سوريا: العدالة الانتقالية تغلق باب الثأر والانتقام
١٦ يناير ٢٠٢٥يقبع محمد كنجو الحسن رهن الاعتقال منذ ما يقرب من ثلاثة أسابيع. قامت قوات الحكومة الانتقالية السورية بقيادة أحمد الشرع باحتجاز الرئيس السابق للقضاء العسكري لنظام الأسد في نهاية كانون الأول/ديسمبر. خلال العملية بالقرب من مدينة طرطوس الساحلية، وقعت اشتباكات عنيفة مع قوات النظام السابقة، وقتل 14 جندياً من الحكومة الجديدة.
ويُعد الحسن حتى الآن أبرز شخصية من نظام الأسد تقع في قبضة الحكومة الانتقالية. ويواجه اتهامات بكونه المسؤول عن عمليات التعذيب في سجن صيدنايا سيئ السمعة. كما يُعتقد أنه وقع على آلاف أحكام الإعدام وابتز عائلات المعتقلين السوريين لتحقيق مكاسب شخصية.
ووفق تقارير إعلامية، تم اعتقال آخرين أقل رتبة من محمد كنجو الحسن من فلول النظام السوري. ففي حمص، اعتقلت قوات الحكومة حوالي 40 شخصية، من بينهم محمد نور الدين شلهوم، الذي يُقال إنه كان مسؤولاً عن نظام كاميرات المراقبة في سجن صيدنايا. وارتكب بعض المعتقلين مجزرة كرم الزيتون عام 2012 في وسط المدينة. حيث تعرض الحي في البداية للقصف، ثم اجتاحت قوات النظام المنطقة وقامت بتعذيب عشرات الأشخاص وقتلهم.
وفي حمص أيضاً، تم اعتقال عدة مئات من موظفي النظام السابق في بداية كانون الثاني/يناير. وكان من بينهم عناصر من الجماعات المسلحة التي كانت تقاتل في صفوف الأسد ولم تكن تريد التخلي عن أسلحتها. وكانت الحكومة الجديدة قد دعت جميع المسلحين إلى تسليم السلاح قبل أسبوع من تاريخ الحملة.
جرائم النظام
في غضون ذلك، تتكشف أرقام دقيقة عن الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد. ففي كانون الأول/ديسمبر الماضي، بعد أيام قليلة من سقوط الديكتاتورية، نشرت منظمة "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" توثيقاً أولياً للجرائم التي ارتكبتها حكومة الأسد خلال السنوات الـ14 الماضية.
وحسب التقرير، قتل النظام 202 ألف شخص بشكل تعسفي، بينهم أكثر من 23 ألف طفل و12 ألف امرأة. بالإضافة إلى ذلك، اختفى نحو 96 ألف شخص، بينهم 2,300 طفل و5,700 امرأة. وتوفي 15,000 شخص آخر نتيجة التعذيب.
تسعى الحكومة الانتقالية الآن إلى معالجة هذه الجرائم وغيرها من الانتهاكات. وقالت عبر موقع "تليغرام" باللغة العربية: "لن نتردد في محاسبة المجرمين والقتلة ورجال الأمن والجنود الذين شاركوا في تعذيب الشعب السوري". وأضافت أنه سيتم متابعة قضايا مجرمي الحرب ومطالبة الدول بتسليمهم إذا كانوا قد فروا إلى دول أجنبية.
في الواقع، لا يمكن استبعاد أن العديد من ممثلي النظام قد غادروا سوريا بالفعل، كما تقول بينتي شيلر، مديرة قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في "مؤسسة هاينريش بول" المقربة من حب الخضر الألماني وأضافت: "من كان قادراً على ذلك، فإنه من المحتمل أنه قد فعل ذلك بالفعل".
تحديات قانونية هائلة
هذا يجعل التعاون الدولي أكثر أهمية، كما تقول بنتي شيلر لـ DW. "جميع البلدان التي يمكن أن يفر إليها الجناة ملزمة الآن بتحديد هويتهم والمساهمة في الملاحقة القضائية. إذا كان ذلك ممكناً، فيجب أن يتم ذلك في سوريا، شريطة أن تكون البلد قادرة على القيام بذلك".
وأشارت الخبيرة الألمانية إلى أن من كانوا مسؤولين عن جرائم حقوق الإنسان في سوريا يجب أن يُحاكموا على أساس قانوني ومن خلال هيئات قضائية معترف بها. وأكدت أن هذا أمر ضروري على المدى الطويل. وقالت: "فبذلك تشير الحكومة الجديدة إلى أن هناك نظاماً قضائياً يمكن لجميع المواطنين اللجوء إليه. وهذا لا يمنع فقط اللجوء إلى العدالة الانتقامية، بل يعزز كذلك الثقة في الدولة بشكل عام".
دعم ألماني
ومع ذلك، فإن المهام هائلة. سوريا مدمرة اقتصادياً، والنظام القانوني الفعال يكلف المال. كما أن التجربة التاريخية للدول العربية الأخرى التي حكومات جديدة بعد العام الثوري 2011 ليست مشجعة للغاية: لم يتم التعامل بشكل شامل مع جرائم الأنظمة المخلوعة في مصر ولا في العراق ولا في اليمن ومحاسبة المسؤولين عنها.
لكن التحديات التي تنتظرسوريا ما بعد الأسد كبيرة جداً. سوريا تمر بأزمة اقتصادية خانقة، والنظام القضائي الفعّال يتطلب تمويلًا. كما أن تجارب الدول العربية بعد الربيع العربي 2011 لا تدعو للتفاؤل: فلم يتم معالجة الجرائم التي ارتكبها الأنظمة السابقة بشكل شامل في مصر أو العراق أو اليمن، ولم يتم محاسبة المسؤولين عنها.
بالإضافة إلى ذلك، انهارالنظام القانوني في سوريا تماماً، كما تقول منى غانم، رئيسة "منتدى المرأة السورية للسلام"، غير الحكومية، في مقابلة مع DW: "إذا أراد أحمد الشرع قيادة البلاد إلى عهد جديد من الناحية القانونية، فعليه تحديد نقاط الضعف وطلب المساعدة الدولية".
هذا الدعم يأتي الآن على الأقل من ألمانيا. في بداية هذا الأسبوع، أعلنت وزارة الخارجية الألمانية أنها ستواصل دعم "الآلية الدولية المحايدة والمستقلة - سوريا" (IIIM). منذ عام 2016، تقوم هذه الآلية بجمع الأدلة المتعلقة بالجرائم التي ارتُكبت في سوريا، وتوثيقها وحفظها للإجراءات القانونية. استناداً إلى هذه الأدلة، تمكنت السلطات القضائية الألمانية من متابعة انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي ارتكبها نظام الأسد. وستقدم وزارة الخارجية الألمانية مليون يورو لتعزيز عمل الآلية المستقلة.
وتؤكد بينتي شيلر، مديرة قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في "مؤسسة هاينريش بول" المقربة من حب الخضر الألماني، وجود خبرات سورية في مجال متابعة الجرائم المرتكبة من قبل النظام: "هناك العديد من المحامين السوريين الذين اشتغلوا هذه القضايا في السنوات الماضية".
أعده للعربية: علاء جمعة