خبير قانوني: إذا أفلت القذافي من العقاب فلن يفلت أقرباؤه ومعاونوه
٣ مارس ٢٠١١مع إصرار العقيد الليبي معمر القذافي على التمسك بالسلطة بقوة الحديد والنار وعدم الاستجابة لإرادة الشعب المطالب برحيله وكذا المطالب الدولية بالتنحي والكف عن استخدام العنف، تزداد الضغوط عليه من الداخل والخارج. فبعد العقوبات والضغوط السياسية والدبلوماسية التي يمارسها المجتمع الدولي عليه، قرر اليوم (03 آذار/ مارس) المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو البدء بالتحقيق في مدى تورط القذافي وأبنائه وكبار المسؤولين في نظامه، في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والقتل العمد من قبل القوات التابعة لهم لدى قمع الاحتجاجات التي تشهدها ليبيا منذ أسبوعين. ولمعرفة الخلفيات والنتائج القانونية والسياسية التي يمكن أن تترتب على التحقيق في هذه الاتهامات القضية وإمكانية إدانة القذافي والآخرين لاحقاً، حاورت دويتشه فيله الدكتور محمد أمين الميداني، الخبير في القانون الدولي وحقوق الإنسان.
دويتشه فيله: ما هي المرجعية والسند القانوني الذي تستند إليه المحكمة الجنائية الدولية في فتح التحقيق ضد العقيد القذافي ومن ثم ملاحقته وربما محاكمته مع آخرين؟
د. محمد أمين الميداني: القرار الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي مؤخراً لدى مناقشة الأوضاع في ليبيا وأدان من خلاله ما يجري من انتهاكات وقتل للمحتجين والمعارضين لنظام القذافي، هذا القرار أحال في إحدى فقراته الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية وطلب من المدعي العام التحقيق فيما إذا كانت جرائم ضد الإنسانية قد ارتكبت في ليبيا. إذ أن الفقرة "ب" من المادة 13 من نظام المحكمة الجنائية الدولية، المعروف بنظام روما، تجيز لمجلس الأمن الدولي إحالة قضية ما إلى المحكمة في حال عدم مصادقة الدولة المتهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية على نظام المحكمة، وهذا ما يتيح لمجلس الأمن، كسلطة تنفيذية للأمم المتحدة، الطلب من المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية تحريك الدعوى ضد تلك الدولة التي لم تصادق على نظام المحكمة.
لكن هناك مادة في اتفاقية روما التي أنشئت المحكمة بموجبها، تنص على أن من هو في السلطة يتمتع بالحصانة، وهنا القذافي مازال رئيس الدولة ومازال في السلطة، كيف ستتم ملاحقته ومحاكمته؟
هذا صحيح وهذه الحالة تكررت، فكما نعلم هناك مطالبة للتحقيق مع الرئيس السوداني عمر حسن البشير. في هذه الحالة يمكن للمحكمة اتخاذ إجراءات التحقيق كمرحلة أولية والقيام بالأعمال اللازمة للتثبت من وقوع جرائم إبادة و جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، ثم تقوم بتحويل الملف والتحقيقات إلى الدوائر والأقسام المختصة لدى المحكمة. أما حصانة رئيس الدولة فإنها تبقى مقتصرة على الدولة التي يمارس فيها سلطته، بمعنى أنها تبقى ضمن نطاق حدود دولته، أما إذا خرج من دولته فعندها يحق للمدعي العام المطالبة بالتحقيق معه، وإذا ثبت فعلاً أنه ارتكب هذه الجرائم يمكن أن يمثل أمام المحكمة أيضاً.
وبالتالي إصدار مذكرة توقيف دولية بحقه؟
نعم بالضبط، تصدر بعد ذلك مذكرة قبض دولية بحقه تجيز التحقيق معه مباشرة ومحاكمته.
إذا أدين القذافي والآخرون، ما هي النتائج التي يمكن أن تترتب على الحكم؟
لم يحدث في تاريخ المحكمة بعد أن أدانت أحداً، وبالطبع ستكون هناك اجتهادات تتعلق بهذا الوضع. وبرأيي المرحلة الأساسية الآن هي إثبات ارتكاب جرائم ضد الإنسانية من قتل متعمد وترويع السكان المدنيين. وإذا تمت هذه المرحلة يمكن أن تكون خطوة أولى لمحاكمة تأتي في فترة لاحقة.
