لماذا تعيّن على ترامب الانتظار حتى 20 يناير لتولي منصبه؟
١٩ يناير ٢٠٢٥لقد مر نحو شهرين ونصف منذ فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، لكنه لن يُنصّب رئيساً للبلاد حتى 20 يناير/ كانون الثاني. فلماذا هذا الانتظار الطويل؟ السبب في ذلك يعود إلى أحداث تاريخية ذات طبيعة خاصة.
ومثل العديد من جوانب الحياة السياسية الأمريكية، فإن الجدول الزمني من نوفمبر/ تشرين الثاني إلى يناير/ كانون الثاني، أي من الانتخابات إلى التنصيب الموضح في دستور الولايات المتحدة له جذوره في اللوجستيات التاريخية.
في حديثه لـ DW قال مايكل بيركمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة إن هذا الأمر "أشبه نوعاً ما بتقليد تاريخي" خاص بالولايات المتحدة. لأكثر من قرن، كانت الولايات المتحدة تنتظر حتى مارس/ آذار لتنصيب رئيسها الجديد، مما قد يترك في السلطة إدارة تم التصويت على انتهاء ولايتها مدة أربعة أشهر أخرى.
لقد تغير دور نائب الرئيس
ولكن تغير ذلك في عام 1933، مع التصديق على التعديل العشرين لدستور الولايات المتحدة، خلال ذروة الكساد الأعظم، والذي تسبب في تقديم يوم التنصيب من 4 مارس/ آذار إلى 20 يناير/ كانون الثاني. في ذلك الوقت، كانت البلاد تعاني من معدل بطالة بنسبة 25%، وهو أعلى معدل بطالة مسجل في تاريخ الولايات المتحدة.
وكان الرئيس المنتخب وقتها فرانكلين د. روزفلت ينتظر تولي منصبه، بينما كان الرئيس المنتهية ولايته هربرت هوفر "على وشك مغادرة البيت الأبيض"، حسبما كتب مات داليك، المؤرخ وأستاذ الإدارة السياسية في جامعة جورج واشنطن بالولايات المتحدة، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى DW. وقال إن هذه الخطوة جاءت "للحد من فرص حدوث فوضى وعدم استقرار وحكومة بلا قيادة".
وقبل إدخال هذا التغيير، كان حفل تنصيب الرئيس الجديد في مارس/ آذار يخدم غرضاً لوجستياً. "كان الأمر يستغرق وقتاً طويلاً من أجل الوصول من الولايات الثلاث عشرة الأصلية إلى نيويورك لحضور حفل التنصيب"، حسبما قال بيركمان، في إشارة إلى المستعمرات الثلاث عشرة التي كانت موجودة عند إقرار دستور الولايات المتحدة في عام 1789. وأوضح الخبير أن وقت السفر إلى مركز الحكومة الأمريكية، الذي كان في ذلك الوقت يقع في مدينة نيويورك، لعب الدور الكبير في كيفية تشكيل الحكومة بأكملها وعملياتها.
التصديق على نتائج الانتخابات
وعلى عكس بلدان أخرى، التي بها لجان انتخابات مركزية تشرف على عملية اختيار حكومة وطنية جديدة، تدير كل ولاية من الولايات الخمسين إجراءات الانتخابات الرئاسية الأمريكية بنفسها داخل حدودها. وهذا يؤدي إلى مجموعة متنوعة من القواعد والإجراءات ويعني أن فرز الأصوات قد يتم بسرعة في بعض الأماكن أو يكون أبطأ بكثير في أماكن أخرى.
ولهذا السبب كان التنبؤ بالفائز يقع تاريخياً على عاتق مراقبي وسائل الإعلام، على الرغم من أن توقعاتها تكون غير رسمية. وبعد ليلة الانتخابات، تبدأ عملية التصديق. يتضمن الأمر مهاماً مثل فحص البطاقات التي تم رفضها من قبل ماكينات الانتخاب، وعدّ البطاقات التي وصلت بعد موعد الانتخابات الرسمية (على سبيل المثال أصوات المواطنين الأمريكيين المقيمين في الخارج)، ومعالجة أي نزاعات تتعلق بعدّ الأصوات داخل الولاية أو المحليات التابعة لها.
مثال على هذه النزاعات حدثت في الانتخابات الأمريكية لعام 2000 بين الديمقراطي ألبرت أرنولد آل غور والجمهوري جورج بوش الابن، حيث طلبت حملة آل غور إعادة فرز الأصوات في فلوريدا. وبعد رفع دعاوي قضائية متعددة على مستوى الولاية، حكمت المحكمة العليا برفض الطلب في 9 ديسمبر/ كانون الأول عام 2000.
