السلفيون في تونس: أقلية تخيف النساء والصحافة
٥ ديسمبر ٢٠١١تونس بعد "ثورة الياسمين" في الرابع عشر من يناير/كانون الثاني توشك أن تغادر قيم الديمقراطية والليبرالية التي رسم بها الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة المشهد السياسي في هذا البلد.
حزب النهضة الإسلامي حقق في الانتخابات الأخيرة تقدما ساحقا خيب آمال كل الأحزاب العلمانية والليبرالية ذات التاريخ العريق، لكن هذا الحزب وخلافا للمتوقع تعهد بالعمل على إقامة مجتمع تعددي وعلماني واحترام حقوق الإنسان، وهذا لا يتفق مع ما يطرحه السلفيون في تونس. ورغم أن أغلب مراقبي المشهد السياسي في هذا البلد يجمعون على أن التيار السلفي لا يحظى بتأييد واسع على مستوى الشارع، إلا أن حضور هذا الخط بات ملحوظا بقوة خلال الأشهر الأخيرة.
في حديث مع دويتشه فيله، أكد الإعلامي التونسي رشيد خشانة أن " أي تيار فكري يعبّر عن أفكاره وعقيدته بالطرق السلمية لا يشكل خطرا على مسيرة الديمقراطية في تونس، لكن التيار السلفي في الغالب لا يلتزم بقواعد العمل السياسي ويلجأ إلى وسائل عنيفة لإملاء راية على الآخرين وليس للمشاركة في الحوار. فحين كانت بعض الأحزاب اليسارية الصغيرة تسعى لعقد اجتماع لها، كان عناصر هذا التيار يعترضون عليها ويمنعونها من عقد اجتماعاتها، وآخر هجوم قاموا به على عميد كلية الآداب في منطقة منوبة ومحاولة محاصرته واتخاذه رهينة سلط مزيدا من الضوء على هذا التيار. والحقيقة أن الأمر الواضح والأكيد هو أن عدد عناصر هذا التيار لا يتجاوز مئات الأشخاص كما يجمع المطلعون على الشأن التونسي ولكن مصدر قوتهم هو تحركهم بشكل جماعي ولجوئهم إلى العنف والقوة لفرض إرادتهم".
حرية المرأة والصحافة في خطر؟
النجاحات التي حققتها أحزاب النهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب والإخوان المسلمين والسلفيين في مصر أثارت قلق أوساط دولية عديدة تباينت ردود فعلها. ففيما دعا وزير الخارجية الفرنسية الان جوبيه إلى الحوار مع تلك الأحزاب طالما احترمت معايير بينها سيادة القانون وحقوق المرأة، علقت وزيرة الدولة الفرنسية للشباب جانيت بو غراب - وهي من أصل جزائري- على هذا الفوز بالقول"انه أمر مقلق للغاية.. لا اعرف أي إسلام معتدل"، مضيفة أن"الشريعة (الإسلامية) لا تقبل الحلول الوسط.. أنا مختصة في القانون وأقول انه بإمكانك أن تحاول ما يحلو لك أن تفسر الأمر فقهيا أو حرفيا أو أصوليا، غير انه حالما يستند القانون إلى الشريعة فانه يفرض لا محالة قيودا على الحريات، خاصة حرية العقيدة".
ولا يميز أغلب المراقبين الدوليين للمشهد السياسي في تونس بين الحركات الإسلامية ( حزب النهضة الإسلامي) وبين التيارات السلفية ( حزب التحرير)، لكن التونسيين يؤكدون وجود فوارق كبيرة بين التيارين، وهذا ما أكده الصحفي التونسي زياد كريشان رئيس تحرير صحيفة المغرب اليومية التونسية في حديثه مع دويتشه فيله متفقا مع أشار إليه الإعلامي التونسي رشيد خشانة بهذا الخصوص ومشيرا إلى أن حزب النهضة يسعى إلى الاقتراب من التيار السلفي من خلال محادثات لم تفضي حتى الآن إلى اتفاقات.
