مخرجة "السلحفاة التي فقدت درعها": الفيلم رحلة بحث عن هويتي
٢٠ ديسمبر ٢٠١٢يناقش فيلم "السلحفاة التي فقدت درعها" قصة واقعية وذاتية عاشتها المخرجة الشابة باري القلقيلي. لما كان عمرها 12 عاما عاد والدها إلى فلسطين للكفاح من أجل استقلال البلد. بعد عودته حاولت استنطاقه، النبش في أحلامه وكوابيسه وأخرجته من قبو البيت حيث انعزل، لتسافر معه إلى فلسطين ومصر والأردن، وتصور معاناته. DW حاورت المخرجة الشابة للاقتراب أكثر من مضمون الفيلم ونظرتها لنزاع الشرق الأوسط.
وفيما يلي نص الحوار:
ـ بداية هنئيا لك بالجائزة. ما هو شعورك بتتويج فيلمك بجائزة المهر العربي لمهرجان دبي؟
كان شيئا مهما لي أن يشارك فيلمي "السلحفاة التي فقدت درعها" في مهرجان دبي السينمائي وأن يحصل على جائزة. إنها أول جائزة يحصل عليها الفيلم في العالم العربي. أنا سعيدة بذلك لأن الجائزة اعتراف بالمجهود الذي قمت به. وأهمية الجائزة أيضا تتجلى في أنها ستفتح لي الأبواب على العالم العربي. لقد تعرفت على مخرجات ومخرجين شباب من دول عربية مختلفة وهذا ما يجعلني أقترب أكثر من الثقافة العربية وعن المجال السينمائي في العالم العربي.
وُلدت وكبرت في ألمانيا والفيلم عبارة عن رحلة بحث عن الهوية من خلال أحاديثك مع الأب الفلسطيني ومرافقتك له لزيارة فلسطين. فهل تعتبرين نفسك الآن فلسطينية أم ألمانية أم هما معا؟
أنا أنتمي إلى الجيل الثاني ولا أعرف الثقافة العربية جيدا ولا أتكلم اللغة العربية ولم أتذوق آلام المنفى. فيكف سأفهم أبي؟. بدأت أطرح سؤال من أنا؟ ما علاقتي بقصة والدي؟ هل أنا ألمانية؟ أم فلسطينية ألمانية؟ أم فلسطينية من الجيل الثاني في المنفى؟ إنها أسئلة صعبة جدا. حتى الجمهور يسألني هل أنت ألمانية أم عربية؟. عندما كنا نصور الفيلم سافرنا إلى مصر، إلى إسرائيل وإلى فلسطين والأردن. كنت دائما أشعر أنني ألمانية لأننى لم أكن أفك رموز لغة وثقافة عائلتي الفلسطينية والناس الذين التقيناهم.
كان أبي يتذمر من بعض تصرفاتي أمام الآخرين أو عند العائلة. كل مرة أكتشف أننى تجاوزت حدودا لم أكن أعرف من قبل أنها ممنوعة. كأن أذهب مع صديقتي المساعدة لوحدنا دون مرافقة الأقارب لشراء مشروب. بعد نهاية تصوير الفيلم قلت في قرارة نفسي أنا ألمانية لأنني أحس بالغربة في فلسطين. لكن أثناء تقطيع وتوضيب الفيلم لاحظت تعلقي بقصة والدي وشعوري بمعاناته. فبدأت أشعر بالإغتراب في ألمانيا لأن قصة عائلتي مختلفة عن العائلات الألمانية العادية. بعد عرض الفيلم وعبر النقاشات التي تلته مع الجمهور توصلت بقناعة مفادها أن هويتي الفلسطينية تستمد دعائمها من كوني لم أعش في فلسطين ولا أعرف فلسطين. وهذا شعور أتقاسمه مع العديد من الفلسطينيين في المنفى.
الفيلم يعج بأحاديث وحوارات بينك وبين أبيك حول فلسطين، الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، السلام في المنطقة. أين تتفقان وأين تختلفان؟
إنه سؤال صعب. كان أبي يغضب كلما أطرح عليه سؤلا حول فلسطين. شعر بالصدمة بسبب جهلي بالوضع السياسي هناك وبسبب عدم فهي للعديد من مظاهر الثقافة العربية. أشعر أنه يتجاهل كوني لم أعش هناك. الفيلم جاء لإخراجه من مغالاته في الوطنية. نحن الاثنان نؤمن بالحل التالي: دولة واحدة يعيش فيها الإسرائيليون والفلسطينيون بغض النظر عن دينهم وأصلهم. لكني استنتجت أيضا أننا نفقد أعصابنا كلما ما عوملنا بسوء ونضطر للدفاع عن أنفسنا. فعند النزاعات تنقصنا الدبلوماسية.
