"حان الوقت لأن تتوقف الدول الغنية عن إعطاء الدروس للدول الفقيرة"
٢٩ مايو ٢٠٠٧مع قرب موعد انعقاد قمة مجموعة الثمان في مدينة هايليجندام الألمانية وكثرة الجدل الذي يحيط بهذه القمة، وخاصة فيما يتعلق بالدور الذي يمكن أن تلعبه هذه المجموعة في محاربة الفقر والأمراض كتب لنا الخبير الاقتصادي العالمي جيفري ساكس تعليقا حول هذه القمة وسقف التوقعات منها وحجم وعودها بمساعدة القارة السمراء. يذكر أن ساكس هو مستشار خاص في الأمم المتحدة لبرنامج "الأهداف التنموية الألفية" منذ عام 2002. ومنذ ذلك التاريخ يعمل أيضا مديرا لمعهد الأرض في جامعة كولومبيا الأمريكية في مدينة نيويورك. واشتهر ساكس من خلال عمله كمستشار حكومي لتحقيق إصلاحات اقتصادية راديكالية في روسيا وبوليفيا ودول أخرى.
في عام 2000 ومع بداية الألفية الجديدة اتفقت دول العالم على مكافحة الفقر والجوع والمرض فيما عرف حينها بـ "أهداف الألفية" والتي وضعت عام 2015 كموعد لإتمام تحقيقها. اليوم نحن في منتصف الطريق إلى عام 2015، إلا أن دول مجموعة الثمان الغنية لم تف بما وعدت به رغم موافقتها المتكررة على زيادة المساعدات التي تقدمها للدول الفقيرة. وحينما تتقدم دول مانحة جديدة مثل الصين وتبدأ بتقديم أموال إلى دول أفريقيا وآسيا الفقيرة فإننا نجد أن الولايات المتحدة وأوروبا تشرعان بالشكوى وكأن لديهما حق باحتكار تقديم المساعدات وأن هذا الحق قد انتقص. إن سمعة مجموعة الثمان ستسوء إذا لم تكن عاقدة العزم أو قادرة على ترجمة أقوالها إلى أفعال على أرض الواقع.
الحقيقة العارية
لقد وعدت مجموعة الثمانية في قمتها التي عقدت عام 2005 في مدينة غيلنيغليس بمضاعفة مساعداتها المقدمة للقارة الإفريقية، ولكن ليس هناك خطة توضح كيف سيتحقق ذلك. وفي السنة الأولى بعد 2005 تم تضخيم قيمة المساعدات المقدمة إلى أفريقيا من خلال احتساب إعفاءات الديون وكان هذا أمرا مضللا. والآن وبعد أن شارفت عملية إعفاء الديون على الانتهاء بدأت الأرقام تظهر الحقيقة العارية وهي أن قيمة المساعدات إلى أفريقيا والدول الفقيرة بشكل عام تكاد لم ترتفع.
فقيمة المساعدات المقدمة لإفريقيا دون احتساب قيمة إعفاءات الديون لم ترتفع سوى بنسبة 2 بالمائة في الفترة ما بين 2005 و2006. هذا الارتفاع الطفيف بعيد جدا عن الهدف الذي وضع وهو مضاعفة قيمة المساعدات. حتى إن القيمة الرسمية للمساعدات المقدمة لجميع الدول -دون احتساب قيمة إعفاءات الديون- انخفضت بنسبة 2 بالمائة في نفس هذه الفترة وكذلك البنك الدولي الذي عادة ما يتبنى وجهة نظر الدول المانحة اعترف مؤخرا بأنه فضلا عن إعفاء الديون "لم تتحقق الوعود بتقديم مساعدات كبيرة".
وعود سهلة
إن قيمة المساعدات التي نتحدث عنها ليست قيمة ضخمة من الأموال يصعب على الدول الغنية تقديمها، إنما هي قيمة تافهة. إن مجموعة الثمان الغنية التي يبلغ عدد سكانها حوالي مليار نسمة وعدت بمضاعفة مساعدتها إلى أفريقيا من 25 مليار دولار أمريكي في عام 2004 إلى 50 مليار في عام 2010. هذه الزيادة التي تبلغ 25 مليارا لا تشكل سوى واحد بالألف من مجموع دخل الدول الغنية المانحة. وعلى سبيل المثال بلغت قيمة العيديات المقدمة أثناء فترة الأعياد في بورصة وول ستريت الأمريكية العام الماضي 24 مليار دولار. كما أن نفقات حرب العراق التي لا ينتج عنها إلا العنف تبلغ حاليا أكثر من 100 مليار دولار في السنة. لذا فإنه من السهل على مجموعة الثمان أن تحقق وعودها إن هي كانت راغبة ولو قليلا بتحقيق هذه الوعود.
إبهام إلى حد الضجر
إنقاذ المصداقية المتضائلة لمجموعة الثمانية -وهي الوظيفة التي يجب أن تعطى للمتهكمين الذي يعملون في حكومات مجموعة الثمانية- يتطلب ما يلي: أولا، على المجموعة أن تلتزم بشكل واضح لا لبس فيه برفع مساعداتها إلى أفريقيا بقدر 25 مليون دولار أمريكي ليصل مجموع ما تقدمه من مساعدات سنويا إلى القارة السمراء إلى 50 مليار. ثانيا، على مجموعة الثمان أن يقدموا برنامج عمل محدد، فالإبهام الذي يلف وعود دول المجموعة فيما يخص المساعدات يثير الضجر وينم عن إدارة سيئة لدى هذه الدول. ثالثا، يجب إعلام الدول المستفيدة من المساعدات بقدر الزيادة السنوية المتوقعة، وبهذا سيكون من الممكن لهذه الدول أن تخطط ميزانياتها لغاية عام 2010.
ويجب أن تعطى هذه المساعدات لغرض بناء الطرق وشبكات الكهرباء والمدارس والعيادات الطبية. كما يجب أن تستخدم لتدريب المعلمين والأطباء والعاملين في مجال صحة المجتمع. إن هذه الاستثمارات تحتاج لخطط وسنوات لتطبيقها، لذا يجب أن تكون المساعدات محددة بشكل واضح وعلى مدى عدة سنوات كي تستطيع الدول المستفيدة من استخدامها على أمثل وجه.
دفعات من أجل السلام
إن الدول الأفريقية حددت لنفسها أولويات استثمارية هي الصحة والتعليم والزراعة والبنية التحتية (التي تشمل الطرق والطاقة وشبكة الإنترنت). والاستثمارات في هذه القطاعات يمكن أن تزيد بشكل منظم في الفترة القادمة لغاية عام 2015 من أجل تمكين الدول الأفريقية من الوصول إلى الأهداف التنموية التي وضعت للألفية. لقد حان الوقت أن تتوقف الدول الغنية عن إعطاء الدروس للدول الفقيرة وأن تلتزم هي نفسها بأقوالها.
إن التقدم في محاربة الفقر لا يساهم فقط في تأمين الحياة والكرامة للبشر، وإنما يساهم أيضا في تحقيق السلام. لذا فقد حان الوقت لتحميل دولنا المسؤولية عما وعدته ولم تف به.