تعاظم الانتقادات لماسك بعد دعوته لانتخاب حزب البديل
٣ يناير ٢٠٢٥ماذا كتب ملياردير التكنولوجيا الأمريكي إيلون ماسك في تعليقه؟
نشر إيلون ماسك قبل عدة أيام على شبكته إكس (تويتر سابقاً) أنَّ حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي تصنف السلطات بعض فروعه على أنها يمينية متطرفة، هو وحده القادر على إنقاذ ألمانيا. وبعدها عاد مستشار ترامب ليكتب مقال رأي نشره في صحيفة "فيلت أم زونتاغ" الأسبوعية الألمانية. وجاء فيه: "حزب البديل من أجل ألمانيا بإمكانه أن ينقذ ألمانيا من أن تصبح ظلًا لما كانت عليه في السابق. (...) لقد حان الوقت من أجل تغييرات جريئة، وحزب البديل من أجل ألمانيا هو الحزب الوحيد الذي يفتح هذا الطريق".
وأضاف أنَّ حزب البديل من أجل ألمانيا هو "آخر بارقة أمل لهذا البلد"، الذي يترنّح على شفا "انهياره الاقتصادي والثقافي"، وهو الحزب الوحيد القادر على إحياء الاقتصاد الألماني ومنع فقدان الهوية من خلال "سياسة هجرة تخضع للسيطرة". واختتم ماسك مقاله بقوله: "أقول للذين يدينون حزب البديل من أجل ألمانيا باعتباره حزباً متطرفاً: لا تنخدعوا بالوصف الملصق به"، وأشار إلى زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا أليس فايدل، التي لديها شريكة حياة من سريلانكا. وتساءل: "هل يبدو لكم هذه مثل هتلر؟ أرجوكم!".
كيف كانت ردود الفعل على مقال ماسك؟
وصف رئيس اتحاد الصحفيين الألمان (DJV)، ميكا بويستَر، المقال بأنه "تدميري" وحذر جميع هيئات التحرير من السماح باستغلالها خلال حملة الانتخابات، والتعامل باحترافية مع مقالات الضيوف. "يجب على وسائل الإعلام الألمانية ألا تسمح باستغلالها كأبواق للمستبدين وأصدقائهم".
ووصف مرشح الحزب المسيحي الديمقراطي لمنصب المستشار فريدريش ميرتس دعاية ماسك الانتخابية بأنَّها "تجاوز وغطرسة"، وأضاف منتقداً: "لا أستطيع أن أتذكر أنَّه كانت توجد في تاريخ الديمقراطيات الغربية حالة مشابهة من التدخل في الحملة الانتخابية في دولة صديقة".
وفي نفس الاتجاه قال السكرتير العام للحزب الديمقراطي الاشتراكي، ماتياس ميرش، لصحيفة "هاندلسبلات": "مجرد تقديم دار نشر شبرينغر لإيلون ماسك منصة رسمية من أجل القيام بدعاية انتخابية لحزب البديل من أجل ألمانيا هو أمر مخزٍ وخطير". وأضاف أنَّ هذا العمل يظهر "مدى تغلغل شبكات اليمين".
ومن جهته، اتهم زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي، لارس كلينغبايل، إيلون موسك بأنَّه يريد "إغراق ألمانيا في الفوضى". وقال إنَّ "إيلون ماسك لا يفعل شيئاً مختلفاً عما يفعله فلاديمير بوتين. فكلاهما يريدان التأثير على انتخاباتنا ويدعمان على وجه التحديد أعداء الديمقراطية: حزب البديل من أجل ألمانيا".
ونقلت على موقع إكس أليس فايدل، مرشحة حزب البديل من أجل ألمانيا لمنصب المستشار في الانتخابات الاتحادية، فقرة من مقال إيلون ماسك، من دون التعليق عليه.
ما الذي يريده إيلون ماسك بمثل هذه التصريحات؟
على الأرجح أنَّ هذا الرجل الأغنى في العالم يهتم وقبل كل شيء بمصالحه الاقتصادية الخاصة. وفي مقاله بصحيفة "فيلت أم زونتاغ"، أشاد ماسك بحزب البديل من أجل ألمانيا على خططه من أجل "الحد من الإفراط في التنظيم الحكومي، وخفض الضرائب، وتحرير السوق". ويستفيد من ذلك مصنعه تيسلا في ولاية براندنبورغ الألمانية، وهو أول مصنع للسيارات الكهربائية لشركة تيسلا الأميركية في أوروبا.
