "فان جميع الخيارات تبقى قائمة، الجيدة منها والسيئة".