مخاطر حرب طويلة تهدد مستقبل أبيي في السودان
٢٥ مايو ٢٠١١لم تجلب اتفاقية السلام التي عقدت في عام 2005 بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية أي سلام لأبناء منطقة أبيي. بل اجتاحتها التوترات بعد أن كانت قبائل دينكا نقوك التسع وقبيلة المسيرية العربية تعيش بسلام ووئام.
"الحل تحت الشجرة"
"هذا السلام جلب لنا المشاكل" هكذا يقول رئيس اتحاد قبيلة المسيرية، محمد خاطر جمعة في حديث مع دويتشه فيله. خاطر يشير إلى التعايش السلمي التاريخي بين المسيرية والدينكا. ويرى أن سبب تعكير الأجواء بينهما يعود إلى تدخل السياسيين وتسييس القضية "إلى درجة لم يعد حلها ممكنا بسهولة". وهو يرى أن الحل يكمن في ابتعاد المؤتمر الوطني والحركة الشعبية عن القضية وتركها للقبيلتين المتعايشتين" نحن كفيلان بحلها بجلسة واحدة تحت ظل شجرة."
احتلال بسرعة خاطفة
تطورات متلاحقة شهدتها أبيى منذ اشتباك الجيش السوداني والجيش الشعبي يوم الخميس الماضي، 19 مايو، حيث خلفت الاشتباكات الكثير من القتلى والجرحى وآلاف النازحين. وبسرعة خاطفة دخل الجيش السودانى أبيى، معلنا احتلالها بالكامل، ومعلنا إياها منطقة حرب. وبات كثير من المواطنين، من الجنوب والشمال، الذين تحدثت إليهم دويتشه فيله يرون أن ثمة حربا قادمة على هذه المنطقة الصغيرة بسبب غناها بالنفط.
بعضهم ركز حديثه حول الوضع المأساوي لمواطني أبيى مثل اسماعيل دومنيك، من الاستوائية فى جنوب السودان، والذي توقع وضعا إنسانيا صعبا في غضون الأيام القادمة. وقال دومنيك لـ دويتشه فيله إن الوضع الحالي الذي يعاني منه النازحون حول مدينة أبيى "فوق التصور ولا يمكن وصفه".
وكشف دومنيك عن ضربة أخرى تلقتها المنطقة عقب ضربة الجيش السوداني واحتلاله لها، وجاءت من المنشقين عن الحركة الشعبية والجيش الشعبي فى جنوب أبيى. وأكثر من تضرر منها دينكا نقوك. وأكد أن موسم الأمطار الذي بدأ مبكرا هذا العام سوف يفاقم معاناة المواطنين العالقين والذين "لن يتمكنوا من النزوح جنوبا خارج دائرة النار لأن كل الطرق مغلقة."
العودة إلى مربع الحرب!
من جانبه يعتبر الباحث مصعب شريف والمهتم بالتطورات السياسية فى أبيى، خطوة التصعيد التي اتخذتها الحكومة باحتلال منطقة أبيى، "مؤشرا خطيرا للعودة إلى مربع الحرب والرجوع بالتاريخ السوداني إلى خمسة أعوام إلى الوراء".
ويأسف شريف لعودة الحرب التي تعني، حسب رأيه، أن يفقد السودان المزيد من قوته البشرية وأن يدفع نفس الثمن الذي دفعه طيلة نصف قرن من الزمان. ويبرر ما ذهب إليه بما ورد على صدر صفحات صحف الخرطوم بأن الجيش قام بطرد "العدو" من أبيى، وقال إن استخدام عبارة "العدو" في هذه اللحظة الحاسمة في تاريخ السودان "يعتبر إجهاضا للاتفاقية ولروحها"، ويشير إلى أن المؤتمر الوطني قد وقع على نيفاشا وهو مكره.
وأكد شريف أن احتلال أبيى فى هذا التوقيت لا يعنى التصعيد مع دولة الجنوب الوليدة، وإنما تصعيدا مع المجتمع الدولي وهو الأمر الذي سوف يؤدي إلى تشديد العقوبات على السودان، في الوقت الذي لم ترفع فيه العقوبات القديمة، وقال شريف "الشعب السوداني هو الذي سيحصد نتاج ذلك كله وليس قادة الحزب الحاكم".
"مائة وخمسون ألف نازح منذ الأسبوع الماضي"
وكشف رئيس مجتمع أبيى المدني، الدكتور كارلو ايويل، في حديث هاتفي من جوبا مع دويشته فيله عن عدد الذين نزحوا من المنطقة، قائلا إن عددهم يقدر بحوالي مائة وخمسين ألف نازح منذ الأسبوع الماضي. وأضاف ايويل بصوت متهدج "إن الفارين من جحيم الحرب فى أبيى يعيشون في العراء دون مساعدات من أي جهة حتى الآن ، بلا غذاء أو مأوى" فأبيي منطقة عمليات منذ فترة طويلة، وتم قبلا حرق ثلاث قرى رئيسية تابعة لدينكا نقوك من قبل المسيرية أو المليشيات المدعومة من المسيرية، وتم تشريد سكان هذه القرى.
وأكد أن حل الأزمة صار مستعصيا بسبب عدم وجود إرادة سياسية لدى المؤتمر الوطني لحل المشكلة، لأن الأخير، حسب رأيه، يستخدم المسيرية "درقة" للاحتماء بها من مواجهة المشاكل بينه وبين الجنوب في حالة حدوث حرب بينهما.
ضرورة الضغط الدولي
الإعلامي المختص بشؤون الجنوب، في إذاعة مرايا التابعة لبعثة الأمم المتحدة، أمير السني، يكشف عن الوضع الإنساني لمواطني المنطقة. ويقول السني، فى حوار مع دويتشه فيله، إنه يتوقع المزيد من موجات النزوح خلال الأيام القادمة، خاصة من دينكا نقوك. وقال إن الوضع الحالي للنازحين يعتبر وضعا كارثيا ويتطلب تدخلا عاجلا، لأن المنطقة تعاني من جفاف وظروف اقتصادية صعبة نتيجة لاستمرار التوترات في المنطقة.
ولم يبد السنى متفائلا بحل قريب ما لم يكن هناك حل جذري للأزمة. ففي رأيه، لن ينعم مواطنو أبيى، مسيرية ودينكا نقوك، بوضع إنساني في القريب العاجل، ولن يتمتعوا بالحقوق المدنية والاقتصادية والإنسانية ما لم يكن هناك" حل جذري يوقف الصراع القائم بين شريكي الاتفاقية ويمهد لإقامة عدالة اجتماعية واقتصادية ودينية بين مواطني أبيى". هذا الحل في رأيه يمكن أن يكون من خلال اتفاق ملزم لطرفي الاتفاقية وعبر ضغوط دولية، نظرا لفقدان الثقة بين الشريكين والتي تكاد تكون معدومة على حد وصفه.
الوضع فى أبيى قابل للاشتعال في غضون الأيام القادمة، وإذا تطور الموقف إلى حرب، فإن هذه الحرب ستكون أكثر ضراوة من الحرب التي شهدها السودان طيلة 22 عاما، لأنها هذه المرة ستكون بين دولتين مستقلتين وليس بين دولة ومتمردين عليها!
عثمان شنقر/ الخرطوم
مراجعة: منى صالح