الجزائر: احتجاجات الطلاب بدأت تخرج من الحرم الجامعي
٨ مارس ٢٠١١توسع الإضرابات والاعتصامات التي تشهدها جامعات الجزائر، يرجعها بعض المراقبين إلى "الحالة البائسة" التي أصبحت عليها الجامعة الجزائرية بسبب تراكم المشاكل التعليمية والاجتماعية عبر سنوات طويلة، مقابل"نهج الحكومة سياسات ترقيعية وغياب رؤية إستراتيجية واضحة حول أولويات وأهداف الجامعة الجزائرية"كما يقول عدد من الطلاب والخبراء الذين حاورتهم دويتشه فيله في الجزائر حول ملف الاحتجاجات الطلابية.
موجة الاحتجاجات بدأت منذ أسابيع ضد مرسوم رئاسي صادر في 13 ديسمبر/كانون الأول 2010 يحدد للشبكة الاستدلالية لمرتبات الموظفين ونظام دفع رواتبهم، بالإضافة إلى نظام مطابقة الشهادات بين النظام الكلاسيكي والنظام الجديد للشهادات العليا(دكتوراه، ماجستير، باكالوريوس) الذي يختصر LMD. وأرغمت الحركة الاحتجاجية في أسابيعها الأولى مجلس الوزراء على الغاء المرسوم المثير للجدل، وقطعت الوزارة على نفسها وعودا بتلبية جميع مطالب الطلاب المحتجين، إلا أن الطلبة يطالبون الآن بضمانات جدية لتجسيد تلك الوعود في قرارات وإصلاحات فعلية، وهم يبدون تخوفهم "الشديد" من تلاعب الوزارة بمطالبهم و الالتفاف عليها.
"الطلبة يريدون إسقاط الوزير"
احتشد يوم الأحد 06 مارس/آذار الحالي مئات من الطلاب الممثلين لمختلف جامعات والمعاهد العليا الجزائرية، في وقفة احتجاجية أمام وزارة التعليم العالي بحي بن عكنون في العاصمة الجزائر، واطلقوا عليها إسم "أحد الرحيل"، مرددين شعارات مناهضة للوزير، اقتبسوا أغلبها عن ثورتي الياسمين بتونس و الفل بمصر، من مثل"ارحل"، "الطلبة يريدون إسقاط الوزير"،" لا للحقرة"(الاحتقار)، وطالبو بالعودة الى النظام القديم و"إقالة الوزير حراوبية" الذي حملوه مسؤولية الأوضاع الكارثية التي آلت إليها الجامعة الجزائرية.
و يقول الطالب أحمد من كلية العلوم السياسية "إن المرسوم الرئاسي هو استخفاف غير مقبول أبدا بشهاداتنا التي نكد من أجل الحصول عليها، ونرفض أن يتم مناظرة شهادة الليسانس(باكالوريوس) 4 سنوات في النظام القديم بمثيلتها في النظام الجديد 3 سنوات، و نفس الشىء لطلبة العلوم فيما يخص شهادة مهندس دولة". وتضيف سمية من كلية الهندسة بجامعة باب الزوار بالعاصمة"إن مطالبنا بيداغوجية (خاصة بنظام التعليم)، وبعيدة عن الحراك السياسي الاحتجاجي الذي تقوم به بعض الفعاليات السياسية، وعلى الوزارة أن تسارع في تلبيتها قبل أن تفلت الأمور من يد الجميع". ووصف الطالب جمال من المدرسة العليا للتجارة تحركات الوزارة بأنها تأتي دائما في "الوقت بدل الضائع"، و أنه لا يوجد أي مبرر لتأجيل عقد ندوة وطنية للجامعات لغاية 27 مارس/آذار الجاري، فالوضع يحتاج قرارات فورية دون أي مماطلة.
