هوة كبيرة بين طبيعة الشعوب والصور النمطية السائدة عنها
قام باحثون مختصون في علوم الإجتماع في الآونة الأخيرة بالكشف عن نتائج أبحاث واسعة تناولت مسألة وتأثير الآراء الشائعة والأحكام المسبقة المنتشرة بين الشعوب. وفي هذا الخصوص قامت مجلة "ساينس" العلمية ذائعة الصيت في عددها الأخير بنشر نتائج دارسة حلل فيها الباحث الأمريكي أنتونيو تيراكيانو وفريقه من المعهد القومي في بالتيمو استطلاعات للرأي شارك فيها أكثر من 4000 شخص في ما يقارب 50 بلداً من شتى بقاع المعمورة.
الصور النمطية وشخصية الإنسان
قام المشاركون في إطار هذه الاستطلاعات بتقييم أنفسهم وتقييم أصدقاء لهم وصفاتهم الشخصية. وكان من أهم هذه الصفات: حب المغامرة والاستقرار الداخلي والشعور بالالتزام والانفتاح والمودة. وإضافة إلى ذلك فقد كان على المشاركين أن يصفوا صورة لشخص يعكس في خصائصه وسلوكياته الثقافة السائدة في بلدهم. أما النتيجة فكانت واضحة للغاية: من الممكن أن تكون الخصائص الإقليمية الشائعة لبلد ما مسلية وظريفة، ولكنها غالباً لا تمت للحقيقة بصلة، فتقييم الشخص لنفسه ولأصدقائه كان متشابها ًإلى حد بعيد. أما التقييم الثالث لشخص يعكس صورة الثقافة السائدة في هذا البلد فقد جاءت بعيدة كل البعد عن التقييمين الأول والثاني.
نتائج مثيرة
يستخلص الباحثون من هذه الدراسة أن هذه الخصائص الإقليمية السائدة لهذه الشعوب قد تكون من صنع المجتمع نفسه، وربما ما توظف في خدمة المحافظة على هويته القومية. وحسب مجلة "ساينس" فإن هذه الآراء الشائعة والأحكام المسبقة قد تثبت وترسخ في عقول الناس من خلال ميولهم المختلفة في معالجة المعلومات والتعامل معها. وبمعنى آخر، إن الناس ينسون الأشياء التي تخالف وتناقض آراءهم وتصوراتهم بشكل أسرع من تلك الآراء الشائعة والراسخة في العقول. وفضلاً عن ذلك يشير الباحثون إلى أن الآراء الشائعة والأحكام المسبقة أصبحت ظواهر ثقافية يتم تناقلها عبر وسائل الإعلام والإشاعات والتربية والتاريخ والقصص الطريفة، وليس لها أي صلة بشخصية الإنسان.
الباحث ترياكيانو وزملائه لم يجدوا على سبيل المثال أي تأكيد للأحكام المسبقة والآراء الشائعة المنتشرة على الشعب الإيطالي. إذ أثبتت الدراسات والاستطلاعات أن الشباب الإيطالي لا يتميزون بعقلية الباشا الذكورية (عقلية الماتشو) كما هو شائع عنهم، أي أنه لا يمتلكه شعور بأنه أرفع وأعلى مكانة من المرأة. وفي هذا الصدد يقول الباحثون أن الشعب الأسترالي يعتبر نفسه مبتهجاً، في حين يعتبر الشعب الألماني نفسه مطيعاً، أما الشعب الكندي فيعتبر نفسه شعباً مرحاً خفيف الظل.
عواقب بغيضة للصور النمطية
وتظهر الثقافات المرتبطة جغرافياً وتاريخياً كألمانيا والنمسا أو الولايات المتحدة الأمريكية وكندا تقارباً وتشابهاً كبيراً في شخصية وسلوك وتفكير الأفراد في هذه المجتمعات. نتائج الدراسة هذه تضعف كل الاعتقادات السائدة بأن الاختلافات في الخصائص الإقليمية لبلد ما تعود إلى الاختلافات الجينية بين المجموعات الثقافية والعرقية المختلفة فيه، حسب ما يقول ريتشارد روبينز من جامعة كاليفورنيا في ديفس في مقال نشر له في مجلة "ساينس" العلمية. هذه الاعتقادات الخاطئة طالما كانت أساساً للتمييز العنصري والنزاعات بين الشعوب، كما أسيء استعمالها كذريعة لحروب بشعة بين الشعوبأدت في بعض الأحيان إلى تطور نزعات الفاشية ووقوع جرائم الإبادة الجماعية البغيضة.