بناء كنيسة صربية يغضب أهالي ضحايا مجزرة سريبرينيتشا المسلمين
١٠ مايو ٢٠١٣في بلدة سربرنيتسا في شرق البوسنة والهرسك يقع نصب بوتوكاري التذكاري الذي يُذكّر بمذبحة وقعت في البلدة، وقُتِلَ فيها آلاف المسلمين البوسنيين. ولكن يُعتَزَم حالياً بناء كنيسة أرثوذكسية صربية على بعد بضع مئات من الأمتار فقط من هذا النصب التذكاري، وهو ما يثير غضب المسلمين هناك. في حين ناشد المجتمعُ الدولي القائمين على بناء الكنيسة الامتناعَ عن بناء الكنيسة الصربية بالقرب من النصب التذكاري في البلدة.
أذان وصلصلة
صوت المؤذن الداعي للصلاة لا يزال يصدح في سماء بلدة سربرنيتسا البوسنية الصغيرة، التي شهدت قصة رهيبة. ففي يوليو/ تموز عام 1995 قام مسلحون وجنود صرب بقتل حوالي 8 آلاف من الفتيان والرجال المسلمين في هذه البلدة. وتم حينها تغيير معالِم مقابرهم الجماعية بواسطة الجرافات ليكون من الصعب تحديد هوية القتلى. على نصب بوتوكاري التذكاري، الذي بُني تخليداً لضحايا المجزرة، يوجد حوالي 6 آلاف اسم مِن أسماء الضحايا ممّن تم التعرف على هوياتهم منهم.
ولكن قد يتم قريباً سماع صلصلة أجراس الكنائس في جوار النصب التذكاري. فمنذ العام الماضي يتم بناء كنيسة أرثوذكسية صربية على مرمى حجر من نصب بوتوكاري التذكاري على حافة المقبرة الجماعية التي دُفِن فيها ضحايا المجزرة. والعلم الصربي يرفرف على مبنى الكنيسة، وهو ما يُفزِع السيدة البوسنية فضيلة إفينديتش، التي تعتبر ذلك استفزازاً.
وتضيف فضيلة إفينديتش قائلةً: "هذه الكنيسة ليست داراً للصلاة والعبادة، بل إنها استفزاز للمسلمين في البلدة. من المفزع بناء دار للعبادة عند مقبرة جماعية. هذا تسييس للكنيسة. إذا كان الغرض من الكنيسة الصلاة فعلاً فينبغي بناؤها حيث يعيش المسيحيون الأرثوذكس، ولكن في هذه القرية يعيش مسلمون. هذا استفزاز ليس له علاقة بالكنيسة والصلاة". عادت فضيلة إفينديتش قبل 11 عاماً إلى بلدة سربرنيتسا، حيث تعمل في محل لبيع الزهور والهدايا بالقرب من نصب بوتوكاري التذكاري. وحين كان عمرها 19 عاماً خسرت زوجها وابنها في المجزرة، وما زالت فضيلة إفينديتش تبحث عن رفاتهما حتى الآن.
استفزازات وعناد
البوسنية منيرة سوباسيتش، من رابطة أمهات سربرنيتسا، تشعر بالقلق أيضاً وتقول: "نحن لا نريد أن يظنّ الناس أن لدينا موقفاً ضد الكنيسة. لكنّها ليست كنيسة للصلاة، بل كنيسة للعناد قُرب المقابر الجماعية حيث تم العثور عظام ابني الأصغر".
ليست هذه هي أول مرة يقوم فيها صِرْبٌ أرثوذوكس باستفزاز المسلمين. ففي العام الماضي نظمت الطائفة الأرثوذكسية الصربية المحلية مع جمعيات المحاربين القدماء حفلاً للشواء ومباريات لكرة القدم وحفلة موسيقية بجانب النصب التذكاري، وذلك بعد يوم واحد فقط من إضافة 500 اسم جديد من أسماء الضحايا، الذين تم تحديد هوياتهم ووضع أسمائهم على نصب بوتوكاري التذكاري.
جميل دوراكوفيتش، الرئيس المسلم لبلدية سربرنيتسا، يشعر بالقلق أيضاً، خاصة وأن إحياء ذكرى المجزرة يصادف الحادي عشر من شهر يوليو/ تموز المقبل 2013. ويقول دوراكوفيتش حول إحياء الذكرى في هذا التاريخ: "سيكون هناك حشد كبير من الناس يصل عددهم إلى 50 ألف شخص لإحياء ذكرى المجزرة. والأمهات يخشَيْن من أن يقوم أحدهم بعمل لا يمكن إصلاحه. وكل ذلك بسبب غطرسة بعض القائمين على بناء الكنيسة وبعض القساوسة المحليين الذين لا يَعُون عواقب متابعة البناء قبل الحادي عشر من يوليو. فأية رسالة سنبعث بها من سربرنيتسا؟" إلى العالم.
وكانت بلدية سربرنيتسا قد منعت البناء بجوار النصب التذكاري، وعرضت قطعة أرض بديلة لبناء الكنيسة. وحتى السفارة الأمريكية والممثلية السامية للاتحاد الأوروبي انتقدتا هذه الخطط. ولكن كل ذلك كان دون جدوى. فقد وافقت الحكومة الصربية، المسؤولة عن سربرنيتسا على بناء الكنيسة. وبالتالي سيتم مواصلة البناء.
كنيسة مثيرة للجدل حتى بين الصرب
لكن بناء الكنيسة أمر مثير للجدل حتى بين الصرب أنفسهم. وتقول الصربية ليبا ستويانوفيتش في هذا الصدد: "من الأفضل لهم بناء الشركات بدلاً من الكنائس والمساجد، أستطيع الصلاة في بيتي. عليهم بناء المصانع حيث يمكن للشباب العمل. عُمْر ابني 23 عاماً وهو عاطل عن العمل. المكان الذي نعيش فيه هو مكان محزن". فقبل الحرب الأهلية، عاش 40 ألف شخص في بلدة سربرنيتسا، وقد تقلص هذا العدد حالياً إلى حوالي 11 ألف شخص وخمسون في المائة من سكان البلدة عاطلون عن العمل.
زاغوركا يوكيتش هي صربية أيضاً، كما أنها من بلدة سربرنيتسا. وقد فقدت عام 1992 ابنها الذي توفي في الحرب الأهلية. وهي ترفض أية مشكلات بين أهالي البلدة وطوائفها، وتقول وهي تبكي: "لقد فقدتُ ابني وقد كان كل ما لديّ. لا يوجد إلا إله واحد فقط، والكل يعظمونه في الكنائس والمساجد. أما أنا فقد فقدتُ وَلَدِي وفلذة كبدي".