قرارات المحكمة الدولية بشأن البشير والقذافي تحت المجهر
١٢ يوليو ٢٠١١شهدت مداولات مؤتمر دولي إعلامي نظم الأسبوع الماضي في غابورون عاصمة بوتسوانا بالتعاون مع وزارة الخارجية الألمانية، جدلا واسعا بين المشاركين فيه من إعلاميين وخبراء وممثلين عن المحكمة الجنائية الدولية، وذلك حول آليات عمل المحكمة الجنائية الدولية.
المؤتمر عقد بعنوان "المعركة ضد الإفلات من العقوبة :اختراق الجدار الصلب" وشارك فيه عشرات الخبراء والإعلاميين الأفارقة وممثلون عن الخارجية الأميركية والاتحاد الافريقي، وتركزت مداولاته حول مذكرتي التوقيف الصادرتين بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير والعقيد الليبي معمر القذافي.
رئيس فرع محكمة الجنايات الدولية في برلين توماس شتريدر قال في سياق حديثه عن استصدار مذكرتي التوقيف ضد الرئيس البشير والعقيد القذافي ومن معه(ابنه سيف ومدير مخابراته) :"إن القضاء الدولي لمحاكمة الجرائم ضد الإنسانية لم يبدأ اليوم و إنما يؤرخ له منذ محاكم نورنبرغ في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ومن حق المحكمة الجنائية الدولية بناء على ميثاق روما أن تتعامل مع الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها البشير والقذافي بالصرامة التي دفعتها لاستصدار قرار الإيقاف".
جدل حول حيادية المحكمة الجنائية الدولية
تركزت أسئلة الصحافيين الموجهة لممثلي محكمة الجنايات الدولية خلال المؤتمر الإعلامي في بوتسوانا عن "قضاء انتقائي يستهدف الأفارقة دون غيرهم من دول العالم المتقدم". ووصف بعضهم ما يجري داخل محكمة الجنايات الدولية بأنه عدالة الأقوياء على الضعفاء. وعبر بعضهم الآخر عن هذه الانتقائية بقوله إن :"محكمة الجنايات الدولية تؤسس لاستعمار جديد بألوان وصيغ متجددة " وهو ما دعا القاضية في محكمة الجنايات الدولية سانجي موناغينغ للرد على مثل هذه الاتهامات بالقول:"ليس هناك أي دوافع أو حسابات سياسية في خصوص مذكرات التوقيف المتعلقة بالرئيس البشير والعقيد القذافي وابنه و مدير مخابراته. اعتمدنا في استصدار هذا القرار على ميثاق روما، و الأدلة المتوفرة لدينا وبعد التحقيق في الجرائم المرتكبة من قبل هذين الشخصين تحتم محاكمتهما."
و أضافت القاضية سانجي موناغينغ في ردها على الانتقادات المتعلقة بطريقة عمل محكمة الجنايات الدولية انه لا وجود لمزاعم استهداف للأفارقة بل إن ما يجعل الأفارقة هم الأكثر حضورا في مذكرات التوقيف هو العنف المتزايد في إفريقيا إضافة إلى أن الدول الإفريقية هي الكتلة الأكبر من الموقعين على ميثاق روما.
وبشأن ملاحظات بعض المشاركين في المؤتمر، بشأن"كيل بمكيالين" في عمل الحكمة الجنائية الدولية، قال دابو اكاندي نائب مدير معهد اكسفورد لأخلاقيات القانون والصراعات المسلحة إن البشير والقذافي ارتكبا جرائم وفق تقديرات الجنائية الدولية ضد شعوبهما وعليهما أن يمثلا أمام المحكمة الجنائية الدولية. لكن دابو اكاندي ألمح في ذات السياق إلى بعض القلق تجاه الانتقائية و قال إن هذه الانتقائية يفرضها وضع القوى الحالي في النظام العالمي.
