لينا بن مهني: لن نعود إلى المطبخ
١٠ يونيو ٢٠١١شاركت مع أسرتي في نهاية شهر كانون الثاني/ يناير في مظاهرة دعت إليها منظمات نسائية وعدد من منظمات حقوق الإنسان. كانت المظاهرة على درجة عالية من التنظيم، حيث كانت وزارة الداخلية على علم بها وقامت بإتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة لحماية المشاركين فيها.
لكن انخرط عدد من المعارضين الغاضبين في وسط المظاهرة السلمية وأطلقوا شعارات بذيئة مثل "عدن إلى المطبخ أيتها العاهرات" و" ماذا تردن؟ هل تردن أن تصبحن رجالاً". كما قاموا بمقارنتنا بليلى الطرابلسي، زوجة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي عانى الشعب التونسي أكثر من عشرين عاماً في ظل حكمه، والمسؤول عن القمع وغياب العدل.
ليس هذا فحسب، بل حاولوا أيضاً مهاجمة بعض النساء. وهدد أحد هؤلاء "المجانين" سيدة مع إبنتيها قائلاً "سأنال منكِ أيتها الكلبة، وسأهتك عرضك هذه الليلة". وبفضل ذكاء بعض المتظاهرات إستطعنا منع المهاجمين من تعطيل مسيرة المظاهرة، وانصرفوا بعيداً عنا.
كثرت في الآونة الأخيرة مثل هذه الحوادث، فكل مرة تقوم فيها منظمات غير حكومية أو بعض الأشخاص بتنظيم مظاهرة للمطالبة بحقوق المرأة وتحقيق المساواة، تقوم بعض المجموعات الصغيرة بالازعاج ومحاولة إثارة أعمال الشغب والاضطراب في المظاهرة.
مظاهر جديدة تتخلل المظاهرات السلمية
وفي نهاية شهر كانون الثاني /يناير الماضي قمت مع عدد من المدونين بتنظيم وقفة سلمية لمدة ساعتين حداداً على أرواح شهداء الثورة، حيث قمنا بإشعال الشموع وحمل الورود. وقد شارك مئات التونسيين في هذه الوقفة السلمية، لقد كان مشهداً مؤثراً للغاية رؤية التونسيين متحدين رغم كل الفروق والإختلافات.
ولكن حاول بعض الأشخاص مرة أخرى القيام بأعمال شغب، كان بعضهم تحت تأثير الكحول وصرخوا في وجه المتظاهرين وطالبوهم بقراءة الفاتحة بدلاً من إشعال الشموع التي داسوها بأقدامهم. ولحسن الحظ استطاع أبي وأحد أصدقائي من المحامين إقناع هؤلاء المشاغبين بمغادرة المكان، قبل أن يقوموا بإثارة المزيد من المشاكل.
تعرضت هناء طرابلسي وهي مدونة وصديقة مقربة مني في منتصف شهر شباط/ فبراير الماضي، لهجوم في الشارع الرئيسي في تونس، حيث سمعت صوت إطلاق نار من ناحية شارع بورقيبة، عندما كانت تشارك في وقفة سلمية في القصبة؛ فركضت باتجاه الشارع الرئيسي لمعرفة مصدر إطلاق النار. وتبين أن بعض المتظاهرين في القصبة قرروا متابعة مسيرتهم باتجاه مركز المدينة، فقامت مجموعة من المشاغبين بإستغلال هذا الأمر للإعتداء على المتظاهرين.
هذا وهاجم أحد رجال الشرطة هناء بوحشية عندما قامت بإلتقاط الصور لطالب يدعى جوهر شنا، أُصيب بطلق ناري في ساقه، وفي تلك الأثناء كان هناك بعض المجرمين، الذين يحاولون إقتحام محل للمجوهرات، فهددهم جوهر قائلاً: "إنها (هناء) تلتقط صوراً لكم، لديها الأدلة التي تثبت أنكم مجرمون وستعطيها للشرطة التي ستعتقلكم". بعدها بدقيقة قام المجرمون بالإعتداء على هناء وسرقوا منها الكاميرا وما تحمله من نقود، بل وحتى سلبوها مفاتيحها.
لا استطيع القول بأن هناء تعرضت لهذا الإعتداء لأنها إمراة. لكنني فوجئت بالتعليقات التمييزية والمعادية للمرأة عندما قمت بنشر الفيديو الذي تتحدث فيه هناء عن الواقعة على شبكة الإنترنت. فبدلاً من التعليق على هجوم المجرمين، تضمنت بعض التعليقات شتائم، ودارالحديث عن وجوب بقاء المرأة في المنزل بدلاً من إ ثارة الشغب في الشوارع والتقاط الصور.
مشاركة فاعلة للمرأة في الثورة
على الرغم من هذه الحوادث، يقوم التونسيون في هذه المرحلة ببناء البلاد خطوة خطوة. ومازال الناس يواصلوان الضغط على الحكومة والخروج في مظاهرات للتعبير عن رفضهم للقرارات التي تحاول الحكومة الإنتقالية فرضها عليهم.
لعبت المرأة دوراً هاماً أثناء الثورة التى أطاحت ببن علي ومازالت حاضرة بقوة في كل الإحتجاجات التي بدأت منذ يوم 14 كانون الثاني/ يناير. إذ أنها شاركت كأم راح أبناؤها ضحية لرصاص الشرطة التونسية وكطبيبة وكممرضة هرعت لمعالجة المصابين الذين سقطوا أثناء الثورة. وهي تلك المحامية التي ثارت ضد نظام بن علي، متحدية قمع الشرطة وضربات الهروات. كما وهي المدونة التي تعرضت للعنف والهجوم، كما كانت ضحية الإعتداء الجنسي من قبل بعض رجال الشرطة أثناء الثورة، وهي مازالت تواصل الكفاح من أجل الحرية.
المرأة هي التي نزلت نزلت إلى الشارع وقامت بإعداد الطعام وإحضاره للقصبة لدعم المتظاهرين، كما شاركت في الوقفات الاحتجاجية السلمية من أجل المطالبة بتغيير الحكومة وإجراء الإنتخابات وتشكيل لجنة لصياغة الدستور. وعلاوة على ذلك كانت المرأة ضحية لرصاص الشرطة مثل منال ونرجس ويقين.
لدى لينا بن مهني مدونة تُدعى "بنية تونسية"، في بداياتها كانت تكتب عن إنطباعتها الشخصية ومشاعرها قبل أن تهتم بالمواضيع السياسية. والآن تركز بن مهني (27 عاماً) في كتاباتها على المشاكل الحياتية في تونس. وهي واحدة من الشخصيات التي لعبت دوراً جوهرياً أثناء الثورة التونسية.
وتكريماً لمقالاتها الجريئة حصلت على جائزة دويتشه فيله للمدونات "The BOBs" لعام 2011.
الكاتب: لينا بن مهني
ترجمة: مي المهدي
مراجعة: عارف جابو