ديموقراطية بلير في ظل الحرب على الإرهاب
٦ سبتمبر ٢٠٠٦بعد يوم واحد فقط على وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر دعا بلير في اجتماع لحزب العمال البريطاني إلى تشديد القوانين الأمنية ليس في بريطانيا وحدها، بل في العالم أجمع. أوضح بلير أن هدف ذلك هو عدم مصادرة الحريات الأساسية، بل كانت دعوة بلير تنصب آنذاك في منع إساءة استخدام هذه الحريات. وانطلاقاً من ذلك أعلن بلير عن قوانين إبعاد المشبه فيهم بالإرهاب عن بريطانيا وعن ضوابط جديدة لمنح اللجوء في بلده. ورغم أن بلير يرى ان بلده يفتخر بتقاليده في منح حق اللجوء للمضطهدين من قبل الأنظمة الدكتاتورية، فانه يجد ان من الضروري ان يتم حماية هذا الحق من الاستغلال. ونتيجة ذلك كانت إعلان بلير عن نيته آنذاك في إدخال تعديلات جذرية على نظام منح اللجوء السياسي.
في خندق واحد مع الولايات المتحدة
نتيجة لإحداث الحادي عشر من سبتمبر تعهد بلير باسم البريطانيين أن يقاتل مع الحليف التقليدي "الولايات المتحدة الأمريكية" في خندق واحد في الحرب على الإرهاب. وبينما أرسل بلير أولى طلائعه العسكرية لقتال القاعدة ونظام طالبان في أفغانستان، بدأ بلير حرباً أخرى ولكن هذه المرة على الجبهة الداخلية. فالنضال من اجل أمن بريطانيا والتقليل من مخاوف مواطنيها يعد بمثابة حرب أخرى على بلير أن يخوض غمارها. وكان من نتائج هذه الحرب التشريع المتعجل لقوانين جديدة في المملكة المتحدة، أسوة بالولايات المتحدة الأمريكية من شأنها أن تحسن الوضع الأمني في كلا البلدين. فقد شرعت واشنطن قانوناً جديداً، سمي بقانون الوطنية PATRIOT ACT، أما لندن فقد اكتفت آنذاك بالإعلان عن قانون للأمن ولمكافحة الإرهاب والجريمة ATCSA.
سلطات واسعة
منح القانون الجديد وزير الداخلية البريطاني (ديفيد بلونكت آنذاك) صلاحيات واسعة لإدراج الكثير من الأشخاص على قائمة الإرهابيين الدوليين المحتملين والقبض على المشتبه بهم من غير البريطانيين وإبعادهم عن بريطانيا. وقد اقرت الحكومة البريطانية هذه الإجراءات مستفيدةً من التخوف المتفشي بين البريطانيين من هجمات مماثلة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر. وساهم تغيير الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان بشكل استثنائي منذ عام 1950 والسماح باستثناءات في قانون الهجرة إلى بريطانيا في الاتفاق نسبياً على قبول هذه الإجراءات كأمر حتمي لابد منه.
وبمقتضى القانون الجديد حصلت الحكومة البريطانية للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية على الضوء الأخضر في القبض على المشتبه فيهم من دون توجيه إي اتهام محدد لهم. كما ان هذا القانون يحرم المتهمين بالإرهاب من حقهم في دفع الاتهامات الموجهة لهم. الحكومة البريطانية تعلل عدم نشر أدلة الإدانة في المحاكمة بالخوف على أمن البلد القومي وعمل الأجهزة الأمنية.
كان من شأن هجمات مدريد في 11 آذار/ مارس 2004، التي حصدت أرواح 192 شخصاً، ان تكون أسوء عملية إرهابية حدثت في القارة الأوروبية حتى اليوم. فقد هزت هذه الهجمات القارة العجوز وسببت صدمة كبيرة للحكومات والأجهزة الأمنية الأوروبية. تم تنفيذ هجمات القطارات في مدريد من قبل المعارضين للحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق، ففهمت على إنها أحدى تبعات تلك الخطوة الخاطئة التي كان لأسبانيا ان تقوم بدوراً فيها الى جنب الولايات المتحدة. وكان الربط بين هجمات مدريد وحرب العراق وحده كفيلاً في زيادة المخاوف البريطانية من انتقام تكون بريطانيا نفسها منطلقاً له. فبريطانيا كانت تحارب هي الأخرى في خندق واحد مع الولايات المتحدة في حربها على العراق وعلى الإرهاب.