أما أكثر المنتقدين للمداخلات التي قدمها ممثلو المحكمة الجنائية الدولية فهو المحلل السياسي السوداني الجنسية سيف الدين البشير رئيس تحرير صحيفة "سودان فيزيون" الذي وصف ما يجري في صلب المحكمة الدولية بأنه أزمة يعاني منها هذا الجهازلاسيما تجاه إفريقيا وخاصة بعد إصدار مذكرة الإيقاف ضد البشير. وصرح سيف الدين البشير في هذا السياق لموقع دويتشه فيله: "في اعتقادي أن خطوة توقيف الرئيس السوداني عمر البشير لم تكن محسوبة من قبل محكمة الجنايات الدولية. هذه الخطوة هي موقف أميركي غربي ظل يترصد الحكم في السودان عبر فواصل إيديولوجية واقتصادية."
وقال سيف البشير، متوجها للمتحدثين من محكمة الجنايات الدولية خلال المؤتمر، إن النزاع في دارفور كان سابقا لحكم البشير بأكثر من عشرين سنة وأن الشهادات التي تم اعتمادها لتجريم الرئيس البشير هي "شهادات سماعية واهية و مغلوطة لضحايا أفارقة و بعضها لمتمردين أن محكمة الجنايات الدولية لم تعتمد في تحقيقاتها على زيارة ميدانية للسودان واستقصاء عميق في حقيقة ما يحصل في دارفور".
وفي مذكرتها بالتوقيف ضد الرئيس البشير أكدت المحكمة الجنائية الدولية أنه مطلوب للعدالة في تورطه في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، تشمل الاغتصاب على نطاق موسع، والقتل، والتعذيب، ضمن مخطط الحكومة. ويستند قرار المحكمة إلى توصيات لجنة تقصي دولية شكلها مجلس الأمن الدولي، انتهت إلى أن انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان مستمرة في دارفور وأن نظام العدالة السوداني غير مستعد وغير قادر على التصدي لهذه الجرائم. وكان ملف دارفور الأول من نوعه يُحال من مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية سنة 2005.
عقبات أمام المحكمة الجنائية الدولية
اتفق المتحدثون المشاركون في المؤتمر الإعلامي الدولي حول محكمة الجنايات الدولية الذي تنظمه منظمة وايامو للاتصال في مدينة غابورون عاصمة بوتسوانا على أن محكمة الجنايات الدولية تصطدم في عملها اليومي بالعديد من التحديات التي تعيق عملها بنجاعة. ولعل أول التحديات التي شدد عليها المتحدثون هي احجام دول كبرى لاسيما تلك الدائمة العضوية في مجلس الأمن في الانضمام إلى ميثاق روما. و قد وجه بعضهم الدعوة إلى هذه الدول خاصة منها الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا بالاضافة للهند للالتحاق بمحكمة الجنايات الدولية.
أما التحدي الثاني الذي تم التطرق له خلال مداولات المؤتمر، فهو أن المحكمة الجنائية الدولية لا تملك آليات لتطبيق أوامر التوقيف مثل ما حدث بالنسبة لمذكرة توقيف الرئيس البشير والعقيد القذافي ومن معه من المتهمين في جرائم ارتكبت خلال الصراع المتواصل في ليبيا، إضافة إلى المتمرد الاوغندي كوني.
كماتيواجه المحكمة الجنائية الدولية عدم التزام بقراراتها من قبل بعض الدول الموقعة على اتفاق روما. وذكر عدد من المشاركين في المؤتمر، حالات مثل، زيارات الرئيس البشير إلى بعض من الدول الإفريقية على غرار تشاد و كينيا وهما عضوان في المحكمة الجنائية الدولية لكن لم تبادر أي منهما بتنفيذ قرارات المحكمة عبر القبض على البشير.
وبرأي خبير من الاتحاد الافريقي تأييد عمل المحكمة الجنائية الدولية وضرورة محاصرة المجرمين والوقوف ضد إفلاتهم من العقاب، لكن ذلك لا يقلل من الانتقادات حول الازدواجية في المعايير في عمل المحكمة وتجاهل مجلس الأمن الدولي مثلا لطلب الاتحاد الإفريقي بإرجاء أمر توقيف البشير لمدة عام لإكمال عملية السلام في السودان .
مبروكة خذير– غابورون / بوتسوانا
مراجعة: منصف السليمي