ألمانيا تعمل مع دول الربيع العربي من أجل ترسيخ قيم التنوع الثقافي
٨ سبتمبر ٢٠١٢رغم أن مسألة التنمية الثقافية في أبعادها المستدامة لم تشكل محور أي حوار أو نقاش عام، تراهن بعض المبادرات الدولية المهتمة بالتنوع الثقافي على تدعيم دور المجتمع المدني بالدول التي تعيش تحولات سياسية. فهل تسمح هذه الجهود بالتأسيس لثقافة محلية مزدهرة؟ وكيف يمكن مقاربة مسائل السياسات الثقافية العامة والتمويل والحكم الرشيد وضمان حرية الابداع ودور الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني في تعزيز التنوع الثقافي زمن التحولات السياسية؟
أسئلة طرحت خلال ندوة نظمت أيام 6 و7 و8 سبتمبر أيلول بمدينة الحمامات التونسية، وخلالها طرح موضوع التنوع الثقافي ودور المجتمع المدني الثقافي زمن التحولات. الندوة نظمتها اللجنة الألمانية لليونسكو وبدعم من مؤسسات ألمانية وهيئات أوروبية ودولية ومنظمات أهلية مهتمة بالشأن الثقافي، وكانت فرصة للفاعلين في الحقل الثقافي من عدد من الدول وخصوصا تونس ومصر لتدارس مختلف جوانب المسألة الثقافية وعلاقتها بالسياسة والتنمية والاقتصاد والهوية والخصوصية...
وقد جمع المنظمون خبراء في التنوع الثقافي بممثلين لمكونات المجتمع المدني الثقافي في دول الربيع العربي من فنانين وكتاب وسينمائيين وناشطين في المجال الثقافي والفني، لمناقشة مواضيع التنمية الثقافية والسياسات العمومية ونشر الثقافة والتمويل والموارد المحلية...
وتقول كريستين ميركل، مديرة قسم الثقافة باللجنة الألمانية لليونسكو أن "الهدف الأساسي من تنظيم هذه التظاهرة هو مرافقة مكونات المجتمع المدني الناشط في الحقل الثقافي بالدول التي تشهد تحولات سياسية في مسار التنظيم الذاتي ووضع السياسات الكفيلة بضمان "دمقرطة " الثقافة وربط الصلات محليا واقليميا ودوليا". توضح ميركل أن هذه التظاهرة تهدف إلى أقامة شبكة للمجتمع المدني الثقافي المحلي وتبادل الخبرات والتجارب الناجحة بالاستناد إلى شركاء اللجنة الألمانية لليونسكو من الهيئات الدولية والمنظمات الإقليمية والجمعيات الأهلية وشبكات الخبراء.
السياسة الثقافية في زمن ما بعد الثورة
وتؤكد الخبيرة الألمانية، كريستين ميركل، أن الهدف من برنامج "التشبيك" هو الوصول بمجموعة المشاركين إلى التعرف إلى واقعهم الثقافي من زوايا مختلفة وانطلاقا من تجارب الآخرين وتحديد الخيارات العملية الممكنة لوضع سياسة ثقافية أو المساهمة فيها أو اقتراحها بالاشتراك مع بقية الفاعلين في المجال وإرساء أسس التنمية المستدامة.
ويقول الخبير في الشأن الثقافي ستيفان فنكلر، من فرع معهد غوتة الألماني بمصر أن دور الجمعيات الأهلية مهم جدا في زمن التحولات السياسية بعد أن كانت الدولة هي المهيمنة على الشأن الثقافي بشكل كبير. ويضيف أن الجمعيات الأهلية تملك فرصة جيدة للمساهمة في الفعل الثقافي في مختلف المستويات وخصوصا على المستوى المحلي عبر مشاريع ثقافية جديدة مفتوحة تعرض الفن على العموم على غرار فن الشوارع أو غيره.
ويرى المهتمون بالشأن الثقافي بأن حرية الإبداع والتعبير والنفاذ إلى الثقافة من أسس حقوق الإنسان يجب التنصيص عليها في الدستور القادم لتونس ووضعها حيز التنفيذ ضمن السياسات الثقافية العمومية. ويعتبر عدد من المثقفين أن وضع سياسة ثقافية واضحة تسعى إلى توفير الثقافة إلى مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية يعد اليوم "مطلبا ملحا يجب صياغته ضمن تفاعل تام مع مكونات المجتمع المدني الثقافي والقطاع الخاص والدولة بمؤسساتها المختلفة".
