انسحاب موسكو من معاهدة القوات المسلحة التقليدية يغير قواعد لعبة القوى العظمي
١٥ يوليو ٢٠٠٧أعلنت الحكومة الروسية أن الرئيس فلاديمر بوتين وقع مرسوما يعلق تطبيق روسيا معاهدة القوات التقليدية في أوروبا. وقال الكرملين فى بيان إن الرئيس الروسي وقع على قرار أصبح ساري المفعول على الفور.
ورغم أن الخطوة الروسية بالانسحاب من المعاهدة الخاصة بالقوات المسلحة التقليدية في أوروبا لم تكن مفاجئة تماما، إلا أن التوقيت الحالي ربما يعتبر إشارة قوية إلى الولايات المتحدة بأن تعيد النظر في خططها الخاصة بالدفاع الصاروخي.
وتعتبر خطط واشنطن الرامية إلى وضع صواريخ مضادة في بولندا وجمهورية التشيك على نطاق واسع بمثابة السبب المباشر وراء انسحاب موسكو من معاهدة القوات التقليدية. وكانت إشارات تحذيرية عديدة قد أعطت مؤشرا بشأن نوايا موسكو. ففي خطاب أمام البرلمان في شهر نيسان/أبريل، قال بوتين إنه يتعين على روسيا أن تبحث تعليق العمل بمعاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا.
وفى اجتماع عقد في منتصف شهر حزيران/يونيو الماضي للدول الموقعة على معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا البالغ عددها 30 دولة، أعربت روسيا بوضوح عن استيائها إزا ء المعاهدة التي تم إبرامها منذ 16 عاما والتي ترى أنه قد عفا عليها الزمن وتشوبها عيوب من الناحية الاستراتيجية.
وبينما اختتم مؤتمر فيينا أعماله دون نتائج ملموسة، اتفق دبلوماسيون من كلا الطرفين على مواصلة المحادثات واستعراض كل منهما مواقف الآخر. ولكن التطورات التي حدثت اليوم السبت توضح أن روسيا تعتقد أن وقت المحادثات قد انتهى. ويتعين على الغرب الآن أن يرد على الحقائق الجديدة التي أوجدها بوتين.
قرار تكثيف الحوار لم يكن كافيا
ونظرا لأن العلاقات الروسية - الأمريكية وصلت عند أدنى مستوى لها منذ انتهاء الحرب الباردة، فإن اجتماعا بين بوتين والرئيس الامريكى بوش في كينبونكبورت نظم في مطلع شهر تموز /يوليو الحالي أسفر عن تقدم ضئيل فى تسوية هذه القضية.
وفى قمة مجموعة الثماني فى ألمانيا فى مطلع شهر حزيران/يونيو الماضي، فاجأ بوتين بوش بأن قدم عرضا يقضى باستخدام موقع رادار روسي في أذربيجان كبديل للمنشات البولندية والتشيكية. ووسع زعيم الكرملين نطاق العرض في القمة الأخيرة بينه وبين الرئيس الأمريكي من خلال إدراج موقع آخر في جنوب روسيا.
وبينما لم يرفض بوش مبادرة بوتين على نحو مباشر، أكد بوش أن الولايات المتحدة مصممة على المضي قدما في خططها في شرق أوروبا. واتفق الزعيمان على تكثيف الحوار بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) ولكن هذا لم يكن كافيا بالنسبة لروسيا كما يوضح القرار الذي صدر اليوم السبت.
التزامات اسطنبول
وتحدد معاهدة القوات المسلحة التقليدية المبرمة بين حلف الأطلسي ( الناتو ) وحلف وارسو آنذاك حدودا عليا لنشر القوات المسلحة التقليدية فى أوروبا والتي تشمل المروحيات الهجومية والعربات القتالية التي تحمل مدفعية والطائرات من خلال نظام التحقق والتفتيش المشترك.
وفى عام 1999 تم تعديل المعاهدة لتضع في الاعتبار التغييرات التي حدثت منذ التوقيع على الأولى في عام 1991 لتشمل الحقائق التي ظهرت بعد الحرب الباردة. وتعهدت روسيا بسحب القوات والذخيرة من الإقليمين المنشقين ترانسنيستريا فى مولدوفا وأوسيتيا الشمالية في جورجيا.
ويعد ما يسمى بالتزامات اسطنبول والتي تمثل جزءا لا يتجزأ من معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا بالنسبة للناتو أحد الأمور الرئيسية التي لا تروق لروسيا. وترفض الدول الأعضاء في الناتو أن تصادق على المعاهدة المعدلة ما لم تف موسكو بهذه الالتزامات، بينما تعرب روسيا عن استيائها إزاء هذا الربط.
موسكو تستعرض قوتها
تقول موسكو إن مثل هذه الخطوة سوف ترسي سابقة هامة بالنسبة للمناطق الأخرى التي تتطلع إلى الاستقلال بما في ذلك بعض المناطق في الاتحاد الروسي.
وأزال قرار بوتين أيضا الحدود التي وضعتها معاهدة القوات المسلحة التقليدية على عدد القوات التي تستطيع روسيا أن تنشرها عند حدودها الجنوبية والشمالية وهو الأمر الذي كان يسبب في الماضي سببا للقلق للدول المجاورة. ومن جهة أخرى، قالت روسيا إنها تشعر بأنها مقيدة فى أراضيها.
وتمنع المعاهدة تمركز القوات في مكان واحد، ما قد يؤدى إلى تغييرات كبيرة في ميزان القوي الإقليمي. وكانت روسيا قلقة من أن انضمام دولة مثل رومانيا إلى الناتو سوف يؤدى إلى تغيير في ميزان القوى لصالح الناتو.
وبصرف النظر عن التأثيرات الفورية، فإنه يجب أيضا تفسير انسحاب روسيا على انه جزء من حملة موسكو لإعادة التأكيد على وضعها كقوة عظمى. وتشعر روسيا التي تدعمها ميزانية تمولها بشكل مريح البترو دولارات التي تتدفق على البلاد وترسانات ضخمة من الأسلحة باعتداد بالنفس يؤهلها للعب دور هام على حلبة السياسة الدولية.