دورتموند – تاريخ صناعي عريق ووجه حظاري جديد
٦ يونيو ٢٠١١اضطرت دورتموند أكثر من غيرها من المدن الألمانية في العقود الأخيرة للبحث عن طريق وتوجه جديدين. فقد كانت صناعة الفحم والحديد والصلب وكذلك قطاع صناعة البيرة تشكل، اعتبارا من منتصف القرن التاسع عشر، الأساس القوي للازدهار الاقتصادي في منطقة الرور، بيد أن انقراض المناجم الذي بدأ في مطلع ستينات القرن الماضي اجتاح دورتموند بكل قوة. وبالتدريج توقف قلب الصناعة الثقيلة عن الخفقان ما أسفر عن تسريح الآلاف من عمال المناجم لينظموا إلى جيش العاطلين عن العمل.
من غبار الفحم إلى التقنية الحديثة
بدلا من إدارة ظهورهم لموطنهم ومحاولة البحث عن فرصة أخرى في مكان آخر، شمّر سكان دورتموند عن سواعدهم من أجل الصمود أمام تحديات القرن الحادي والعشرين. ونجحوا في تحقيق ما يدعي بـ"التغيير الهيكلي". ورغم أن المهمة لم تكن سهلة، إلا أنها أتت بثمارها. فقد أعادت المنطقة بأسرها اكتشاف نفسها من جديد، وبدأت بالتركيز على القطاعات المستقبلية، مثل المعلوماتية والتقنية الدقيقة وقطاع النقل والطب الحيوي وصناعة الروبوتات.
استطاعت دورتموند أن تفرض نفسها كمنطقة واعدة للعلوم والإبداعات على الصعيدين المحلي والعالمي من خلال التخصص في تطوير تكنولوجيا المستقبل. ويلعب الدور الرئيسي هنا مشروع اسمه "مشروع دورتموند"، وهو مبادرة مشتركة بين المدينة والمؤسسات الاقتصادية والعلمية. وتمثلت أول خطوة في هذا الاتجاه في تأسيس جامعة دورتموند في عام 1968 والتي يدرس فيها حاليا قرابة 22 ألف طالب وطالبة.
رغم كل آفاق المستقبل الواعدة لم تتنكر دورتموند لماضيها العمالي وحافظت على ذكراه، إذ لم يتم تهديم المناجم المتوقفة عن العمل ومصانع الصلب المغلقة، بل أُحتفظ بها كرموز شامخة لمرحلة التصنيع السابقة. فالأماكن حيث كان الحديد يُصهر فيها، أصبحت اليوم مواقع للبحث العلمي أو للترفيه والرقص أو أحيلت إلى متحف صناعة المناجم الذي يعرض سمات هذه الحقبة الهامة. وقد كرّم الاتحاد الأوروبي منطقة الرور بأكملها ومنحها لقب "عاصمة أوروبا الثقافية عام 2009"
كرة القدم أكثر من مجرد هواية
وبغض النظر عن التغيرات الهيكلية المذكورة هناك شيء لن يتغير مطلقا في دورتموند: فعندما يُطلق حكم كرة القدم صفارة البداية في ملعب "سيغنال إيدونا بارك Signal Iduna Park "، حينها تخفق قلوب عشاق كرة القدم لصالح نادي المدينة العريق" بوروسيا دورتموند" ويلوحون بأعلام النادي ذي اللونين الأسود والأصفر.
وتكون الأجواء حماسية بشكل خاص في ما يدعي "لقاء منطقة الرور"، عندما يلتقي فريق "بوروسيا" بغريمه التقليدي "فريق شالكه 04 من مدينة غيلسنكيرشن المجاورة. في هذه المنطقة ذات التقاليد العمالية لا تعد كرة القدم مجرد هواية رياضية بل هي دين وعقيدة. وبهذا تظل العيون والأعصاب مشدودة إلى الكرة في واحد من أكبر وأجمل الملاعب في ألمانيا.
سوزانه كوردس
مراجعة: عبده جميل المخلافي/ (ط.أ)