القذافي وفن البقاء ـ أموال طائلة وولاءات عائلية وقبلية
٨ يونيو ٢٠١١القذافي يهدّد ويتوعد، وحلف الناتو يكثّف من غارته الجوية على طرابلس والثوار يواصلون عملياتهم ضد كتائبه العسكرية، ولا تغيير على الساحة السياسة الليبية ينهي المعارك المستمرة منذ أشهر. ومنذ 17 من شباط/ فبراير، اندلاع الثورة الليبية، وعدد المنشقين عن القذافي في ارتفاع متزايد، ولكنه لا يزال متشبثا بالبقاء في ليبيا رافضا الإذعان لمطالب الثوار بالتنحي و بالرحيل. وللمرء أن يتساءل عن تحليلات خبراء وملمين بالشأن الليبي والتي توقعت منذ البداية وعلى ضوء التطورات المتسارعة التي شهدتها ليبيا بأن "نهاية القذافي وشيكة"، بأنها ربما لم تصب التقدير؟
في هذا الإطار يرى الصحفي الألماني شتيفان بوخن والذي كان واكب الأحداث الليبية عن كثب في حديث لدويتشه فيله أن المعارك التي تخوضها كتائب القذافي وإصرار الأخير على البقاء في ليبيا إنما "يصب في محاولته التمسك بالسلطة في المناطق التي لا يزال يبسط عليها نفوذه في ليبيا وهي طرابلس وبعض المناطق الغربية والجنوبية وقد يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى تقسيم ليبيا". ولكن كيف نجح القذافي في الصمود مع ضغط الثوار والقصف المتواصل من قبل طائرات حلف الناتو وكذلك الانشقاقات في صفوف الموالين له؟
هل أخطأ حلف الناتو التقديرات في الشأن الليبي؟
حلف الناتو بدوره، حين قرر شن عمليات عسكرية ضد نظام القذافي نهاية آذار/ مارس الماضي، كان حدد في البداية مهلة 3 أشهر قبل أن يمددها الأسبوع الماضي إلى نهاية أيلول/ سبتمبر المقبل. وإن أكد وزراء دفاع حلف الناتو مواصلة العمليات العسكرية في ليبيا حتى "تحقيق أهدافهم"، إلا أن ذلك يطرح أسئلة فيما إذا كان الحلف بدوره قد أخطأ في الحسابات، خاصة وأنه أصبح هناك فتور من قبل بعض أعضاء حلف الناتو إزاء العمليات في ليبيا، اذ تريد السويد تخفيض عدد مقاتلاتها فيما تمتنع كل من ألمانيا وإسبانيا عن المشاركة في العمليات العسكرية.
الدكتور خطار أبو دياب، الخبير في الشؤون الإستراتيجية والأستاذ في معهد الجغرافيا السياسية في باريس، يرى أن الحلف يدرك فعلا مدى صعوبة المهمة الليبية. ويقول في حديث مع دويتشه فيله: "في دوائر الحلف الأطلسي وفي الدوائر الأمريكية كان هناك تردد قبل البدء بالعملية لأنه كان هناك قناعة بصعوبة العملية نظرا لمساحة ليبيا الشاسعة". ويقارن أبو دياب المهمة الليبية بمهمة حلف الناتو في كوسوفو، قائلا: "عملية حلف الناتو العسكرية في كوسوفو الصغيرة جغرافيا عام 1999 استغرقت 74 عاما ولم تفض مباشرة إلى سقوط ميلوزوفيتش".
ولاءات قبلية وأخرى مبنية على المصالح...وأموال طائلة
ويؤكد أبو دياب على أن القذافي يمتلك قدرة عسكرية كبيرة، قائلا بأن الزعيم الليبي "كرس خلال أكثر من 40 عاما الكثير من الجهد للبنية العسكرية، خاصة للقوات المقربة منه". "وعندما نرى أن من يقود العمليات على الأرض هو صهره وقريبه السنوسي وأبناؤه المعتصم وخميس والساعدي وسيف الإسلام، نفهم جيدا وكأنها أصبحت قضية مصير لأسرة وقبيلة". ويوضح أبو دياب أن القذافي تمكن طيلة عقود من حكمه المديد من ربط العديد من الولاءات على أشكال مختلفة فإما "ولاءات من قبل مرغمين أو مناصرين أو محبذين أو منافقين"، بقي من خلالها القذافي في السلطة لفترة طويلة. ولكن الخبير في الشؤون الإستراتيجية يشدد على أن القذافي لا يزال يحظى أيضا بدعم في بعض المناطق الغرب والجنوب في البلاد، لافتا بالقول: "هناك أيضا طبقة وسطى مستفيدة من نظام القذافي، إذ راهن حلف الناتو والمعارضة في بنغازي على أن تنتفض مثلا طرابلس وسبها وسرت، ولكنها لم تنتفض حتى الآن".
ولكن الولاءات القبلية والعائلية لوحدها لا تكفي، وفق أبو دياب الذي يقدر أن للقذافي احتياطيا كبيرا من الأموال داخل ليبيا وكذلك أخرى "غير مكشوفة تتحرك من خلال شركات وهمية وبالتالي لم يطلها التجميد"، لافتا إلى أن القذافي قد تعلم من تجربة سنوات الحظر التي فرضت على ليبيا من 1994 إلى عام 2003.
نهاية القذافي ...مسألة وقت؟
بيد أن الوهن والضعف أخذا يظهران بوضوح على قوة القذافي العسكرية، وفق أبو دياب. "هناك معطيات تقول إن القذافي وزع منذ أيام على مقاتليه وأنصاره تعليمات بعدم إطلاق النار كثيرا في الهواء لأن الذخيرة يمكن أن تنفذ". ويضيف قائلا: "نحن أمام معطيات جديدة في لعبة الكر والفر: القذافي يخسر مقابل تقدم الثوار، القذافي يتراجع مقابل تشديد الضغط من الناتو، ثم ها هو كلامه بالأمس يبدو شبه يائس حول الموت أو النصر أو الحياة".
ويتوقع الباحث في الشؤون الإستراتيجية أن "نهاية القذافي هي مسألة وقت، ربما أسابيع أو أشهر لكنها محسومة". كما يتوقع أن يلقى القذافي "مصيرا مشابها لمصير الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بمعنى أن يأسر أو يقتل"، وذلك في حال لم يرحل القذافي وعائلته إلى دولة لم توقع على اتفاقية تسليم المطلوبين لمحكمة الجنائيات الدولية.
شمس العياري
مراجعة: أحمد حسو