التسوّل في سوريا: تزايد ملحوظ لظاهرة تهين كرامة الإنسان وسط غياب للرعاية الاجتماعية
٧ سبتمبر ٢٠٠٩هنا على مدخل الحديقة العامة/ المنشية بمدينة حلب السورية يفاجئ خالد ابن الثانية عشرة زائري الحديقة بمد يديه طالبا المساعدة بعبارة "من مال الله"، "أنا فقير مضطر للتسول لأن لدي خمسة أخوة وأم بدون عمل ودخل". ظاهرة التسول تتضح أكثر في حال قدم المرء له المساعدة، عندها يتراكض أقرانه للحصول عليها أسوة به مرددين عبارات مثل "من مال الله"، أحسن عليّ ألله يحسن عليك"، "ساعدني كي اشتري الطعام"، بعضهم أمثال مصطفى ابن الرابعة عشرة يعرض خدمة مسح الأحذية بشكل مواز لقيامه بالتسول.
غياب العائل يدفع البعض للتسول
وعلى بعد نحو مائتي كيلو متر في مدينة اللاذقية السورية أيضا يقف محمد (14 عاما) وبعض أقرانه على إشارة مرور في شارع رئيسي طالبا التسول من سائقي التاكسي. يقول محمد، الذي يرتدي حذاء أكل عليه الدهر: "أطلب مساعدة سائقي السيارات الفاخرة لأنني يتيم بدون أبوين"، وعلى بعد أمتار منه تجلس على الرصيف متسولة أخرى تسمي نفسها أم عبدالله وفي حضنها طفلة تحتاج إلى عملية جراحية وليس لديها المال من أجلها على حد قولها.
وتقول أم عبدالله، التي ترفض الإفصاح عن اسمها الحقيقي، إن زوجها توفي دون أن يترك لها مصدر رزق تعيش منه، بينما هي عاطلة عن العمل. وعلى غرارها تجلس بالقرب منها سيدة أخرى وفي حضنها طفلة شبه عارية بحاجة إلى طعام ودواء، لأن السبل تقطعت بها، كما تقول السيدة التي تسمي نفسها أم عبدو.
الشارع أرحم من الجمعيات الخيرية
غير أن التسول لا يقتصر على الحالات المذكورة، فهو يشمل أيضا المعاقين أو ذوي الاحتياجات الخاصة، فمحمود شاب أصيب بالشلل في صغره، وهو مضطر إلى التسول لعدم قدرته على العمل، ناهيك عن أنه لم يحصل على شهادة مدرسية. "أفضل التسول رغم أنني لجأت إلى جمعية خيرية لمساعدتي"، يقول محمود ويضيف: "كانوا يعاملونني بشكل فظ ولا يقدمون لي مساعدة كافية تقيني الجوع والفاقة، ولهذا لجأت إلى الشارع مجددا".
أما عائشة (16 عاما) فلا تستطيع المشي بسبب أصابتها بمرض الكساح. أحد أقربائي يحضرني إلى الرصيف ويتركني أتسول، قبل أن يعود مجددا لأخذي إلى البيت"، تقول عائشة التي لم تجد جهة تهتم بها لا على صعيد الجمعيات الخيرية أو الجهات الرسمية مثلها مثل أحمد ح. (14 عاما) المضطر إلى التسول أيضا.
ازدياد أعداد المتسولين خلال شهر رمضان
ومن الملاحظ في الفترة الأخيرة أن ظاهرة التسول تزداد اتساعا بمظاهر مختلفة، لاسيما وأن الكثيرين يتسولون بشكل مباشر أو تحت غطاء تقديم خدمات بسيطة مثل مسح الأحذية وتنظيف زجاج السيارات أثناء توقفها على الإشارة. غير أن هذه الحالات تكثر بشكل خاص في الأعياد والمناسبات الدينية كما هو الحال خلال شهر رمضان من كل عام بسبب استعداد الناس لتقديم الزكاة والحسنات للمحتاجين بشكل أكثر على حد تعبير طنوس حنينو، الذي يملك متجرا للذهب في اللاذقية: "عادة يتردد على متجري خمسة حالات في اليوم، أما خلال شهر رمضان فيضاعف العدد أو يزيد على ذلك". وإذا كان الكثيرون من أمثاله يقدمون المساعدة، فإنهم في المقابل يتضايقون من هذه الظاهرة التي تحظر القوانين السورية ممارستها.
ويزيد من تضايقهم لجوء البعض إليها من أجل كسب المال بسهولة بدلا من ممارسة أية مهنة على حد قول سوريا النمر وهي تعمل مدرسة لغة انجليزية. أما طبيب الأطفال فارس الحكيم فيرى بأنها تتم في حالات كثيرة على أساس استغلال الطفولة ويشير إلى أن "هناك نسوة يجلسن مع أطفالهن على الأرصفة في وضعية تثير الشفقة مع أنه يوجد جمعيات خيرية يمكنها الاهتمام بأمرهن". ويضيف: "هناك حالات يقوم بها الرجل بإجبار زوجته وأولاده أو قريبا له على التسول لأسباب مختلفة في مقدمتها جمع المال بسهولة".
"الحلول ليست في المطاردة والتوقيف"
وفي محاولات لضبط هذه الظاهرة يقوم رجال الشرطة بين الفينة والأخرى بالتنسيق مع مديرية الشؤون الاجتماعية في اللاذقية بحملة في الشوارع لمطاردة المتسولين وتوقيفهم عدد منهم لتسليمهم إلى موظفي المديرية المختصين برعاية شؤونهم. غير أن الشرطي تمام علي يعترف بأنه من الصعب على الشرطة ضبط الوضع بسبب كثرة أعدادهم وتغييرهم لأمكنتهم بشكل مستمر.
أما مديرة الشؤون الاجتماعية، إلهام زريق، فتقول بأن موظفي المديرية يدرسون كل حالة على حدة، وفي حال تبين لهم أن الشخص المعني بحاجة إلى المساعدة تتم إحالته إلى جمعية البر والتقوى الخيرية، التي تدعمها المديرية من أجل تقديم الطعام واللباس والإيواء للمحتاجين فعليا. وفي حال اكتشاف أمر أشخاص يقومون بالتسول دون الحاجة لذلك فإنه تتم إحالتهم إلى القضاء حسب القوانين النافذة.
غير أن الحلول الناجحة لا تكمن في المطاردة والعقوبات فقط، بل في محاربة أسباب التسول وفي مقدمتها الفقر الشديد وتشرد العائلة كما يقول أستاذ علم الاجتماع في الجامعات السورية حليم أسمر. وفي هذا الإطار يرى الدكتور حليم اسمر بأنه "لا بد من تعزيز دور المؤسسات الاجتماعية الرسمية والخاصة كي يكون بمقدرتها مساعدة المحتاجين فعليا وخاصة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة". كما لا ينبغي لهذه المساعدة أن تقتصر على تقديم الطعام الملبس والمأوى، فعليها أن تشمل تعليم وتأهيل المتسولين ومساعدتهم على إيجاد فرص العمل، التي تضمن مستقبلهم.
الكاتب: عفراء محمد ـ اللاذقية
مراجعة: لؤي المدهون