"يجب أن تكون متيقظاً هنا في لاغوس"
٢٩ أكتوبر ٢٠١٠"كل شيء سيكون على خير ما يرام"، هكذا سمت سيفي آتا أول عمل أدبي لها، تصف فيه حياة شابتين من لاغوس. تعيش الصديقتان أينيتان وشيري في ضاحية أيكوي القريب من مركز مدينة لاغوس، التي تعد أكبر مدن نيجيريا، بعيداً عن الضوضاء وقذارة أحياء الفقراء. أينيتان، المعتنقة للديانة المسيحية، هي ابنة محام يتمتع برخاء العيش، وكان يتولى الدفاع عن النشاطين في مجال حقوق الإنسان خلال الحكم الديكتاتوري العسكري. أما شيري فهي مسلمة ترعرعت في ظروف اجتماعية صعبة وأصبحت في نهاية المطاف عشيقة أحد كبار العسكريين من شمال البلاد، أراد احتجازها في بيته. تحاول الصديقتان على طريقتهما أن تجدان لهما مكانة في عالم يهيمن عليه الذكور والدفاع عن هذه المكانة.
"حين تعطس المرأة في موطني، فسيدعوها أحدهم ناشطة نسائية. لم أول أهمية لهذه الكلمة قط، لكن هل توجد هذه الكلمة التي تصف كيف كنت أشعر من يوم إلى آخر؟ وهل يجب أن تكون هناك كلمة لهذا الشعور؟ لاحظت تغير النساء (...)، فحين بلغن سن الرشد، كانت لهن ملايين الشخصيات الموزعة على ثلاثة أنواع: قوية وهادئة، طيبة القلب ورقيقة، وثرثارة بمزاج جيد، أما البقية فنساء فظيعات".
إن إطار هذه القصة هو مدينة لاغوس في ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي، حينما كانت عاصمة لنيجيريا. وفي أيكوي كان يسكن الكثير من الموظفين ونخبة هذه البلد الذي حصل على استقلاله عام 1960. وفي هذا الحي ولدت سيفي آتا هي الأخرى عام 1964.
واقفة أمام الجسر ذي الأربع ممرات الذي يصل جزيرة فيكتوريا تتذكر آتا ذلك الوقت الذي شُيد فيه هذا الجسر. وتقول عن ذلك: "كان أمراً مثيراً للغاية. كنت أعبره حافية القدمين أو على الدراجة لزيارة أصدقائي القاطنين على جزيرة فيكتوريا. أما اليوم فإن مثل هذه الأمر خطر للغاية بسبب حركة المرور الكثيفة. أنا على الأقل سوف لن أسمح لطفلي بفعل ذلك".
الأغنياء يحيطون أنفسهم بجدران عالية
إن الكثير من سكان إيكوي اليوم سوف لن يقدموا على التفكير في قيادة الدراجة الهوائية، لأنهم يعيشون في أحياء من المنازل الفاخرة المحاطة بالأسوار وأبراج الحراسة الحصينة مثل حي "فورشور إستيت": أبنية فاخرة تتنافس في عرض في ديكورها الرخيص وأعمدتها الإغريقية الجميلة. وكل عقار محاط بأسواره الخاصة المزودة بالأسلاك الشائكة.
أما الطبقة الوسطى، التي تصفها سيفي إيتا في روايتها، فلا تكاد تلبي احتياجاتها الحياتية. لكن ما زال يوجد في ضاحية إيكوي أيضاً لاغوس "الحقيقية" والنشيطة بحيوية غريبة، ومثال ذلك السوق الموجود في على سبيل المثال سوق أوباليند الذي تنتشر فيه أقفاص الدجاج وأمامها أكداس من صناديق البيض ورؤؤس الخس المرتبة بعناية وشجيرات الأناناس. وفي زحمة الزبائن في السوق تقدم مركبات النقل الصغيرة ببطء. المكان يعج بالروائح الطيبة وبأخرى كريهة. "تهيم أسراب الذباب فوق السوق لتحط على المناجو وبين أوراق السبانخ وعلى قطع لحم البقر"، بهذه الكلمات تصف سيفي أتا هذا السوق في كتابها وتضيف: "بعد ذلك تطير لتحط على جداران قنوات المجاري المفتوحة ومن ثم تعود إلى المواد الغذائية". إن الواقع اليوم لا يبدو مختلفاً تماماً. لكن على الرغم من ذلك تحب الكاتبة أجواء السوق التي تمثل تحدياً حقيقياً للغرباء عن هذه المنطقة. عن هذا تقول سيفي آتا محذرة للغرباء القادمين إلى هذه المنطقة: "يجب تكون أن متيقظاً هنا. إن البائعات يفهمن معنا التفاوض في الأسعار، وهن يعرفن أن كنت من الغرباء عن المكان".