ولكن ليست هناك حتى الآن سوابق قضائية دولية (أحكام) يمكن الاستناد إليها. فحتى المحاكم الدولية الخاصة مثل محكمة يوغسلافيا ومحكمة رواندا ومحكمة سيراليون كانت تمارس اختصاصاتها وتحاسب المتهمين على الجرائم التي ارتكبوها، وعندما أصدرت هذه المحاكم قراراتها تم تطبيق العقوبة على المدانين باعتقالهم في سجون خاصة في دول أوربية أو افريقية.
في حال إثبات جرائم على القذافي والآخرين وإدانتهم، ألن يكون تنفيذ الحكم مستحيلاً تقريبا، وبالتالي يبقى الحكم مجرد إدانة وليس له سوى تأثير معنوي، ومن ثم رداعاً لغيره من الحكام كي لا يرتكبوا مثل هذه الجرائم بحق شعوبهم؟
هذا صحيح، يمكن أن يكون الحكم رادعاً، ولكن للأسف، ملاحقة الرئيس السوداني لم تردع شخصاً مثل القذافي وربما لن تردع رؤساء آخرين عن ارتكاب مثل هذه الجرائم، لأنهم يشعرون أنهم في حل من الالتزام تجاه المجتمع الدولي. وحتى لو صدرت أحكام بحقهم يمكن أن يفلتوا من العقاب. لكن برأيي المهم في الموضوع هو القرار الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فهذه خطوة هامة جداً لأنها تعني أن المجتمع الدولي سيبقى يلاحق المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت وترتكب حتى الآن في ليبيا. والنقطة المهمة الأخرى ليس فقط الرئيس الليبي هو المتهم وسيتم التحقيق معه، وإنما أفراد آخرين أيضاً من المقربين منه من أفراد حاشيته وربما عائلته ممن حوله سيلاحقون أيضاً. ما يعني أنه يمكن في المستقبل القريب أن يتم القبض على بعض هؤلاء ومحاكمتهم في حال نجح القذافي في الإفلات من العقاب أو التواجد في مكان بعيد عن المحكمة.
هل يمكن أن يكون للتحقيق والمحاكمة بحد ذاتها تأثير ونتائج سياسية ودبلوماسية، أم يجب إدانة القذافي أولاً حتى يكون للمحاكمة والحكم مفعول وانعكاس سياسي؟
الإدانة السياسية تمت من قبل أعلى هيئة تنفيذية لدى الأمم المتحدة. لكن المجتمع الدولي يريد أن يخطو الآن خطوة أخرى إلى الأمام ويقول بأن الإدانة السياسية لا تكفي ولا بد أن تكون هناك إدانة قضائية أيضاً، لأن هناك جرائم ترتكب. في السابق عندما لم تكن المحكمة موجودة، كانت الإدانة السياسية ترضي أو تخفف عن الذين هم ضحايا لانتهاك الحقوق والحريات. لكن الآن وبعد قيام المحكمة الجنائية الدولية ومباشرتها لأعمالها، أصبحت هناك إلى جانب الإدانة السياسية إدانة قضائية ايضاً، وهو ما نطمح إليه. وكل من يعمل في مجال حقوق الإنسان وجد في المحكمة مثالاً يمكن من خلاله إدانة كل من يرتكب جرائم ضد الإنسانية وخاصة تلك التي ينص عليها نظام المحكمة.
في حال إدانة رئيس دولة أو أركان نظامه، هل يحتم نظام المحكمة على الدول الأخرى والمجتمع الدولي قطع العلاقات الدبلوماسية مع تلك الدولة؟
طبعاً كل الدول الأطراف في المحكمة ملزمة بالقرارات التي تتخذها المحكمة، وإذا لم تلتزم بذلك ستحاسب بشكل أو بآخر. لكن هناك عدد لا بأس به من الدول لم يصادق على نظام روما، بمعنى يمكنها أن تتهرب من الالتزام بالقرار، وهذا ما شاهدناه لدى انتقال الرئيس السوداني بين عدد من الدول الأفريقية التي لم تلتزم بطلب المدعي العام للمحكمة وسمحت للبشير بزيارتها ودخوله إلى أراضيها وعودته إلى السودان. هنا يمكننا التحدث عن إدانة يمكن أن نسميها سياسية إلى جانب الإدانة التي يمكن أن نصفها بالأخلاقية من قبل المنظمات غير الحكومية وكل من يهتم بهذه القضايا.
أجرى الحوار: عارف جابو
مراجعة: عبده جميل المخلافي
د. محمد أمين الميدني: رئيس المركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وأستاذ زائر في جامعة ستراسبورغ بفرنسا، مدرس القانون الدولي.