الأردن- هل من مخرج لأزمته المالية الخانقة؟
١٩ مارس ٢٠١٧يتزايد القلق من كل حدب وصوب على الأردن واقتصاده الذي يعاني من عجز مالي مزمن وسط تزايد حجم الأعباء الملقاة عليه في وقت تتراجع فيه الموارد التي يعتمد عليها. وقد وصل الأمر إلى حد أن الدين العام في البلاد يغطي أكثر من 95 بالمائة الناتج المحلي الإجمالي. ويتوقع أن يزيد عجز موازنة العام الجاري البالغة 12.6 مليار دولار على 1.1 مليار دولار هذا في حال التزمت الأطراف العربية بتقديم مساعداتها مع العلم أن بعض الدول مثل قطر لم تقم بذلك منذ سنوات على حد قول فيصل ملكاوي، نائب رئيس تحرير صحيفة الرأي الأردنية في مقابلة مع DW عربية. وفيما عدا ذلك فإن مستوى العجز سيزداد تفاقما. ويزيد الطين بلة وجود مئات آلاف اللاجئين السوريين والعراقيين في وقت أدت فيه تبعات الأزمة السورية والإرهاب إلى تضرر السياحة بنسبة تزيد على 25 بالمائة حسب التقديرات الأولية.
تقشف وفقر وماذا بعد؟
هذا الوضع الأكثر من صعب دفع شخصيات نافذة مثل قاضي القضاة السابق أحمد الهليّل إلى دق ناقوس الخطر والتحذير من الإفلاس داعيا الدول الخليجية إلى تقديم الدعم المالي للأردن مخاطبا إياها بالقول: "إخوانكم في الأردن سند وظهير وعون ونصير لكم..، فحذار ثم حذار أن يضعف الأردن والأمور أخطر من أن توصف.. لقد ضاقت بإخوانكم الأردنيين الأمور، فأين عونكم؟ أين هي أموالكم؟ وجاءت تصريحات الهليل على ضوء مخاوف من أن تفرغ خزينة الدولة بسبب تراجع الاستثمارات والمساعدات والسياحة وإغلاق الأسواق العراقية والسورية في بلد ينتشر فيه الفساد وترتفع فيه معدلات البطالة والتضخم. وهو الأمر الذي دفع الحكومة إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات التقشفية الهادفة إلى ما أسمته "ترشيد الاستهلاك وضبط الوضع المالي". وشملت هذه الإجراءات تقليص نفقات الإدارات الحكومية ورفع الضرائب وأسعار المحروقات بشكل سيؤدي إلى اتساع نطاق الفقر في البلاد حسب جميع المراقبين تقريبا. في ظل هذه الأجواء خرجت أواخر الشهر الفائت فبراير/ شباط 2017 مظاهرات طالبت بإسقاط الحكومة ورفضت ما اسماه متظاهرون "سياسات الإفقار والجباية". وتأتي خطوات الحكومة التقشفية في إطار التزاماتها ببرنامج إصلاحات هيكلية ومالية يشترطها صندوق النقد الدولي لتقديم المزيد من التسهيلات المالية للأردن.
الخليج وضعف الوفاء بالتزاماته المالية!
يعتمد الاقتصاد الأردني على المساعدات الخارجية العربية والغربية بسبب فقره الشديد بالموارد ومعاناته كغيره من اقتصاديات البلدان العربية الأخرى من استشراء الفساد وغياب الشفافية في الإدارات الاقتصادية الحكومية. وتأتي هذه المساعدات كنوع من التعويض عن دور سياسي وأمني يلعبه الأردن بذكاء شديد في منطقة قدرها أن تعج دائما بالنزاعات العسكرية والسياسية. غير أن تأخر هذه المساعدات تارة وامتناع الدول التي تقدمها تارة أخرى يفاقم الأزمة الاقتصادية الخطيرة ليس فقط على صعيد حجم الدين العام الذي قارب حجم الناتج المحلي، فنسبة البطالة أيضا مخيفة وخاصة في صفوف الشباب الذين يعاني ما يزيد عن ثلثهم من غياب فرصة عمل توفر لهم دخلا ثابتا يضمن عيشا كريما. أما معدلات الأسعار فوصلت إلى مستويات أوروبية مع أن معدل دخل الفرد السنوي دون 6 آلاف دولار، أي ما يعادل أقل من ربع معدل دخل المواطن في اوروبا الغربية. ولا يشجع الوضع الأمني على تنشيط السياحة وعودة الاستثمارات قريبا. وحتى الاستثمارات السخية التي وعدت بها القيادة السعودية ما تزال غائبة على حد قول أحمد المصري مدير تحرير الموقع الإلكتروني لصحيفة القدس العربي. إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الضغوط المتزايدة على الموازنات الخليجية فليس من المرجح تدفق مثل هذه الاستثمارات في المدى المنظور.
أهمية العراق وسوريا للأردن؟
إذا كان الاقتصاد الأردني يعاني من كل هذه المشاكل، ما العمل إذا؟ في الحقيقة لا يوجد حل شاف لأزمات اقتصاد يعتمد على المعونات الخارجية. غير أن هناك إجراءات يمكنها التخفيف من حدة هذه المشاكل وفي مقدمتها تقليص الهدر ومحاربة الفساد وفرض الشفافية في دوائر الدولة. وفي السياق الإقليمي أظهرت خبرات العقدين الماضيين الأهمية الحيوية للسوقين العراقي والسوري للأردن حتى في ظل الأزمات السياسية. فالعراق كان يزود الأردن بالنفط الرخيص بينما كانت السوق العراقية تستوعب الفوائض الأردنية من الأغذية والصناعات الخفيفة والمنزلية. أما السوق السورية فكانت تمد السوق الأردنية بالألبسة والأغذية بأسعار مغرية. وقد ساعد هذا الأمر على تخفيف الضغوط على الموازنة الأردنية، لاسيما فيما بتعلق بفاتورة المشتقات النفطية وتقليص عجز الميزان التجاري. ومن هنا تأتي أهمية إعادة فتح طرق التبادل التجاري والعلاقات بين البلدان الثلاثة بعد انقطاع مستمر منذ سنوات، لاسيما وأن التطورات السياسية تشير إلى إمكانية ذلك. على صعيد متصل يعد الأردن من البلدان التي تتمتع بكفاءات بشرية متنوعة في مجالات عدة ومن ابرزها تقنية المعلومات والبرمجيات. وفي حال قامت الحكومة بتعزيز دعم مؤسسات صغيرة ومتوسطة واحتضانها حتى تقف على أرجلها فإن بإمكان الأردن التحول إلى مركز لتطوير هذه البرمجيات لسوقه وأسواق عربية وأجنبية أخرى.