وبينما كانت هجمات مدريد تشكل مدعاة للساسة البريطانيين في المطالبة بالمزيد من الإجراءات الملموسة، فقد تلقى قانون مكافحة الإرهاب البريطاني ضربة كبرى في ديسمبر/كانون الأول 2004، عندما أفتت لجنة مؤلفة من تسعة فقهاء قانونيين من أعضاء مجلس اللوردات، وهو بمثابة أعلى هيئة قضائية في بريطانيا، بأن قانون مكافحة الإرهاب يخالف القانون الأوروبي لحقوق الإنسان. ومناسبة الحدث كانت المطالبة بتحديد ذنب وعقوبة تسعة من المتهمين بالإرهاب، تم إلقاء القبض عليهم بموجب قانون مكافحة الإرهاب البريطاني من دون توجيه أية تهمة لهم. وإزاء ذلك أصدر بلير قانوناً جديداً لمكافحة الإرهاب سمي آنذاك "بقانون الوقاية من الإرهاب"".
قانون الوقاية من الإرهاب
رغم ان فقرات قانون الوقاية من الإرهاب الجديد قد تم وضعها على أسس القانون القديم، إلا انه قد تم صياغتها بشكل يجنبه الفشل أمام معارضة مجلس اللوردات البريطاني. وبموجب هذا القانون فقد حصل تشالز كلارك، الذي تولى حينها منصب وزير الداخلية، على صلاحية أكبر في فيما يتعلق بالتعامل مع المشتبه فيهم. فقد أجاز قانون الوقاية الجديد فرض الإقامة الجبرية على المشتبه فيهم وفرض منع التجوال عليهم، وحظر اجتماعهم ببعض الأشخاص أو استعمالهم لشبكة الانترنت والهواتف النقالة من تقديم طلب بذلك. كانت هذه الإجراءات في التعامل مع الأشخاص المشتبه فيهم تصب في تسهيل مهمة المراقبة من قبل الأجهزة الأمنية.
الجدير بالذكر ان القانون الجديد لاقى معارضة شديدة من قبل المعارضة، الأمر الذي تطلب تغيير مسودته مراراً. ولكن الاتفاق على إضافة فقرة جديدة للقانون تمكن من إعادة التقييم خلال عام واحد، أنهى الخلاف بين مؤيدين القانون ورافضيه. وفي شباط/فبراير 2006 أعلن كلارك عن عدم ضرورة إعادة التقييم وأجله الى عام 2007. بلير من جانبه دافع عن القانون الجديد معللاً ذلك بان حماية بلاده من الإرهاب يعد أولى أولويات. وكل شيء اخر، بل وحتى حماية الحقوق الأساسية، أصبحت حينها من الأمور الثانوية.
الإرهاب يصل بريطانيا
بالرغم من الكثير من الإجراءات الأمنية المشددة فقد وقعت لندن تحت طائلة هجمات إرهابية في 7 تموز/يوليو 2005، راح ضحيتها العديد من الضحايا. ففي ذلك اليوم تم تنفيذ أربع هجمات انتحارية أسفرت عن مقتل 52 شخصاً وأكثر من 700 جريحاً. فقد تحققت المخاوف البريطانية هي الأخرى من طبيعة التهديدات الإرهابية. وأصبح لدى الحكومة الدليل الكافي للبرهنة على أنها الصلاحيات التي منحت لها لك تكن كافية للوقاية من نار الإرهاب. فتم بذلك حشد التأييد لتشديد قوانين مكافحة الإرهاب ونتج 2006 عن هذه التجديدات صياغة جديدة لهذا القانون المثير للجدل.
درج القانون الجديد تأييد وتمجيد الإرهاب على قائمة المخالفات التي يمكن ان توجه للمشتبه فيهم، بعد أن تم توسيع نطاق التهم التي يعاقب عليها هذا القانون. ولكن القانون لم يسلم هو الآخر من معارضة برلمانية واسعة. فقد رفض الكثير من أعضاء مجلس العموم البريطاني فترة احتجاز المشتبه فيهم من غير محاكمة. الجدير بالذكر ان حكومة بلير كانت قد اقترحت تمديد هذه الفترة من 14 الى 90 يوماً. وللمرة الأولى مني بلير بهزيمة في مجلس العموم البريطاني، إذ تم تمديد فترة الاحتجاز لثمانية وعشرين يوماً فقط.
من وقت الى اخر تعلن سلطات مكافحة الإرهاب البريطانية عن إحباط الكثير من الهجمات الإرهابية بعد الحادي عشر من سبتمبر. كانت اخرها أربع هجمات في العام الماضي. كما ان حكومة بلير ما زالت تكرر ان تشريع قانون مكافحة الإرهاب الجديد والصلاحيات الواسعة قد جعلت بريطانيا اكثر أمناً. ولكن من جانب اخر فأن منظمات حقوق الإنسان ما تزال تتساءل ان كان ثمن هذا الأمن هو تضييق نطاق الحقوق الأساسية. الجدير بالذكر ان استطلاعاً للآراء اظهر ان 73 بالمائة من البريطانيين مستعدون لمبادلة حقوق المواطنة بالمزيد من الأمن.