كيف كان رد فعل والدك وعائلتك تجاه الفيلم؟
لقد اعطيت لأبي النسخة ما قبل النهائية بعد التوضيب فضحك. صوت أبي حاضر في الفيلم وكان يقوم بذلك وكأنه يلعب وكأنه حفظ الحوارات من قبل. لم يكن سهلا بالنسبة له التعبير عن مشاعره باللغة الألمانية مثلي لكنه نجح في ذلك. لقد ضحك كثيرا من صورته وهو يشاهد الفيلم. لكن لما وصلنا إلى أحد المشاهد التي تعرض فيها للاحتيال من أجل بيع منزله تملكه الغضب. لكن أثناء عرض الفيلم في برلين كان يستمتع بالحديث مع الجمهور. وأعتقد أنه سعيد لأن العديد من الناس تابعوا قصته وتضامنوا معه.
وطبعا شعر بالفخر تجاه ابنته. أما بالنسبة لأمي فالفيلم هو فصل من الألم. في البداية لم ترغب في الظهور في الفيلم لأنها اعتقدت أن الفيلم يعالج قصة أبي وحده. لكنني صممت على أن تشارك ولو في الخلفية: فتح الباب، التدخين، تنظيف البيت. عند عرض الفيلم يسألني الجمهور عن أمي وعن صمتها وصبرها لكن البعض أعابوا عليها صبرها على رحيل أبي الذي تركها من أجل حلمه في الكفاح من أجل فلسطين.
دعينا نتحدث عن الفيلم الوثائقي بشكل عام. هل الوثائقي يبلغ الرسائل بشكل أفضل من أصناف الأفلام الأخرى؟
قوة الفيلم الوثائقي تتجلى في أصالته. ترى شخصا وتعرف أنه شخص واقعي وأن الأمر يتعلق بالحياة الفعلية ويحكي قصصا واقعية. فخلافا للأفلام الروائية فالممثلون في الوثائقي ليست لديهم تقنيات معينة لأداء أدوارهم. يقومون بذلك بعفوية كبيرة تماما كما يفعلون في حياتهم العادية. فالحياة مسرحية نؤدي أدوارنا فيها بشكل يومي. لكن في الوثائقي هناك لحظات نرفع فيها الأقنعة نحدق في وجوه الأشخاص ونخرج الحقيقة من عيونهم، نتعرف على مخاوفهم، أحلامهم دون أن ينبسوا ببنت شفة.
الوثائقي قنطرة لإستكشاف الآخر ومشاعره ومشاكله. أثناء التصوير تصادفك مشاهد وحوارات عفوية لن تخطر ببالك لو أردت الكتابة قبلا. الوثائقي له قدرة إيصال قصص الأخرين لكن هل هو يقوم بذلك بشكل أفضل من الفيلم الروائي فأنا لا أعرف.
إلى أي حد يمكن للفن والسينما بشكل خاص المساهمة في دعم عملية السلام في الشرق الأوسط؟
الفن يخترق الحواجز ويفسح المجال أمام التفكير، التضامن، تبادل المشاعر وطرح الاسئلة. الفن له القدرة على رواية حكايات "الآخرين" ومعالجتها بشكل أعمق من التقارير العابرة. الفن له القدرة على الغوص في معاناة الناس وأمالهم. إنطلاقا من كل هذا فأنا أعتقد أن الفن بمقدوره أن ينقدنا من الصراعات وأن يكون حلقة وصل بيننا.
هل ستستمرين في الاهتمام بالنزاع في الشرق الأوسط أم أنك تهتمين بقضايا أخرى؟
قصة أبي مرتبطة بالنزاع في الشرق الأوسط وهذا موضوع أثر ويؤثر على حياتي. لكن كمخرجة سينمائية لن أبقى سجينة موضوع واحد. أنا أهتم بقضايا الإنسان بشكل عام، المكافح من أجل تحقيق أهداف نبيلة في المجتمع. أهتم بالمناطق التي هي شاهدة على ماض جريح وهي موجودة في كل بقاع العالم.
المخرجة باري القلقيلي: ولدت عام1982 في برلين لأب فلسطيني وأم ألمانية. في عام 2006 أنهت المخرجة دراستها الجامعية في العلوم الإنسانية، غير أنها فقدت الرغبة في الاستمرار في البحث الأكاديمي، لتشد الرحال إلى الأرجنتين في رحلة استكشافية للبلد، وهناك تعرفت على مجموعة من الشباب الذين ينجزون أفلاما وثائقية. لتبدأ في دراسة الإخراج في "ميونيخ" جنوب ألمانيا.