بيد أنَّ إيلون ماسك يسعى كذلك من خلال متابعيه البالغ عددهم 200 مليون شخص في جميع أنحاء العالم إلى أجندة سياسية عالمية تهدف إلى تعزيز القوى اليمينية في العالم. ويقال إنَّه وعد اليميني الشعبوي البريطاني نايجل فاراج بتبرعات بقيمة 95 مليون يورو لدعم حزبه.
زد على ذلك أنَّ ماسك يحافظ على علاقات وثيقة مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني وحزبها اليميني "فراتيلي دي إيطاليا". وحول حظر القضاء خطط الحكومة في روما نقل المهاجرين إلى ألبانيا، كتب إيلون ماسك على موقع إكس: "هؤلاء القضاة يجب أن يذهبوا".
وفي ألمانيا، من الممكن أن يلعب مستشار ترامب دور فاتح الباب للقوى اليمينية المتطرفة من خلال دعمه لحزب البديل من أجل ألمانيا بزيادة ظهوره وشرعنة سردياته.
ما هو الدور الذي تلعبه صحيفة "فيلت" ودار نشر "أكسل شبرينغر"؟
تأسست صحيفة "فيلت" في غرب ألمانيا في منطقة الاحتلال البريطاني وصدر أول عدد لها في 2 نيسان/أبريل 1946. وبعد سبع سنين، اشترى الناشر أكسل شبرينغر هذه الصحيفة. ومجموعة النشر أكسل شبرينغر تعمل اليوم بوسائط متعددة في أكثر من 40 دولة. وهي تمارس خاصة من خلال صحيفة "بيلد" الشعبية، وهي الصحيفة الأكثر تعرضاً للانتقاد من "مجلس الصحافة الألماني"، تأثيراً كبيراً على النقاشات السياسية في ألمانيا.
ومقال إيلون ماسك أثار داخلياً في وسائل الإعلام المحافظة جدالات حادة. هل يمثل نشر المقال تعددية في الرأي أم أنَّ الصحيفة تسمح باستخدامها كبوق للمستبدين وأصدقائهم؟ وأعلنت رئيسة قسم مقالات الرأي، إيفا ماري كوغل، استقالتها بعد نشر المقال.
لا يزال من غير الواضح تم نشر مقال الرأي في الصحيفة بالضبط، ولكن رئيس دار شبرينغر، ماتياس دوبفنر، يعتبر من المعجبين بإيلون مسك ولديه اتصال شخصي مع هذا الملياردير الأمريكي. لقد أعرب رئيس شبرينغر في الماضي عن آراء مثيرة للجدل، عل سبيل المثال فيما يتعلق بتغير المناخ وجائحة كورونا، وكذلك توجد ملاحظات على تصريحات ماتياس دوبفنر المهينة حول ألمانيا الشرقية ومحاولة التأثير على تغطية صحيفة "بيلد" لصالح الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) قبل الانتخابات الاتحادية الأخيرة.
وبالإضافة إلى ذلك فقد انتقد ماتياس دوبفنر "وسائل الإعلام النخبوية" على تحيزها ضد حزب البديل من أجل ألمانيا. وبالتالي يمكن تقييم مقال إيلون ماسك في صحيفة "فيلت أم زونتاغ" كمحاولة لتطبيع النزعة الشعبوية اليمينية في ألمانيا.
هل يجوز للصحافة الحديث قبيل الانتخابات لصالح أو ضد مرشحين سياسيين؟
نعم، هذا مسموح في ألمانيا، ولكنه استثناء. حرية التعبير وحرية الصحافة مكفولة في الدستور الألماني. والمادة الخامسة من القانون الأساسي الألماني تنص على أنَّ: "لكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بحرية بالقول والكتابة والصورة، والحصول دون عائق على المعلومات من المصادر المتاحة للعامة".
وفي عام 2002، أوصت أول مرة صحيفة "فاينانشال تايمز دويتشلاند" (FTD) بالتصويت لصالح حزب معين، وكسرت بذلك أحد المحرمات في ألمانيا. وقد أوضح محررو هذه الصحيفة الاقتصادية في تعليق لقرائهم لماذا يجب عليهم التصويت لصالح الحزب المسيحي الديمقراطي في 22 أيلول/سبتمبر وكيف توصلوا إلى قرارهم هذا. وبعد ثلاثة أعوام، أوصت صحيفة "فاينانشال تايمز دويتشلاند" بالتصويت لصالح الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي).
ولم يكن مفاجئاً أن تأتي هذه المبادرة الصحفية من صحيفة "فاينانشال تايمز دوتشلاند"، التي توقفت عن الصدور في عام 2012. فتوصيات التصويت تعتبر تقليداً في صحيفة "فاينانشال تايمز" في لندن - وكذلك في معظم الصحف في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
أعده للعربية: رائد الباش