التأهيل العلمي كعامل حاسم
٢٧ ديسمبر ٢٠١٠قد يسود الانطباع بأن كماً كبيراً من المعلومات حول التغير المناخي متاح بشكل جيد، فالجميع يتحدث عن هذه الظاهرة كما أن الكثير من التقارير تتناول هذا الموضوع. إلا أن هذا الانطباع الذي فرض نفسه بقوة خلال انعقاد قمة المناخ في المكسيك هو انطباع خاطئ، وطبقا لاستطلاع أجرته المفوضية الأوروبية، فإن ربع الأوروبيين يقفون موقفا متشككا من قضايا المناخ. ويدعي ضعف هذا العدد، أي نصف الأوروبيين، بأنهم على إطلاع جيد فيما يتعلق بظاهرة الاحتباس الحراري. لكن لدى طرح القضايا الموضوعية، سرعان ما يتضح أن تلك المعرفة سطحية جدا وغير مكتملة، كما يقول البروفيسور أودو كوكآرتز، مدرس علوم التربية في جامعة ماربورغ، وهو يضيف: " فيما يتعلق بعلوم المناخ والبيئة نحن بحاجة إلى نماذج جديدة للتعليم، وبحاجة إلى نهج يحول المعرفة البيئية إلى خطوات عملية على أرض الواقع".
من المعرفة إلى التطبيق العملي
ويطرح البرفيسور كوكاتز، وهو أحد أشهر الباحثين الألمان في مجال الوعي البيئي، سؤالا محوريا: كيف يمكن تدريس تغير المناخ بحيث يجعل سلوك الإنسان أكثر رفقة بالمناخ؟ وهذه قضية تشغل في الوقت الحالي العديد من المربين وعلماء النفس في مختلف أنحاء العالم، إذ إن تغير المناخ بات يشغل حيزا مهما من موضوعات البحوث العلمية الرئيسية. وتبدأ الأبحاث بخطوة أولى، وهي معرفة نماذج التدريس المتبعة في علوم المناخ، ومعرفة النماذج المعدة والتي لم يتم تطبيقها في التعليم المدرسي والجامعي وفي الدورات التعليمية الإضافية.
أما غيرهارد دي هان، أستاذ علوم التربية في جامعة برلين الحرة، فهو يبدأ من حيث ينتهي الآخرون: من مجال تعليم الكبار والتدريب المهني. وبحسب دي هان فإن أكثر العروض المتوفرة تتعلق بهذا الجزء، وهو يؤكد على تأثير برامج المنح الدراسية في هذا المجال، "كما هو الحال بالنسبة للمنح التي تقدمها مؤسسة همبولت للباحثين من البلدان النامية والبلدان الصاعدة لقضاء عام في الجامعات الألمانية، وللعمل في مشاريع الطاقة والمناخ". ويضيف دي هان:"هذه المناهج فعالة بشكل خاص لأنها تركز على النخب الفاعلة في تلك البلدان وعلى الجانب الاقتصادي أيضا. وينبغي للشركات والمؤسسات والحكومات توسيع عروض المنح بشكل كبير." أما أدو كوكآرتز فيرى أن هناك عروضا من هذا القبيل تم تقديمها مرارا وتكرارا غالبا من قبل الشركات الكبيرة، أو من قبل الدولة كما هو الحال في الدنمارك، التي قدمت منحا دراسية بمناسبة انعقاد مؤتمر المناخ في كوبنهاغن. وتضمنت تلك المنح الحكومية منحا دراسية للطلاب الأجانب في مختلف التخصصات ومنها تكنولوجيا طاقة الرياح والهندسة البيئية أو الكيمياء البيئية.
تخصصات جامعية جديدة
وهذا المثال يؤكد ملاحظة سجلها كوكآرتز في مجال التدريب العلمي: ففي السنوات العشر الماضية أنشأت العديد من التخصصات العلمية في مجال المناخ والطاقة. "ومع ذلك فإن تلك التخصصات تكون عادة جزءا من تخصص العلوم الطبيعية أو من برامج الإدارة البيئية، أما العروض ذات المضمون الاجتماعي فإنها قليلة جدا" ويخلص كوكآتز إلى أن تخصصات مثل تخصص البيئة والتربية في جامعة روستوك وتخصص البحوث المستقبلية في جامعة برلين الحرة تعتبر استثناءات.
وهذا العجز موجود أيضا في المدارس الألمانية كما يوضح غيرهارد دي هان: "تلعب المناهج التعليمية حول المناخ وخاصة ضمن مادة الجغرافيا دورا مهما، إلا أن التعامل معها يتم بشكل هامشي، كما أن تغير المناخ لا يعد من المقررات الدراسية الإلزامية في فروع أخرى مثل علم الأحياء أو السياسة أو الدراسات الاجتماعية." ويعود هذا جزئيا إلى النظام الفيدرالي المتبع في ألمانيا، والذي تحدد فيه الولايات الألمانية الـ 16 مضمون مناهج التعليم المدرسية. وهناك سبب آخر وهو مضمون المناهج المخصصة لتأهيل المعلمين في الجامعات. وبحسب تقارير الخبراء فإن الصدفة وحدها هي التي تحدد ما إذا كان المعلم سيهتم بقضايا المناخ أم لا.
التدريب الصحفي على النموذج الأمريكي
إن العجز والتقصير يظهر أيضا في مجال آخر كالإعلام، فوسائل الإعلام هي التي تتولى مسؤولية أساسية في تنقل المعلومات بشأن المناخ. لكن دورات مثل "التقارير الإعلامية حول المناخ" لا وجود لها تقريبا في المناهج الدراسية في الجامعات وكليات الصحافة في أوروبا، وذلك بعكس الوضع في الولايات المتحدة. فهناك توجد العديد من التخصصات الجامعية لنيل الدرجات العلمية في الصحافة البيئية، وهناك أيضا برامج متعددة تعالج هذا الموضوع، كما يوجد نقاش تخصصي مكثف، وكذلك جمعية للصحفيين تنشط على المستوى الدولي وهي جمعية الصحفيين البيئيين (SEJ) التي تهدف إلى تحسين نوعية التقارير الصحفية المختصة بشؤون المناخ.
لكن يبدو أن الصحافة الأوروبية تشهد بدورها بعض الحراك في هذا الخصوص، إذ إن قضايا المناخ والمشاريع المستدامة تظهر على الواجهة، كما أن الفعاليات الكبرى في عام 2010 أعطت هذه القضايا معنى جديدا، على وجه الخصوص منتدى الإعلام العالمي الذي تنظمه مؤسسة دويتشه فيله، والذي يعتبر حتى الآن أكبر فعالية على المستوى الأوروبي لتدريب الصحفيين في مجال التغير المناخي.