الحقوق الثقافية في صلب الدستور
ويقول شكري لطيف، كاتب تونسي ومدير دار الثقافة ابن رشيق بتونس أن الأولوية الحالية في تونس هي التنصيص على الحقوق الثقافية وضمان حرية الإبداع دون قيود، في الدستور، إضافة إلى ضمان حرية تمكين مختلف الفئات الاجتماعية وخصوصا الشباب والنساء وسكان الأحياء الشعبية والمناطق الداخلية المهشمة من فرص العمل والإنتاج الثقافي وإعطائهم إمكانية ترويج إنتاجهم وإبداعاتهم. ويضيف أن "النفاذ إلى الثقافة وحرية الإبداع جزء لا يتجزأ من حرية الإنسان".
ويؤكد شكري لطيف أن بناء مجتمع ديمقراطي كما يطمح لذلك التونسيون يعني بالأساس تمتعهم بالثقافة والمساهمة فيها. وبخصوص دور المجتمع المدني الثقافي، يقول لطيف أن حق التنظم والتعبير أصبح ممكنا بعد الثورة ولكن هذا الانجاز لا يكفي لوحده، فعلى الدولة توفير أدوات العمل الثقافي من فضاءات ثقافية إلى جانب توفير التمويل العمومي للمشروعات والبرامج الثقافية المختلفة.
ومن جانبه يرى محمد عاطف الهرماسي عضو بجمعية "الربط لبروز شباب اجتماعي منظم" "ريزو" والتي تعنى بتعزيز وعي الشباب بالشأن العام أن مستقبل الثقافة في تونس رهين إرساء استقلالية هذا المجال عن المزايدات الحزبية والتوجهات السياسية، وأن يطور آلياته الذاتية الكفيلة بتأمين النفاذ لمختلف الشرائح وخصوصا شرائح الشباب إضافة إلى ضمان ديمومة المشروعات الثقافية. ويؤكد الهرماسي على مسؤولية المهتمين بالشأن الثقافي في وضع رؤية وتصور للثقافة ما بعد الثورة وأن لا تصبح الثقافة مسرحا للصراعات السياسية.
حرية الابداع ضمان للتنوع الثقافي
ولكن هل يمكن وضع تصور أو مقاربة ثقافية بعيدة عن التجاذب السياسي وقوى الضغط الاقتصادية والدينية؟ الجواب حتما، مستحيل، وإن كانت هناك مقاربات مختلفة وطرق متشابهة تهدف إلى "رعاية الثقافة" أو "التحكم" فيها وفي مضامينها. ويرى عديد الخبراء بأنه بقدر ما تنفتح الدولة نحو القطاع الخاص بقدر ما تنفتح آفاق الإبداع والخلق أمام المبدعين والمثقفين. وبقدر ما تسيطر الدولة على فضاءات الثقافة والإبداع بقدر ما تتقلص هوامش الحرية والإبداع.
وبين التوجهات الراعية للثقافة أوالمهيمنة عليها، يبقى الفنان أو المبدع رهينة لتوفير التمويلات اللازمة لإنتاج ثقافة مستقلة عن السلطة وعن رأس المال. وتوفر الموارد اللازمة للإنتاج والإبداع غير كافية لضمان التنوع الثقافي في ظل غياب حرية التعبير أو تهديدها. ولعل أبرز مثال على ذلك ما يحدث في تونس، إذ بلغ الأمر حد التعنيف والمضايقات والمساءلة القانونية لبعض الفانين على خلفية إبداعاتهم على غرار الشاعر الصغير أولاد أحمد أو السينمائي نوري بوزيد والمفكر يوسف الصديق أو التشكيليين نادية الجلاصي ومحمد بن سلامة...
وفي توصيفه للواقع الذي تعيشه تونس كبلد يشهد تحولات سياسية عميقة، يقول محمد عاطف الهرماسي أن هناك تجاوزات في حق المبدعين والإبداع أكثر مما كان عليه الحال زمن بن علي. ويضيف أنه على القوى الثقافية الحرص على ضمان حرية الإبداع والتعبير والقطع مع ثقافة المراقبة والتابوات وتكميم أفواه المبدعين وترهيبهم مهما كانت الدوافع والمرجعيات.