وفي عام 2020 بدأ فريق ترامب عشرات الإجراءات القانونية، على الرغم من تأييد اعتراض واحد فقط لم يكن له أي تأثير على فوز بايدن في الانتخابات، ولكن لهذه الأسباب فإن الفجوة الزمنية بين الانتخابات والتنصيب لها فوائدها.
نائبة الرئيس كامالا هاريس صادقت على هزيمتها
بعد تسوية كافة النزاعات وفرز النتائج، يتم إرسالها للتصديق عليها من قبل حاكم كل ولاية. وعلى عكس معظم البلدان الأخرى، لا يتم انتخاب رؤساء الولايات المتحدة بأغلبية أصوات السكان ولكن من قبل الناخبين من المجمع الانتخابي الأمريكي. فعندما يصوت المواطنون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإنهم لا يصوتون في الواقع للرئيس بل لناخبي الولاية بما يعرف بـ"المجمع الانتخابي" .
يطبق نظام "الفائز يأخذ كل شيء" في 48 ولاية أمريكية وكذلك مقاطعة كولومبيا (واشنطن العاصمة) ووفق هذا النظام فإن أي مرشح يفوز بمعظم الأصوات الشعبية في أي ولاية من هذه الولايات سيفوز بجميع أصوات المجمع الانتخابي للولاية.
وهناك ولايتان فقط لا تطبقان هذا النظام وهما ولاية ماين وولاية نبراسكا؛ إذ يتم فيهما منح صوتان من أصوات المجمع الانتخابي للمرشح الفائز بالأصوات الشعبية في الولاية، أما بقية أصوات المجمع الانتخابي فيحصل عليها من يفوز في انتخابات الكونغرس في كل مقاطعة انتخابية من مقاطعات الولايتين المذكورتين.
ويجتمع أعضاء المجمع الانتخابي للإدلاء بأصواتهم الانتخابية الرسمية في منتصف ديسمبر/ كانون الأول. وتُرسل أصواتهم إلى الكونغرس. يجتمع الكونغرس في السادس من يناير/ كانون الثاني لفرز الأصوات الانتخابية التي حصلوا عليها من الولايات الخمسين ومقاطعة كولومبيا. ويرأس نائب الرئيس الأمريكي عملية التصديق ويعلن بعدها عن الرئيس الجديد.
وهذا يعني أن كامالا هاريس أشرفت على التصديق على هزيمتها، وهو شرف مهين لم يتقاسمه معها حتى الآن سوى الديمقراطي آل غور في عام 2001 والجمهوري ريتشارد نيكسون في عام 1960.
جو بايدن وفترة "البطة العرجاء"
عندما يُهزم رئيس أمريكي حالي أو لا يترشح للانتخابات، تُعرف فترة الشهرين ونصف بين الانتخابات وتنصيب الرئيس الجديد بفترة "البطة العرجاء". وفترة "البطة العرجاء" هي فترة يتم فيها التعاون بين الرئيس المغادر والرئيس المنتخب لضمان انتقال سلمي وسلس للسلطة. ومع ذلك، فقد انتهك دونالد ترامب هذا التقليد قبل أربع سنوات عندما أشعل أحداث الشغب في 6 يناير/كانون الثاني. كما تمثل هذه الفترة فرصة للرئيس المنتهية ولايته لاتخاذ قراراته الأخيرة في الحكم. وخلال فترته الأخيرة، أصدر جو بايدن سلسلة من مراسيم العفو الرئاسي، شملت ابنه، وقدم جوائزه المدنية الأخيرة.
كما قام جو بايدن خلال فترة "البطة العرجاء" بتمديد تدابير سياسية، منها حظر التنقيب عن النفط والغاز في ما يقرب من مليون ميل مربع من المياه البحرية الأمريكية، وهو ما يمثل عقبة في طريق وعد ترامب بالتوسع في التنقيب ورفع شعار "التنقيب ثم التنقيب ثم التنقيب" عندما يتولى الرئاسة. كما عرقل بايدن محاولة استحواذ شركة نيبون ستيل اليابانية على شركة يو إس ستيل الأمريكية.
وفي بعض الأحيان يطلق على الرئيس في ولايته الثانية والأخيرة، وفقاً للدستور، "بطة عرجاء" منذ اليوم الأول، وهو وضع ينطبق على ترامب الآن، كما حدث خلال فترة باراك أوباما وجورج بوش ومن قبله بيل كلينتون.
نقله إلى العربية: صلاح شرارة