ماذا تبقى من الانتخابات السودانية بعد مقاطعة أحزاب المعارضة الرئيسية لها؟
٨ أبريل ٢٠١٠في خطوة تزيد من الغموض المتكاثف حول مستقبل الانتخابات السودانية ومعها مجمل العملية السياسية في البلاد، أعلن حزب الأمة السوداني بزعامة الصادق المهدي أمس الأربعاء (7 ابريل/نيسان) مقاطعة الانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية المقرر أن تبدأ الأحد المقبل(11 ابريل/نيسان)، وذلك بعد يومين من الاجتماعات. ويأتي هذا الإعلان بعد انتهاء مهلة حددها الحزب لمفوضية الانتخابات وانتهت أمس الأول الثلاثاء، "لتحقيق شروط تتعلق بالنزاهة والحيادية".
وبذلك ينضم حزب الأمة إلى معسكر الأحزاب التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات، وعلى رأسها الحركة الشعبية لتحرير السودان، أكبر الأحزاب السياسية في الجنوب، والتي أعلنت مقاطعتها للانتخابات الرئاسية والنيابية باستثناء دوائر الجنوب. إضافة إلى الحزب الشيوعي وحزب الأمة - الإصلاح والتجديد وأحزاب أخرى اصغر.
وبالرغم من أن أحزابا معارضةً أخرى أعلنت مشاركتها في الانتخابات، مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي والمؤتمر الشعبي والتحالف الوطني السوداني، فإن قرار حزب الأمة يأتي ليزيد الغموض الذي يلف العملية الانتخابية في السودان، ويثير الكثير من التساؤلات حول مصيرها والواقع الذي ستفرزه.
مخاوف من مواجهة نتائج الانتخابات؟
وفي مقابلة مع دويتشه فيله يستبعد ماهر أبو جوخ، رئيس القسم السياسي في صحيفة "السوداني"، أن يكون عدم ضمان النزاهة هو السبب الحقيقي الوحيد لقرار حزب الأمة، فمن وجهة نظر أبو جوخ يعاني الحزب منذ فترة من الانقسامات الداخلية وشح في الموارد الذاتية، مما أضعف مصداقيته لدى الناخب، لذلك ـ والكلام مازال لأبو جوخ ـ فإن قرار الحزب يعود في جزء منه على الأقل إلى تخوفه من أن تظهر نتيجة الاقتراع عدم تحقيقه للأغلبية الديمقراطية التي يراهن عليها، إذ طالما وصف الحزب نفسه بأنه صاحب أكبر أغلبية ديمقراطية.
لكن قرار الحزب بالمقاطعة لا يضعها تلقائيا في خندق واحد مع الحركة الشعبية، كما يلاحظ أبو جوخ، فالمشهد السياسي السوداني أكثر تشظيا وتعقيدا من رسمه في صورة معسكرين هما الحكومة والمعارضة فقط. فرغم أن كلا الحزبين عضوين في تحالف الأحزاب المعارضة الذي بات يعرف بمؤتمر جوبا إلا أن لدى الحركة مخاوف قديمة من موقف المهدي رئيس حزب الأمة المعارض لحق الجنوبيين في تقرير المصير. بل أن التطورات الأخيرة المتمثلة في إعلان الأحزاب منفصلة مقاطعتها للانتخابات هي بمثابة "إعلان وفاة" لتحالف مؤتمر جوبا، كما يرى أبو جوخ، فالتحالف قام على تنسيق المواقف والجهود، وما يحدث الآن هو انفراد كل حزب بموقف خاص به.
