عملية النرويج ـ هل باتت أووربا أرضا خصبة للتطرف والإرهاب؟
٢٨ يوليو ٢٠١١أثار الهجوم الدموي المزدوج الذي وقع في العاصمة النرويجية أوسلو نهاية الأسبوع الماضي نقاشا في كل أنحاء أوروبا حول نوع المناخ السياسي الذي ربما يكون قد تسبب في العمليتين اللتين أسفرتا عن مقتل 76 شخصا. وتركزت النقاشات عن وجود خلايا يمينية متطرفة قد تشكل تهديدا للأمن القومي. خاصة وأنه ووفقا لتصريحات قاضي التحقيق النرويجي كيم هيغر فإن أندرس بريفيك، منفذ الهجوم المزدوج، قد تحدث عن وجود خليتين إرهابيتين ناشطتين في النرويج.
ووفقا للمصدر نفسه فإن بريفيك أشار إلى وجود أشخاص آخرين ساعدوه في تنفيذ عمليته ولا يزالون طلقاء. هل أن هذه التصريحات من وحي خيال شخص يعاني من اضطراب في قدراته العقلية أم تربطه فعلا علاقات بأوساط يمنية متطرفة في النرويج وشمال أوروبا؟
اليمين المتطرف - تهديد للأمن والديمقراطية في أوروبا؟
في بيانه الذي نشره على شبكة الانترنت يتحدث بريفيك عن 80 شخصا وصفهم بـ "الشهداء" الذين بالإمكان أن ينشطوا في الخارج. كما تحدث بريفيك عن من وصفهم "بالمقاومين" وعن مفاعلات نووية في سويسرا كأهداف محتملة. ويبقى السؤال قائما ما إذا كانت علاقات تربط منفذ هجومي النرويج مع تنظيمات يمينية متطرفة في شمال وغرب أوروبا. ولكشف النقاب عن ذلك تعكف مكاتب تحقيق ألمانية وبريطانية في التحقيق في الإشارات المذكورة في البيان.
الأكيد أن بريفيك عضو في "حزب التقدم" اليميني في النرويج منذ عام 2006، وتولى مناصب قيادية في منظمات الشباب التابعة لها. وعقب الهجوم الذي أودى بحياة العشرات سارعت زيف يانزن، رئيسة "حزب التقدم"، إلى التنصل من كل علاقة ببريفيك. وبالرغم من أن هذا الحزب يشكل ثاني أكبر تكتل في البرلمان النرويجي إلا أنه لا يشارك في التشكيلة الحكومية. كما يُعرف عن "حزب التقدم" النرويجي بأنه قومي ويتّبع سياسية مُعادية للأجانب، حيث أنه يرفض الهجرة، إلا أنه لا يُحسب على أحزاب النازية الجديدة، حيث يقدّر خبراء أن عدد النازيين المعادين للسامية في النرويج بأنه لا يتجاوز 150 شخصا.
الباحث الألماني في التطرف هايو فونكه من الجامعة الحرة في برلين أصيب بالذهول والدهشة أن تكون النرويج بالذات مسرح عملية ينفذها يميني متطرف، لافتا إلى أن الأوساط اليمينية المتطرفة أكبر عددا وأكثر عنفا مثلا في السويد، الدولة المجاورة للنرويج. ويقول فونكه في حديث لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن نجاح الأحزاب اليمينية الشعبوية لا يمكن اعتباره محركا لأفراد لارتكاب أي جرائم أو عمليات إرهابية ولكنه يغذي من جو التطرف، مؤكدا أن الأوضاع في أوروبا تختلف من بلد إلى آخر.
شعبية الأحزاب اليمنية الشعوبية في أوروبا الغربية
وفي السويد مثلا تمكن "حزب السويد" اليميني من الدخول إلى البرلمان والحصول على عشرين مقعدا. ويطالب "حزب السويد" بدوره بتقليص نسب الهجرة، ولكنه يرفض العنف بحيث ندد رئيسه بالهجوم المزدوج في النرويج. وفي فنلندا تمكن حزب "الفلنديين الحقيقيين" من الحصول على 19 بالمائة من أصوات الناخبين خلال الانتخابات البرلمانية خلال مطلع هذا العام. وعلى الرغم من أن هذا الحزب يمثل ثالث قوة في البرلمان، إلا أنه ليس ممثلا في تشكيلة الحكومة الفنلندية. أما في الدنمرك فقد تمكن "الحزب الشعبي الدنمركي" من الحصول على حقائب وزارية وتمكن من تشديد قوانين الهجرة واللجوء في البلاد.
وفي هولندا تمكن السياسي اليمني خيرت فيلدرز المعروف بمعاداته للإسلام من تحقيق نجاح كبير خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة في هولندا، حيث تحول حزبه "حزب الحرية" من أن يتحول إلى ثالث قوة برلمانية. وعل الرغم من أن بريفيك كان أشاد في بيانه على شبكة الانترنت ب"حزب الحرية" الهولندي بأنه "حزب محافظ فعلا"، إلا أن خيرت فيلدرز أدان هجومي النرويج بشدة ووصف بريفيك بأنه "مختل عقليا". ونفى فيلدرز أن تكون هناك أي علاقة بين خطبه المنتقدة للإسلام والحادث، بحيث قال "أشعر بالاشمئزاز إزاء حقيقة أن الجاني يشير إلي وإلى حزب الحرية في بيانه".
اليمين المتطرف - نجاح ملحوظ في السنوات الأخيرة
وفي فرنسا اعتبرت مبادرة مناهضة العنصرية ومجموعة من الاشتراكيين البارزين أن الأحزاب اليمينية المتطرفة قد ساعدت في تمهيد الطريق للعمل الإرهابي الذي وقع في أوسلو. فيما رفض الحزب اليمني الشعبوي "حزب الجبهة الوطنية" فكرة أنه يحرض على الإرهاب. يذكر أن هذا الحزب، الذي يرفض الأجانب والإسلام والاتحاد الأوروبي، لم تفصله سوى نقطة واحدة عن حزب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال الانتخابات الجهوية.
وفي بلجيكا وسويسرا والنمسا وإيطاليا تنشط أيضا أحزاب يمينية شعوبية إلى درجة أن بعضها يشارك في تشكيلة بعض الحكومات فيها. أما في ألمانيا فلم يحظ أي حزب يميني شعبوي ولا يميني متطرف بنجاح يذكر على الصعيد الوطني. وتعتبر المجر البلد الأوروبي الوحيد، الذي تمكن فيه حزب يوصف بأنه قومي إلى درجة اعتباره يميني متطرف، من تشكيل حكومة. وبصفة عامة تمكنت الأحزاب اليمينية المتطرفة من زيادة مقاعدها داخل البرلمان الأوروبي خلال انتخابات عام 2009، حيث حصلت على 39 مقعدا لكنها فشلت في الاتفاق على تشكيل كتلة برلمانية.
بيرند ريغرت (ش.ع/ د.ب.أ، أ.ف.ب)
مراجعة: أحمد حسو