حوار صعب
ويتهم الطلاب المحتجون إدارة الجامعة بغلق باب الحوار أمامهم، مما يعرقل أي محاولة لإيصال انشغالاتهم للجهات المسؤولة في الحكومة، ويقول في هذا السياق عبد الرحمان من كلية الاقتصاد بالجزائر "الجامعة الجزائرية في الوقت الراهن تفتقد لآلية حوار ناجعة وتجنب الجميع حالة الاحتقان التي نعيشها الآن"، ويضيف زميله يوسف"بأنه حان الوقت لإيجاد طريقة مثلى لإشراك الطلبة في إدارة الجامعة، على اعتبار أنهم الطرف الرئيسي في سياسة الإصلاح التي تقول الوزارة بأنها تسعى لتنفيذها". و قد تكون هذه المسألة الوحيدة التي اتفق بشأنها الطلاب المحتجون من مختلف الجامعات والمعاهد أمام مبنى الوزارة، وهتفوا بشعارات تدين الوصاية وإقصائهم من عملية صنع القرارات التي تحدد مستقبلهم العلمي و العملي. وفي سياق ذات المشهد الاحتجاجي استمر أربعة أساتذة من كلية العلوم السياسية والإعلام إضرابهم عن الطعام احتجاجا على رفض اللجنة العلمية قبول تسجيلهم في شهادة دكتوراه، دون أن تقدم لهم حجج مقنعة.
تحرك الوزارة لامتصاص غضب الطلاب المحتجين يأتي دائما متأخرا، كما يقول طلاب يشاركون في الإحتجاجات، ولا يلبي المطالب المرفوعة، وهو الاتهام الذي ينفيه مسؤولو الوزارة، مؤكدين بأن الجهات المسؤولة في الوزارة أكد مرات عديدة لممثلي المحتجين بأنها سوف تلتزم بجميع التوصيات التي تخرج بها ورشات النقاش والحوار المفتوح مع مختلف مكونات الأسرة الجامعية، وقال الناطق بإسم الوزارة نورالدين خرايفية "بأن الحوار جار وفق الرزنامة المحددة، وأن هناك تعليمات تم إرسالها لجميع مدراء المؤسسات الجامعية غداة انعقاد مجلس الوزراء في 22 فبراير/شباط الماضي، حيث تمت دعوة هؤلاء إلى فتح نقاش موسع حول لاقتراح إيجاد مرحلة انتقالية بين مسارات التكوين في النظامين القديم والجديد، بالإضافة إلى اقتراح منظومة للمطابقة بين شهادات النظامين"، وستعقد جلسات النقاش حول النقطتين، حسب خرايفية، بمشاركة ممثلي الطلاب والمندوبين من قبل زملائهم و كذلك ممثلي الأساتذة والإدارة.
مخاوف من سنة جامعية بيضاء في الجزائر
مخاوف من سنة بيضاء في وبالرغم من مقترحات الوزارة تتجه نحو تسوية جميع النقاط التي تثير الاحتجاجات، إلا أن أجواء عدم ثقة بين الطلاب والوزارة يجعل مهمة الحوار بين الطرفين صعبة وخصوصا في ظل حالة الاحتقان، وتتظافر المساعي الآن من أجل إنقاذ الموسم الجامعي من شبح السنة البيضاء، خاصة وأن أغلب الجامعات أجلت امتحانات السداسي الأول إلى أجل غير معلوم.
و يستبعد الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور مصطفى صايج إمكانية تحول الحراك داخل الجامعة ومطالب الطلبة التعليمية إلى حراك سياسي في الشارع بالرغم من المحاولات العديدة من بعض القوى السياسية استغلال احتجاجات الطلبة من خلال ترديد بعض الطلبة المنتمين لهذه الأحزاب لشعارات هذه القوى السياسية، و أضاف الدكتور صايج في حوار مع دويشته فيله "أن هناك وعيا عند هؤلاء الطلاب في حصر المطالب في الإطار التعليمي الجامعي، و تجنيب البلاد إنزلاقات سياسية لن تعود حتما بالإيجاب على حركتهم المطلبية المشروعة".
لكن في حالة عدم توصل الوزارة والهيئات الأكاديمية والطلابية إلى حلول للمشاكل المطروحة في قطاع التعليم العالي، وفي ظل أجواء الاحتقان التي تعيشها البلاد، وتعدد القطاعات الاجتماعية التي تشهد في الأشهر الأخيرة إضرابات مثل قطاع الصحة والتعليم بشكل عام، واستمرار حالة الشد والجذب بين المعارضة والحكومة بشأن السماح بتنظيم المظاهرات في العاصمة، تجعل، برأي المراقبين، احتمال خروج احتجاجات الطلاب من الحرم الجامعي أمرا واردا.
توفيق بوقاعدة – الجزائر
مراجعة: منصف السليمي