انتقادات لموقف المعارضة المقاطعة للانتخابات
وبصرف النظر عن مصير الانتخابات السودانية فالواضح أنها فقدت الكثير من زخمها، لاسيما بعد إعلان ياسر عرمان، مرشح الحركة الشعبية للانتخابات الرئاسية، انسحابه من السباق قبل أسبوع. فقد عقد كثير من الشباب الذين يشاركون في الانتخابات لأول مرة الآمال على قيام سباق رئاسي حقيقي، وإمكانية تحقيق تغيير عبر العملية الانتخابية، خاصة وأن عرمان كان أقوى منافسي الرئيس الحالي عمر البشير. لذلك ينتقد الباحث الألماني والخبير في الشأن السوداني رومان ديكرت ـ في مقابلة مع دويتشه فيله ـ خطوة انسحاب ياسر عرمان ويرى أنها كانت "خطوة أنانية" من قبل الحركة لأنها رسخت لدى الناخبين شعورا بالإحباط وبأنه لا جدوى الممارسة السياسية.
من المنطلق ذاته يختلف ديكرت مع حجة الأحزاب المقاطعة والقائلة بأن المشاركة في انتخابات غير ديمقراطية هو تزوير لإرادة الشعب وتمثيلية غرضها اكساب النظام الحاكم مشروعية. فبرغم تفهمه لمخاوفها وشكوكها من عدم ضمان نزاهة الانتخابات، إلا أن ديكرت يرى أولا أنه من غير الممكن إثبات التزوير قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع، ثانيا أن الأهم من نتيجة الانتخابات سواء شابها التزوير أم لا هو ترسيخ تقليد المشاركة في العملية السياسية في البلاد وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة للأحزاب، ومن ثم إطلاق عملية الإصلاح الديمقراطية. لذلك يجد ديكرت في موقف أحزاب المعارضة التي قررت الانخراط في الانتخابات موقفا جديرا بالاحترام. جدير بالذكر أن حزب المؤتمر الشعبي والاتحادي الديمقراطي والتحالف الوطني السوداني وبعض الأحزاب الصغيرة الأخرى قررت المشاركة في الانتخابات رغم إعلانها عن شكوكها حول نزاهتها.
مستوى المحليات للانتخابات أكثر إثارة
ما هو الوضع الذي ستفرزه الانتخابات إذن وسط هذا الكم من تباين المواقف؟ الصحفي السوداني أبو خوخ يرى أن الانتخابات القادمة ستسفر عن إعادة إنتاج لمشهد نيفاشا السياسي والمتمثل بسيطرة شريكي الاتفاقية، حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، على السلطة في شطري البلاد، مع حدوث تغييرات طفيفة، مثل خروج الحزب الشيوعي وانضمام المؤتمر الشعبي إلى قائمة الأحزاب العاملة في الإطار البرلماني للاتفاقية. وهذا المشهد من شأنه أن يكرس لصققة غير مكتوبة بين شريكي الاتفاقية، ويتكهن كثيرون بوجودها، ومفادها أن تترك الحركة الشمال للمؤتمر، ويترك المؤتمر الجنوب للحركة، مما يمهد الطريق أمام ما أسماه المبعوث الأمريكي للسودان سكوت جريشون "طلاق مدني وانفصال سلس".
يبقى من المهم الإشارة إلى مستوى بعيد عن بؤرة الضوء من الانتخابات وهو المستوى المحلي، حيث من المنتظر أن يكون هذا المستوى أكثر إثارة من غيره من المستويات التي يمكن التكهن بنتائجها سلفا. الصحفي أبو جوخ يتوقع أن يفشل المؤتمر الوطني في إحكام قبضته على المجالس النيابية في الولايات الشمالية، أو على الأقل ستقل سيطرته عليها وعلى ولاتها. كذلك يتوقع أن تؤدي الانتخابات على هذا المستوى إلى إحداث تغيير بنيوي في توازنات القوى داخل الأحزاب، إذا ستتمكن القواعد الحزبية من تشكيل عنصر ضغط على صناع القرار في أحزابهم، لأنهم لن يعودوا معينين من قبل رؤساء الأحزاب لكن منتخبين من قبل الشعب وسيرتكزون على إرادته.
الكاتب: هيثم عبد العظيم
مراجعة: عبده جميل المخلافي