في العراق.. البابليون عرفوا كيف يبنون بيوتهم
١٠ أغسطس ٢٠١٢الموضوع ليس بالجديد، فمنذ عام 1991 والعراقيون يعانون من انقطاع التيار الكهربائي شبه المستمر تحت حر الصيف وبرد الشتاء. أصبحت الكهرباء كائنا بحد ذاته، يدخل البيوت، متى تشاء أصابع احد ما، يجلس تحت أجهزة التبريد في مؤسسات دوائر وزارة الكهرباء. أو أصابع صاحب المولدة الكهربائية عند بداية الشارع. وهذا يعتمد بالتأكيد على الدفع المباشر. الكهرباء تجارة.الكهرباء مأساة، الكهرباء معضلة، كابوس، شبح يظهر ويختفي. الموضوع ليس بالجديد، لكن هناك الجديد والجديد من أساليب إنتاج الطاقة ، فأين العراق منها؟
يقول احدهم إن الحق ليس على وزارة الكهرباء وحدها بل على ثقافة الاستهلاك أيضا، وأساليب البناء غير العصرية، التي لا توفر في الطاقة. إذن هناك مشكلة في ثقافة الاستهلاك، ثقافة البناء، ثقافة.. وثقافة، والقائمة تطول.
رئيس جمعية المهندسين العراقيين في ألمانيا الدكتور عبد اللطيف الشيخلي، أرجع السبب في نقص الطاقة الكهربائية في العراق إلى سوء التخطيط، فحسب رأيه، أن سوء التخطيطي يرجع إلى بداية الثمانينات من القرن الماضي، فعوامل عدة أثرت على التخطيطي السليم لمنظومة الطاقة الكهربائية في العراق، منها الحروب والمقاطعات الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. ويضيف" عدم التخطيط يعني نقص في الإنتاج المستقبلي وعدم القدرة على صيانة المحطات يشكل سببا رئيسا للنقص الذي عانى منه العراق، ويجب أن لا ننسى أن الإنسان الحديث يستهلك طاقة اكبر نتيجة دخول الأجهزة الحديثة والتكنولوجيا إلى البيوت".
بناء خاطئ
لكن اللوم لا ينصب في نقص الطاقة على مسألة إنتاج الطاقة فقط بل على كيفية استخدام الطاقة المنتجة. أحد أهم الأسباب التي تعود إلى نقص الطاقة هو عدم الاحتفاظ بها. عن ذلك يقول الاختصاصي في فن العمارة الدكتور فؤاد ال عواد حول أسلوب البناء في منطقة الشرق الأوسط " طبيعة ومواد البناء المستخدمة في الشرق الأوسط كارثية. فنحن نستخدم هناك الاسمنت أو الكونكريت، وطبيعة الجو هناك حارة وجافة. من المعروف أن الناس منذ القدم، كانوا يبنون بيوتهم بمواد الطين والحجر والأعشاب والخشب. وهي مواد من قلب الطبيعة نفسها". ثم يشير إلى أن الأسلوب الذي كان يتبعه الأقدمون يعتمد على فيزياء البناء. أما "الأسلوب الذي يبنى به حاليا، فهو عبارة عن أربعة جدران وسقف دون الانتباه إلى فتحات التهوية والخ من الأمور المهمة لتلطيف جو الغرف". وبهذا الأسلوب يفقد المنزل الحرارة في الشتاء ويحافظ عليها في الصيف، الأمر الذي يدفع للحاجة إلى الطاقة الكهربائية.
ويشير إلى قوة الضوء في منطقة الشرق الأوسط، ففي البيوت القديمة في بغداد أو حلب أو دمشق، تكون النوافذ صغيرة الحجم، ولا تسمح بدخول كمية كبيرة من الضوء، بعكس الوضع في أوروبا، النوافذ كبيرة لان الضوء ضعيف هنا. ويؤكد على" أن البناء هناك يجب أن يتناسب مع العوامل البيئية".
تشير التقديرات الأولية عن أن العراق بحاجة إلى أكثر من 14 ألف ميغاواط، والمتوفر حاليا عن طريق الإنتاج المحلي والمستورد هو تقريبا ستة آلاف ميغاواط، فهل هذه مهمة صعبة؟ عن ذلك يقول خبير الطاقة الدكتور عبد اللطيف الشيخلي إن هذه ليست بالمهمة الصعبة أبدا، إذا توفرت الإرادة الحقيقية لذلك. خاصة أن العراق لا يعني من مشكلة تمويل مثل هذه المشاريع التي ترفع من إنتاج العراق للطاقة. لكن السؤال يبقى أن كنا سنستعمل تكنولوجيا حديثة. ويضيف " لو أردنا أن نغطي أربعة عشر ألف ميغا واط يجب علينا أنتاج عشرين ألف ميغا واط لتغطية الخسارة الناتجة عن النقل والتوليد".
شكل المدن حسب البيئة
بناء المدن يؤثر على البيئة ويعتمد على البيئة أيضا بنفس الوقت، في ألمانيا يخطط المهندسون قبل بناء مدينة ما ويرسمون خطة "تسمى بالماستر بلان"، إذ يعرف اختصاصي فن العامرة الدكتور فؤاد ال عواد المخطط بقوله " مخطط عام يقوم على أسس بعيدة المدى، ليس لفترة خمس سنين أو عشرة ، بل لخمسين سنة وأكثر. وهو مخطط يلاءم التطور السكاني لهذه المدينة".
