اغتيال الصحافيين العراقيين: حرب قذرة تحركها أيادي خفية
٢٢ نوفمبر ٢٠١٠كثيرون معرضون للقتل في العراق، بسبب انتمائهم الديني أو الطائفي، ولعل البعض مهدد بالموت ايضاً عند المرور في شارع أو سوق ما، في لحظة غير مناسبة عند انفجار قنبلة أو مرور انتحاري أراد تفجير نفسه عند ناصية الشارع في تلك اللحظة بالضبط. إلا أن بعض المهن في العراق تبدو أكثر خطورة من غيرها. فإذا ما كان باستطاعة الكثيرين إخفاء هوياتهم سواء كانوا قتلة أم قاتلين، فالصحفي في العراق لا يمكنه أن يخفيها، فهي بطاقة دخوله إلى الناس. ما يجعله عرضة للموت في أي لحظة، بسبب مقال أو تصريح أو رأي عبر عنه، لم يتفق مع مزاج القاتل، الذي ينتمي لجهة معينة من الجهات الكثيرة التي تلعب على الساحة العراقية.
" الصحافي العراقي ضحية للسياسة"
في الأمس قتل الصحفي مازن مردان البغدادي، الذي كان يعمل مراسلا ومذيعا للأخبار في قناة الموصلية الفضائية، عندما اقتحم مسلحون مجهولون منزله في حي الصديق شمالي مدينة الموصل. والصحافي الشاب الذي يبلغ من العمر 18 عاما، ليس الصحفي الأول وكما يبدو ليس الأخير في سلسلة اغتيال الصحفيين في العراق. فما الذي يجعل من مهنة الصحافة مهنة خطرة جداً ولماذا الصحفيين، ومن المسؤول عن عمليات الاغتيالات هذه؟ تقول سوازيك دوليه مسؤولة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة "مراسلون بلا حدود" إن منظمتها ليست عندها فكرة واضحة عمن يقف وراء هذه العمليات، إلا أنها تميز بين فترتين من عمليات الاغتيالات، قائلة: "يجب أن نميز بين الفترة بعد 2003 والفترة بعد 2010 ، عندما أمسكت السلطات العراقية بزمام الأمور في البلد". وجهة نظر السيدة دوليه تمثل رأي منظمة تدافع عن حقوق الصحفيين وحرية الصحافة في العالم. وهي تحاول أن لا تحمل جهات معينة مسؤولية استهداف الصحفيين في العراق. رأيها هذا لا يشاطره مدير مرصد الحريات الصحافية في العراق، زياد العجيلي، الذي يذهب ابعد من ذلك حين صرح لدويتشه فيله:
"بالتأكيد أصبح الصحافي ضحية اللعبة السياسية في العراق. فلا قوات أميركية ولا عراقية ولا ميليشيات ولا أحزاب سياسية لم ترتكب جرائم ضد الصحافيين. لو اطلعنا على إحصائيات المرصد لوجدنا أن هذه الجهات ارتكبت جرائم فضيعة بحق الصحافيين العراقيين. فالقوات الأميركية قتلت أكثر من 22 صحافيا والعراقية صحفيين اثنين والقاعدة أكثر من 169 صحافياً. ورغم الضغوط التي نمارسها على هذه الجهات فان الملفات لا تفتح، لأنها ببساطة ملطخة بدماء الصحافيين العراقيين".
"الدولة عاجزة عن حماية الصحافيين"
ورغم أن "مرصد الحريات الصحافية في العراق" يبحث عن مصير 14 صحفياً اختطفوا منذ دخول القوات الأميركية العراق وحتى اليوم، لم يتمكن من الوصول إلى مصير المختطفين، مثلما يقول زياد العجيلي، الذي يحمل مسؤولية الاغتيالات واستهداف الصحافيين إلى عجز السلطات العراقية عن تحمل مسؤوليتها، ويضيف بهذا الصدد "ازدياد واستمرار استهداف الصحفيين العراقيين نتيجة إخفاق السلطات العراقية بالتحقيق بملفات اغتيالات الصحافيين يجعل الجهات التي تقوم باستهدافهم في العراق أكثر صلافة وجرأة".
