امتلاك بيت في ألمانيا.. بين رومانسية الحلم ولغة الأرقام
٢٧ أبريل ٢٠١٩نشرت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" الألمانية عنوانين عريضين جانب بعضهما البعض: "48 بالمائة من البيوت المسكونة في ألمانيا ملك لقاطنيها، وليست مستأجرة"، هكذا جاء العنوان الأول. "أسعار العقارات تحلق" هو العنوان الثاني.
ونشر المكتب الاتحادي للإحصاء الثلاثاء أرقام تبين أنه "في بداية 2018 قال قرابة نصف الألمان إن المكان الذي يسكنوه تعود ملكيته لهم".
بعد سنوات من الازدهار الاقتصادي والعواصف التي ضربت بلداناً أخرى قد يعتقد المرء أن امتلاك بيت في ألمانيا أصبح حلماً ممكن التحقيق، إلا أن العكس هو الصحيح. "الأمر صادم- ألمانيا واحدة من أغنى الدول الأوروبية، إلا أن نسبة من يمتلكون بيوتاً فيها قليلة"، يقول خبير الإسكان بيكا سانغر من "معهد الاقتصاد الألماني" لـ DW، مشيراً إلى قوة شبكتي الضمان الاجتماعي والتقاعدي، ما يعني ضمناً أنه لم تكن الحاجة ملحة لشراء بيت في الماضي.
ولعبت عوامل أخرى في تعزيز النزعة للإيجار بدل الاستملاك مثل نسبة الفائدة المرتفعة على القروض والوصمة الاجتماعية ضد المدين والمرتبطة تاريخياً بالتضخم المنفلت من كل عقال الذي ضرب ألمانيا في نهاية عشرينات القرن العشرين وإعادة بناء ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
أسعار مرتفعة رغم الفوائد المنخفضة
في أيامنا هذه، تعني أسعار الفائدة المنخفضة أن شراء منزل في المدن الألمانية أمر يعود بالفائدة على المشتري. انخفضت أسعار الفائدة من 4.33% إلى 1.65% خلال عقد من الزمن. ولكن وعلى الرغم من ارتفاع أسعار العقارات، حيث أضحت برلين أكثر مدن العالم نمواً في قطاع العقارات العام الماضي، لم يظهر المشترون المحتملون لتلك العقارات.
بيكا سانغر يعتقد أن "امتلاك بيت أصبح في ألمانيا على نفس درجة الأهمية في دول أخرى، نظراً للتغير الديمغرافي المرتبط بشيخوخة شريحة وازنة من السكان"، مؤكداً على أن عوامل عدة في ألمانيا تؤدي إلى عدم امتلاك جزء كبير من السكان لمنازل.
في ألمانيا تستحوذ شركات خاصة كبرى على الكثير من العقارات وتقوم بتأجيرها. وهذا الأمر سار على ما يرام لوقت طويل، ولكن ومع الهجرة إلى المدينة حلقت أسعار العقارات في المدن والحواضر الكبرى المرغوبة السكن فيها. في تسع مدن ارتفعت قيمة الإيجارات بأكثر من 50 بالمائة منذ 2005، حسب بيانات "اللجنة المركزية للعقارات" (ZIA)، وهي لوبي يدافع عن مصالح الشركات العقارية.
"دويتشه بنك" أعلن في تقرير حديث له أنه "يتوقع استمرار صعود أسعار العقارات في السنوات القادمة في الحواضر"، بينما حذرت "اللجنة المركزية للعقارات" من "إهمال" بناء بيوت جديدة.
الشباب خارج المعادلة
نقص المعروض من البيوت الجاهزة للسكن كان له تأثير كبير على ذوي الدخل المنخفض. ألمانيا اليوم واحدة من أسوأ الدول الأوروبية من حيث ارتفاع قيمة الإيجار مقارنة بالدخل، حيث ينفق البعض (في ألمانيا حوالي 16 بالمئة من السكان) أكثر من 40 بالمئة من دخلهم على السكن. تأتي ألمانيا هنا في المرتبة الرابعة في أوروبا، بعد بلغاريا واليونان والدنمارك. كل ذلك بوجود حقوق للمستأجرين تحميهم من الأسوأ ومن الرفع الاعتباطي للإيجارات، مقارنة بالدول الأخرى، ولكن من يعلم إلى متى سيستمر وجود تلك الحقوق!
"نشهد انخفاضاً في نسبة من يشترون عقاراً للسكن للمرة الأولى في حياتهم. أسعار الفائدة المنخفضة مغرية لمن يود الحصول على قرض عقاري، إلا أن ضرورة امتلاك دفعة أولى تقدر على الغالب بعشرين بالمائة من قيمة العقارات تجعل الأمر غير سهل بالمرة"، ويخلص بيكا سانغر من "معهد الاقتصاد الألماني" إلى أن كل ذلك يجعل من الصعب على الشباب امتلاك بيت في ألمانيا.
جيمس جاكسون/خ.س