وأسوأ ما يحدث للمدن في منطقة الشرق الأوسط وبالذات العراق خلال الفترة الأخيرة هي عمليات قطع الأشجار والقضاء على المساحة الخضراء من بساتين ومزارع وتحويلها إلى مناطق سكنية من دون تخطيطي ومراقبة حكومية، بعكس ما هو الحال في ألمانيا، حيث يقول فؤاد ال عواد"في ألمانيا لا يسمح لك بقطع شجرة في حديقة بيتك، إلا بأذن من البلدية، وحتى البلدية لا تعطيك الحق لو كانت هذه الشجرة من عمر معين أو نوعية معينة". ثم يضيف"وهناك قانون يجزم بان لا تكون مساحة البناء أكثر من أربعين بالمائة من المساحة الخضراء التي تمتلكها" أي أن المساحة الخضراء تبقى هي الأكبر.
تخطيط المنازل لا يلاءم حجم العائلة، فقد تغير حجم العائلة في الشرق الأوسط ليصغر حجمها خلال العقود الماضية، كان الجميع يسكن في بيت واحد، أما بعد صغر حجمها، فقد انتقل كثيرون إلى السكن في البناء العمودي تاركين خلفهم البيت ذو الفناء الواسع والغرف المحيطة به، ما يشكل خطأ بحد ذاته، حسب قول الدكتور فؤاد "تم استنساخ خرائط البناء التي كانت متبعة في دول شرق أوروبا والتي كانت تلاءم الطقس البارد وتفعيلها في مناطق الشرق الأوسط الحارة، وهو خطأ كبير".
مصادر بديلة لإنتاج الطاقة
مصادر الطاقة البديلة ممكن أن تكون الطاقة الشمسية أو أن تكون الطاقة الحرارية، إذ يضرب الدكتور عبد اللطيف الشيخلي مثالا على مشروع لشركة ألمانية تقوم بأستغلال الطاقة المنتجة عن طريق فرق تحول الطاقة بين طاقة التبخر وطاقة التكثيف في الأجواء الاعتيادية، إذ يقول" التنوع البيئي والحراري في أجواء العراق بين شماله وجنوبه يوفر مكانا ملائما لتطوير مثل هذه التكنولوجيا لإنتاج الطاقة". ويذكر أن مؤسسات ألمانية مالية وصناعية كبيرة تبنت مشروع دزيرتيك في شمال أفريقا لإنتاج الطاقة الكهربائية عن طريق الطاقة الشمسية ونقلها إلى أوروبا. لكن كلفة المشروع حسب رأي الدكتور عبد اللطيف كبيرة، بعكس مشروع إنتاج الطاقة عن طريق البخار المكثف.
كمية الكهرباء التي تقوم باستهلاكها بعض الأجهزة المستوردة كبيرة جدا، حسب رأي الصحفي عماد الخفاجي، من مدينة بابل، والذي قال " إن دوائر الدول على علم بهذا الموضوع لكنها لا تقوم بالخطوات اللازمة للسيطرة على استيراد مثل هذه الأجهزة". وكنا قد حاولنا الاتصال بوزارة الكهرباء، لكن صفحتها الالكترونية لا تعمل، كما بعثنا برسالتين عن طريق البريد الالكتروني إلى وزارة الإسكان والأعمار، إلى مكتب الإعلام التابع للوزارة والى الوزير نفسه، للمشاركة في الحوار لكننا لم نحصل على أي رد.
في الختام ذكر الدكتور فؤاد ال عواد، أن الحل يكمن بالعودة إلى مواد البناء وأسلوب البناء القديم. لأنها الطرق الأمثل للتغلب على ارتفاع درجات الحرارة العالية في منطقة الشرق الأوسط. كما يجب توفير الظلال في الشوارع من خلال تشجيرها، ففي ألمانيا يتم تخطيط الإحياء السكنية ليكون جزءا من هذا الحي اخضرا.
أما الدكتور عبد اللطيف فقد أشار إلى أن الحل يكمن في استيراد التكنولوجيا الحديثة لإنتاج الطاقة والعراق يمتلك موارد مادية وطبيعة تمكنه من إنتاج الطاقة بشكل كبير. لكن الأساس، حسب رأيه يعود إلى التوعية في استهلاك الطاقة التي يجب إن تمارسها الدولة والفرد في العراق.
الصحفي عماد الخفاجي ذكر من بابل، كيف أن أسلوب البناء البابلي القديم والذي يعتمد على الأقواس والأسقف العالية ونظام العزل بالفناء المتعدد والمواد الطينية المستخدمة في البناء يوفر أجواء جميلة وباردة في عز صيف شهر تموز بالعراق، فهو يتجول أحيانا في الآثار القديمة لمدينة بابل التاريخية، حيث أن الأجواء ابرد بكثير من أجواء مدينة الحلة، حيث يعيش، حيث المدن الإسمنتية الحارة.
عباس الخشالي
مراجعة: ياسر أبو معيلق