الفقر ينعش أسواق الملابس المستعملة في غزة
٢٥ مارس ٢٠١٢"ياريت معي فلوس بزيادة، كان باشترى لأولادي ملابس جديدة". أُمنية أطلقتها الحاجة أم صابر وهى داخل احد محلات بيع الملابس القديمة في سوق فراس وسط غزة، مشيرةً لـ DWعربية بأنها وأبنائها الثمانية وزوجها العاطل عن العمل يتلقون مساعدات غذائية ومالية من مؤسسات الإغاثة، وتضيف قائلة" المساعدات المالية ما بتزيدش عن 500 شيكل (130دولار) كل شهر أو شهرين. فمستحيل نقدر نشترى ملابس جديدة". حال أم صابر كحال الشاب محمد اللحام الذي دفعته حالة الفقر إلى التردد على سوق البالة لشراء ملابس له ولأبنائه، حيث يضيف قائلا: " كنت أخجل في البداية من شراء هذه الملابس، لكن جودتها وتدنى أسعارها ودخلي المحدود جدا جعلني زبونا دائما". فسعر قميص جديد له أو لأبنائه سيكلفه "بعشرة أضعاف من سوق البالة". ويوضح طفلان شقيقان بدأت عليهما حالة الفقر أنهما جاءا إلى السوق:" لشراء أدوات منزلية مستعملة". ويلاحظ في الآونة الأخيرة انتشار محلات ومراكز بيع الملابس القديمة في أنحاء مختلفة وسط مدن القطاع وخارج الأسواق المعروفة ببيع تلك المنتجات. ويشتكي أصحابها من قلة الطلب على السلع الجديدة حيث إنها لا تلقى رواجا كبيرا بسبب ارتفاع أسعارها، مقارنة بالسلع المستعملة.
أسواق الفقراء
كلما ازدادت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية سوء يزداد الإقبال علي "أسواق البالة" المنتشرة في قطاع غزة حيث يفرش البائعون منتجاتهم القديمة على الأرض منذ ساعات الصباح الأولى. ولاحظت DWعربية أن كافة المترددين على تلك الأسواق هم من المواطنين البسطاء والفقراء الذين ارتسمت على وجوههم ملامح البؤس والشقاء. ويشير احد العاملين السابقين في إسرائيل انه انضم إلى قائمه العاطلين والفقراء بسبب الحصار، قائلا: " لم أكن من خمس سنوات اشترى هذه الملابس. لكن حالة الفقر والبطالة والحصار اجبر تني على شراءها". ولم تخف الحاجة انتصار فرحتها عن عودة بيع الملابس القديمة والمستعملة بعد أن سمحت إسرائيل مؤخرا بتوريدها إلى تجار غزة بعد توقف دام أربع سنوات. فيما أضافت سيدة وقفت بين معروضات الملابس القديمة "ببحث عن قمصان وبنطلونات لاولادى الثلاثة الصغار..وجوزي عامل بسيط ومابنقدرش نشترى الملابس الجديدة إلا في الأعياد.. وهى مناسبة للفقراء".
ماركات عالمية بأقل الأسعار
وأثناء وجودنا في سوق فراس دخلت ثلاث فتيات في بداية العقد الثاني أحد المحلات وهن يحملن كتبا جامعية، فاتجهن مباشرة إلى قسم الملابس النسائية، اقتربنا منهن وتحدثنا إليهن، وأوضحن أنهن طالبات في الجامعة وجئن لشراء ملابس (بالية) وأكدن:" أن موديلات وماركات عالمية بأقل الأسعار موجودة هنا". بينما تضيف إحداهن لـ DWعربية:" حالة ملابس (البالة) جيدة وبنغسلها وبنكويها قبل ما نلبسها وبنشتريها علشان وضعنا المادي صعب جدا". ويشير بسام الشحري صاحب محال للملابس المستخدمة:" عندي ماركات وزبائني من الطبقات الفقيرة والمتوسطة اللي بيفضلوا هذه الملابس عن المنتجات الصينية الجديدة". ولاحظنا عند البائع بسام ملابس وقبعات للجنسيين، بدت وكأنها غير مستعملة . وأضاف أنه يشترى تلك الملابس من إسرائيل بالطن. قائلا" الطن الواحد ب 6000 شيكل (1600دولار) لكن دائما نجد ثُلث الكمية فقط صالحة للبيع".
سلع بالة متنوعة
تنتشر في أسواق قطاع غزة محلات وباعة يفترشون الأرصفة بمنتجات مستخدمة تتنوع بين الأدوات الحرفية كالنجارة والسباكة، والأثاث المنزلي وأدوات المطبخ والهواتف النقالة والأرضية، والأحذية التي يجلبها التجار من داخل إسرائيل. وتلقي تلك المنتجات إقبالا كبيرا من الطبقات الفقيرة والعاطلين عن العمل. ويشير نصر أبو معيلق أستاذ الاقتصاد في جامعة غزة أن شركات إسرائيلية تعمل على جمع المنتجات المختلفة المستعملة وتقوم بتصديرها إلى قطاع غزة واصفا قطاع غزة " بمكب لرمي النفايات الإسرائيلية". ويعترض على هذا الوصف محمد عبد العال صاحب محل لبيع منتجات مستعملة قائلا: " البالة بكل أشكالها موجودة عندنا من عشرات السنين..وموجودة في كل العالم..لكن هنا الفقراء وهم بفعل الحصار أصبحوا بحاجة ماسة لهذه الأشياء اللي بتناسب وضعهم المأساوي".
رواج الثلاجات والغسالات الإسرائيلية المستعملة
لا تقتصراسواق البالة على الملابس المستعملة فقط . فالأدوات الكهربائية وخصوصا الثلاجات والغسالات التي يتم جلبها من داخل إسرائيل تجد هي الأخرى رواجا كبيرا ويطلق عليها أسم (مخراز) أي المستعملة القديمة. ويعتبر ياسر ابودلال أن هذه الثلاجات "أجود بكثير من الثلاجات الصينية والمصرية " وعن سبب ذلك " كل الصناعات الإسرائيلية عالية الجودة واشتريت ثلاجة (مخراز) من 15 سنه وما أحلاها". ثم ضحك! وعن سر ضحكته يضيف قائلا" ابن عمى تزوج حديثا وجاب ثلاجة صينة ما قعدتش سنه وخربت ". وأوضح التاجر محمد صقر أن " الثلاجات والغسالات الإسرائيلية نشتريها من داخل إسرائيل ونقوم بتجديدها وبيعها هنا، وجميع زبائنها فقراء وغير فقراء يفضلونها عن الجديدة.. لأنها قوية جدا".
شوقي الفرا- غزة
مراجعة: عبدالحي العلمي