"كان من الصعب حب هذه المدينة، فوضى التجارة. التجارة ازدهرت على ناصية الشارع وفي الدكاكين الصغيرة وفي عقلية الباعة المتجولين وفي الضواحي، حيث أخذت منازل العائلات تتحول بحسب الحاجة إلى شركات تمويل أو صالونات حلاقة. والنتيجة كانت قذارة، أكوام من القذارة في الشوارع وقنوات المجاري المفتوحة في الأسواق التي باتت ضحية للقذارة والتجارة".
لكن الشباب من أصحاب الوظائف الدائمة، يفضلون الذهاب إلى السوبر ماركت، تؤكد سيفي آتا. وعدا ذلك تلتقي النخبة الشابة في المقاهي الأنيقة على جزيرة فيكتوريا، حيث يشربون الكاباتشينو ويأكلون السندويتشات أثناء قراءتهم لبريدهم الاليكتروني في كومبيوتراتهم المحمولة، تماماً مثل أقرانهم في نيويورك وباريس وطوكيو. أو يقصدون في عطلة نهاية الأسبوع البارات الممتدة على الشاطئ. وعلى الرغم من أن هناك لافتة تمنع السباحة هنا بسبب التيارات الخطرة لكن الشاطئ برماله الساحرة يجذب هؤلاء الشباب للعب الكرة أو النزهات. جدار من الكتل الخراسانية يحمي المتنزه الجديد والشارع الممتد على الشاطئ من الفيضانات التي كانت حتى سنوات قليلة تجرف الرمال إلى الشارع.
مدينة عملاقة تشهد طفرة كبيرة
تعد مدينة لاغوس حاضرة كبيرة تشهد تحولات كبيرة. أما أحياء الفقراء فتتعارض مع الواجهات الزاهية لمباني حي المصارف، لكن جبال القمامة التي كانت تنتشر في الماضي اختفت اليوم إلى غير رجعة، كما أصبحت الطرقات خالية من أكشاك الباعة. فهل تشكل هذه التطورات مؤشراً على أن لاغوس باتت تشهد من جديد نهوضاً ملموساً؟ تجد سيفي آتا أن الإجابة على هذا السؤال تعد صعبة للغاية. وتعلق الكاتبة النيجيرية عن ذلك قائلة: "توجد هناك حكمة تقول "الخراب لا يطال لاغوس أبداً". لكنني آمل في أننا سوف لا نجلب لها الخراب، نحن سكان لاغوس".
"في اليوم الأول تحدثنا عبر الهاتف. في أي بلد نعيش؟ كيف يمكننا الذهاب من منازلنا؟ في اليوم الثاني كان الأطفال متحمسين، يومين كاملين من دون مدرسة! وفي اليوم الثالث جننوا والديهم. وبسرعة كانت هناك بعض الحلول، فقد أرسل أحد المصارف باصاً جاب على المنازل. أحدهم كان يعرف موظفاً في إحدى شركات النفط التي كانت تمتلك مخزوناً كبيراً من البنزين، آخر كان يعرف أحدهم، يعرف بدوره شخصاً آخر يبيع البنزين بأسعار السوق السوداء".
تقول سيفا آتا إن الزحام المروري والنقص في البنزين وتدفق الناس ومستوى سطح البحر الآخذ في الارتفاع والذي يقلص مساحة الشواطئ والبحيرات، كل هذه مشاكل تقلص من حجم التفاؤل. وتضيف الكاتبة النيجيرية قائلة: "لكن على الرغم من ذلك ما زلت متفائلة لسبب ما، قد يتلخص في أنه لا يوجد خيار آخر أمامي بديلاً عن التفاؤل".
توماس موش/ عماد مبارك غانم
مراجعة: عبده جميل المخلافي