وفي مجال تأثير السلفيين على الحريات العامة أشار كريشان إلى أنه " رغم أن التيار السلفي لا يمتلك وزنا كبيرا في الساحة السياسية في هذا البلد إلا انه ولا شك يشكل خطرا حقيقيا على المكاسب الحداثية في تونس وخاصة حقوق المرأة لاسيما وأن كل شعارات هذا التيار تدعو للتراجع عن هذه الحقوق وعن المكتسبات التي حققتها المرأة في مجال الحريات، والتيار السلفي الذي كان محظورا خرج إلى الشارع منذ شهور ويسعى إلى فرض إرادته بالتظاهر وأحيانا بالقوة المعنوية واللفظية وأحيانا بالقوة الجسدية، وهذا ما لحظناه في اعتداءات متعددة طالت طالبات ومدرسات مطلقا ما صار يعرف بحرب النقاب في تونس ، فهو في كل مناسبة تمنع فيه أي منقبة من الانتساب إلى كلية أو مدرسة ما ينفر مناصريه لفرض انتسابها بالقوة ".
"لا يستطيع السلفيون الخروج على وفاق التونسيين "
بعد حقوق المرأة تتمحور المخاوف حول حرية التعبير وحرية الصحافة، فأنصار التيار السلفي بدأوا في التدخل في عمل شبكات التلفزة والإذاعات ودور العرض السينمائي، حيث شهدت إذاعة "الزيتونة" للقرآن الكريم عملية اقتحام مماثلة من جماعة سلفية يقودها الشيخ عادل العليمي، الذي أعلن عن تأسيس "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تونس" التي قامت بطرد مديرة الإذاعة إقبال الغربي بذريعة أنها غير مؤهلة لإدارة مؤسسة دينية، على حسب قولهم.
الصحفي التونسي زياد كريشان اعتبر أن " هذه المخاوف ما زالت نظرية فالتيار السلفي ليست لديه القوة لكي يمنع حرية التعبير في تونس، لكنهم ينجحون أحيانا في تأليب جزء من الشعب ضد الحركات العلمانية، لكنه على العموم ولحد الآن على الأقل لا يستطيع أن يضح حدودا لحرية العقيدة والتفكير والرأي".
الإعلامي التونسي رشيد خشانة اختلف مع هذا الرأي مشيرا إلى أن "التيار السلفي يشكل أعظم خطر على حريات الرأي والتعبير والصحافة فهؤلاء لا يؤمنون بالحريات العامة ولذلك يتدخلون في كل ما يتصل بها لأنهم يعتبرون أنفسهم أوصياء على المجتمع على أساس أن رأيهم هو الأصح والأقرب إلى الشريعة، وهذا فهم خاطئ لأن الأمة لا يمكن أن تجتمع على خطأ، وهناك وفاق بين التونسيين حول ثوابت أساسية وفكرية وتاريخية لا يمكن أن يحيد عنها المجتمع، أما أن يأتي احد الأطراف ويعتبر أن الديمقراطية بدعة قادمة من الغرب وأن إجراء الانتخابات هو كفر، فهو في النهاية سيهمش نفسه ويخرج عن إجماع الأمة".
السلفية في تونس تأخذ اتجاهين رئيسيين: السلفية العلمية، وهي سلمية في الظاهر ونشاطها دعوي في الغالب، ويركز دعاتها جهودهم على الجانب الفقهي والعقائدي، وهم يتقيَّدون بالمراجع الشرعية وفتاوى كبار علماء السلف، مقتفين في الغالب المنحى السلفي الوهابي.
والتيار الآخر هو ما يعرف بالسلفية الجهادية الذي يتبع تنظيم القاعدة و ينشط اليوم في البلد، وانخرط فيه تونسيون شاركوا في عمليات يسمونها جهادية كان أكثرها خارج بلادهم، خاصة في أفغانستان والعراق والجزائر وموريتانيا وليبيا، بل وصلوا إلى الصومال والفيلبين ضمن ما يدعى بـ"جند الله" في حركة ابو سياف.
ملهم الملائكة
مراجعة: عبده جميل المخلافي