وتتفق معه السيدة دوليه على أنه يجب أن تتحمل الدولة العراقية مسؤوليتها في حماية الصحافيين في العراق قائلة "منظمتنا ترغب بقوة بمعرفة الجهات التي تقف وراء اغتيال الصحافيين في العراق. وان تستمر التحقيقات من قبل الجهات المسوؤلة لتقديم الجناة إلى العدالة تحت ظل القانون العراقي".
وترى السيدة دولي أن الصحافيين لا يستطيعون حماية أنفسهم، فهم مجردون من كل سلاح "إنهم أهداف سهلة، لأنه يمكن تمييزهم بسهولة، وكما نعرف، في مجتمع عربي مثل مجتمع العراق، الكل يعرف الكل، وأين يعمل المرء وماذا يعمل" ما يسهل عملية استهدافهم.
تناقض بين المكتسبات والمخاطر
أهم الأسباب التي تدعو إلى اغتيال الصحافي وتعرضه للعنف الجسدي من قبل جهة ما على الساحة العراقية متعددة. فقد يكون الانتماء الديني أو الطائفي أو السياسي دافعاً للعنف الموجه ضد الصحافي، كما تقول السيدة دوليه. أما السيد العجيلي فيلخص أسباب العنف الموجه ضد الصحافيين بالقول "أهم أسباب الاغتيالات هي كشف الفساد المالي والإداري، كشف الجرائم التي تحدث ضد المجتمع العراقي من قبل جماعات التي تمارس العنف، وكذلك من قبل المليشيات وتنظيم القاعدة".
إذن يبدو مشهد الصحافي العراقي، الذي لا ينتمي إلا لقلمه على مسرح الأحداث في العراق مشهداً مميزاً فهو يقف بين الجميع من دون سلاح إلا قلمه، في بلد لم تشهد الصحافة فيه هذا القدر من التعدد في وسائل الأعلام والتوجهات. امتلك عندها الصحافي العراقي قدرة على حرية التعبير لم يكن يملكها طيلة حكم النظام السابق. إلا أن امتلاك القدرة على التعبير الصحافي في العراق لا تعني، كما يبدو القدرة على البقاء، كما يعبر عن هذا التناقض زياد العجيلي بالقول "هذا الأمر يمثل تناقضاً، إلا أن حرية الصحافة ليست متوفرة في أطراف العراق، حرية الصحافة التي انتزعها الصحفيون موجودة في بغداد فقط. لا توجد حرية صحافة في جنوب البلاد ولا حتى بمنطقة كردستان، فهناك تضييق كبير على الصحافيين. الصحافيون في بغداد انتزعوا حريتهم الصحافية انتزاعاً من قبل الساسة والأحزاب المتمثلة، وبالتالي هذه الأحزاب ترغب بانتزاع الحرية التي امتلكها الصحفيون من جديد، ولكن لم تنجح محاولة الجهات بالسيطرة على حرية الإعلام".
تؤكد على ذلك أيضا السيدة دوليه، من مراسلون بلا حدود، والتي تثمن هذه النوعية الجديدة في الإعلام العراقي، الذي يميزه عن نظرائه في الدول المجاورة وتضيف "بعد سقوط نظام صدام حسين حدثت قفزة قوية في مجال الإعلام في العراق. فهناك تعدد للقنوات الفضائية ووسائل الإعلام وهناك حرية صحافية. إلا أن هناك نوع من التناقض بين هذه الحرية واستهداف الصحافيين بالقتل من قبل جهات مجهولة". ورغم كل ذلك تقول مسؤولة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة مراسلون بلا حدود "إن ممارسة العمل الصحفي في العراق مهنة خطرة جداً".
عباس الخشالي
مراجعة: حسن زنيند