مبادرة فنية – بعد الأحياء هجرة الأموات إلى أوروبا أيضا
١٧ يونيو ٢٠١٥"لقد جاء الموتى" – إنه ليس عنوانا فيلم رعب بل عنوان عمل فني جماعي، في مقبرة للمسلمين برلين بغتو وبحضور إمام تم دفن جثة بشكل رمزي لبقايا سيدة سورية غرقت في البحر الأبيض المتوسط خلال عبورها نحو أوروبا.
قصة هذه السيدة تعبر عن القدر المحتوم لكثيرين. هربت مع زوجها وأطفالهما الثلاثة من دمشق نحو السودان، ومن هناك نحو مصر ثم ليبيا وعبروا البحر نحو إيطاليا، لكنها غرقت مع طفلتها ذات العامين، بينما تمكن زوجها مع ولديه الصغيرين من النجاة. الثلاثة ينتظرون الحصول على حق الإقامة كلاجئين في ألمانيا.
عملية الدفن الرمزية هذه تعبر عن رفض تشديد إجراءات قبول اللاجئين التي تعمل بها دول الاتحاد الأوروبي. حسبما يقول يوستوس لينز من "مركز الجمالية السياسية" في ألمانيا، ويوضح أن "ألمانيا واحدة من أغنى بلدان العالم، البيروقراطية الألمانية، حيث يمكنها حل المشكلة، غير أنها لا تقوم بذلك".
دعي لهذا التجمع صحفيون وسياسيون ومسؤولون في الحكومة. حتى وزير الداخلية توماس دي ميزير والمستشارة ميركل وزوجها وجهت لهم الدعوة وحجزت لهم مقاعد في الصفوف الأولى. لكن أحدا منهم لم يحضر.
عمل فني صادم
روبرت نيودك أحد مؤسسي اتحاد أطباء "الطوارئ الألمان" والذي يعمل على سفينة إنقاذ المهاجرين "كاب انماور" يدعم المبادرة الفنية بقوة من كل قلبه. "نريد أن نضع حجر أساس للرأي العام في ألمانيا وفي أوروبا نوضح من خلاله انتهاكات حقوق الإنسان في العالم". يقول في حديث له مع DW.
العمل الفني هذا لاقى انتقاد من بعض الشخصيات السياسية. السياسي في حزب الخضر فولكر بيك وصف العمل بأنه "غريب ويدعوللاستخفاف". بالنسبة لكاتيا كيبنغ رئيسة حزب اليسار كان العمل الفني "صعب إلى آخر حد". بيد أن روبرت نويدك دافع عن ذلك وأوضح أن الفنانين انتظروا منه نقل صورا صادمة للواقع، " فلو لم يكن العمل جدليا لفقد قيمته وخلفية أسبابه". وفي هذا السياق أشار الى مثال العمل الكاريكاتوري بشأن النبي محمد الذي أثار جدلا كبيرا، فقط لأنه يحمل دلالات دينية.
سيتم نقل عشر جثث من تركيا واليونان وإيطاليا إلى ألمانيا بعد موافقة ذويهم على ذلك لدفنهم بحضور أئمة وقساوسة. ويؤكد الفنانون أنهم يسعون بذلك الى القيام بدفن هؤلاء بوقار، دون ذكر اسمهم. "نحن نريد منحهم المثوى الأخير"، كما يقول فيليب روخ مدير مشروع العمل الفني. روخ ليس فنانا مجنونا، بل فيلسوفا ومسرحيا يعمل في مسرح مكسيم غوركي في برلين ومسرح دورتموند.
" كرامة الإنسان لا تمس"
يسعى الفنانون بذلك إلى إذكاء نقاش حول السياسة الأوروبية بشأن موضوع اللجوء. على صفحة: "مركز الجمالية السياسية" يتم توثيق تلك السياسة الأوروبية القاسية: لاجئون غرقى، مقابر لأشخاص مجهولي الهوية، جثث لاجئين قذفت بهم مياه البحر نحو إيطاليا. جثث في ثلاجة حفظ الموتى. بقع دم يابسة. مثل هذه الصور تتناقض مع فكرة الحقوق المشروعة للإنسان في كرامته، حتى بعد موته، كما يقول كلاوس شتايك، المدير الأقدم لاتحاد الفنانين في برلين في حديث له مع DW : "عندما نريد نتحدث عن قيم عالية مشتركة، يجب علينا إذن أن نتذكر تلك القيم. ومن ضمنها ولاشك: الفقرة الأولى من القانون الأساسي الألماني ( كرامة الإنسان لا تمس). وينظر شتايك للعمل الفني هذا بنوع من التشكك. فالاستفزاز وسيلة مشروعة للفت النظر، غير أنه يتساءل: هل يقوم المرء بالإستفزاز فقط من أجل الاستفزاز وحده؟".
الكاتب انغو شوتزه، احد الكتاب الألف من 26 بلدا الذين وقعوا للمطابلة بتغيير سياسات اللجوء يقول: "مبدئيا أجد أن القيام بعمل كهذا أمر صحيح، رغم أن قيمة العمل ينطلق من التفاصيل، ومن كيفية صلاحيته بشكل مناسب". ويعتبر المتحدث أن أوروبا تتحمل مسؤولية ذلك ويتساءل: "بأي مقياس نكون نحن الأوروبيون على استعداد لأخذ مسؤوليتنا بشكل عادل، وننظر للعالم على أنه عالما واحدا، ونتعامل على هذا الأساس؟. لا يتعلق الأمر بكيفية إنقاذ اللاجئين ، بل أصلا بمعالجة أسباب اللجوئهم".
يوم الأحد القادم (21 حزيران / يونيو 2015) تقوم الجماعة الفنية بنقل "أعمالها الفنية" وعرضها أمام مكتب المستشارية في برلين فيما أطلقوا عليه "مسيرة الحزم". وهناك سيتم بشكل رمزي وضع المهاجرين الأموات وعرضهم كنصب تذكاري. روبرت نيودك، أحد المشاركين في المبادرة يقيم أهمية هذا العمل الفني و يقول بهدوء: "على المجتمع أن يكون سعيدا، لأنه مازال يملك قدرة داخلية للتظاهر، وحيث يمكن للفنانين أنفسهم عرض فنهم على العلن".